أشياء مأمولة من وزارة الإعلام المصونة!
منذ سنوات تبدو وزارة الإعلام لدينا غائبة أغلب الوقت، قد يأتي وزراء إعلام ويرحلون دون أن يظهروا ولو لمرّة واحدة في الإعلام، تمضي سنوات أحياناً دون سماع أي تحرّك أو تأثير فعّال لهذه الوزارة، على الرغم من ضخامة جهاز الموظفين التابع لها، أيضاً تتبدّى تعقيدات علاقة الوزارة مع الهيئات التابعة لها أمام الجمهور في كثير من الأحيان.
بعض الأشياء التي أدونها هُنا هي بديهيّات، وبعضها متعلق بالحالة السورية، ليست كافية، ليست مُرتّبة، لكنها مترابطة، وصار العملُ على تطبيقها اليوم ضرورة لا خيار، هُناك دول متعددة تخلّت عن فكرة وزارة الإعلام واستبدلتها بهيئات أو مؤسسات رشيقة، وقد خطَت سورية هذه الخطوة قبل سنوات لكن سُرعان ما تراجعت عنها، عندما أسّست للمجلس الوطني للإعلام وألغتهُ لاحقاً.
مع تولّي وزير جديد للإعلام مشهود بمهنيّته ومُثابرته ينتظر العاملون في الصحافة والإعلام إدارة أذكى للواقع الإعلامي في سورية، وخلق فضاءات تفاعليّة تحوّل الوزارة من حال إلى حال، نرجو ألا يكون مُحال.
- هويّة بصريّة للدولة السورية
رغمّ أنّ القانون 37 لسنة 1980 يُحدّد شعار الدولة وخصائصه إلا أنّ العُقاب يُستخدم بأشكال متعددة، الرئاسة تستخدم شعاراً خاصاً، قريبٌ منهُ المستخدم في مجلس الوزراء وبعيدةٌ عنهُ أحياناً تلك الشعارات التي تستخدمها الوزارات والهيئات الحكوميّة، بعضها لديه logo وبعضها ليس لديه، ويُمكننا إحصاء أكثر من 10 أشكال وألوان للشعار الرسمي تستخدم في كلّ مكان!
المطلوب ليس فقط الشعار وتعميم مواصفاته، بل أيضاً الخطوط والألوان والقياسات لهذا الشعار والهويّة البصريّة الكاملة بدءاً من تصميم الجلاء المدرسي وليس انتهاءاً باللوحات الإعلانيّة لمباني المؤسسات العامّة والمدارس، علينا توحيد الهويّة البصريّة للوزارات مع تخصيص كلّ وزارة ببعض الألوان وغيرها، فهذه الحالة المنتشرة تقول أنّ كلّ مؤسسة مستقلة وليست ضمن حكومة واحدة. من الممكن اطلاق مسابقة وطنيّة، فالإعتماد على الكوادر الحكوميّة الحاليّة قد لايفي بالغرض، (راتب أي موظف حكومي لا يكفي لشراء نسخة أصليّة من برنامج تصميم) الدول في رسم هويّاتها البصريّة تستعين بمصممين وخبراء من مختلف البلدان، وهناك سوريون ساهموا في تصميم هويّات بصريّة لحكومات دول متعددة، فلنبحث عنهم!
- البوابات الحكومية الإلكترونيّة
اليوم تعتبر المواقع الالكترونيّة صورة الدولة، وبوابة الدخول إليها، يتعامل معها الملايين ويستخدمونها، ومع كُلّ هذا الوقت منذُ ظهورها فإننا لانملك مواقع رسميّة بواجهات مرتبّة، بل مواقع فوضويّة وعشوائيّة، معظمها لايتمّ تحديثه، أكثر الروابط فيها مُعطّلة وتأخذك لصفحات فارغة، مواقعنا مشغولة بطرق بدائيّة ليس فيها الأساسيات المطلوبة مثل هياكل الوزارات وقوانينها ومعلومات التواصل، ليس فيها أخبار محدّثة، ولا بيانات ولا مصادر معلومات، أكثرها تمّ تطويره لمرّة واحدة ورُبّما كان عقد تصميمها غير مصاحب لعقد صيانتها وتشغيلها.
حتى أنك تجد أرشيف الوزارات موزعاً في تطبيقات التواصل الإجتماعي التي تحذفهُ باستمرار وتقلّلُ وصوله وتخفّض دقّتهُ وكثيراً ما تتعرّض الحسابات الرسميّة إلى الاختراق وهُناك بعض الصفحات المزوّرة يتابعها الملايين وتنشرُ باسم الحكومة ماتراهُ مناسباً، في نفس الوقت الذي تعجزُ فيه الحكومة عن مواجهتها أو تفنيدها، فالناس يتبعون الأرقام الكبيرة والأخبار المثيرة وهذا ما يتقنهُ الآخرون. إنّ انشاء مواقع الكترونيّة مفيدة، تضمّ كلّ شيء ممكن عن هذه المؤسسة أو الوزارة بات أمراً أساسيّاً ومهمّاً وضروريّاً، بما في ذلك رئاسة الجمهوريّة، فالمواقع الاجتماعية تُغلق وتقيّد باستمرار الحسابات الحكوميّة، وفي لحظة ما قد تُقرّر ادارات هذه المواقع وهي احتكارات أميركيّة بمعظمها انهاء وجودنا الرسمي أو تقييدهُ تماماً، فماذا نحنُ فاعلون وقتها؟ إنّ بعض الوزارات لاتملكُ أرشيفاً لسنة للوراء، وكلّ أرشيفها في صفحات الفيسبوك التي يصعُبُ الرجوع إليها، بالمناسبة أين أرشيف وكالة سانا؟
- إعادة الإعتبار للصحافة السوريّة
لسنوات طويلة ومريرة، كانت الصحف السورية جامدة متشابهة حدّ التطابق، مع زوايا وصفحات جريئة مُتبدلة بحسب الأحوال والأهوال، وفي مواسم الصحافة الالكترونيّة بُلينا بمئات المواقع الاخباريّة المتشابهة أيضاً، غاب الابتكار وانتشر التكرار، حتّى حلّت السنوات الماضية التي أوقفت فيها طباعة الصحف بحجة تقليل انتشار فيروس كورونا وهو مالم تفعلهُ أيّ دولة حتّى، وصارت بعض المؤسسات الإعلامية التي يعملُ فيها المئات تصل موادها للعشرات فقط.
تأخرت الصحافة السورية الحكومية والخاصّة في محركات البحث لتحلّ في ذيل قوائم المُتابعة، فحلّ محلّها المواقع المدعومة من سفارات دول غربيّة، والمواقع التي تتلقى تمويلات مجهولة المصدر مع بعض المواقع والاذاعات المحليّة التي تُحاول وتحاول بصعوبة. المطلوب هو اعداد استراتيجيّة جديدة للصحافة الرسميّة، وإعادة إصدار للصحف الورقيّة ولو بنسخ محدودة، والمطلوب تبديل العقول التي تدير العمل الإعلامي، لقد انتهى زمانُ التعتيم والتجاهل والقفز من فوق الأحداث، انهُ زمن التفاعل واحترام الجمهور وقول الأشياء على حقيقتها والرّدُ على ما يُطرح ويُقال ويُشاع وليس نسيانهُ وتجاوزه. إنّ كثيراً من الإعلاميين العاملين في المدن الإعلامية اليوم كانوا خريجي هذه المؤسسات، لكن ثمّة من قدّم لهم أجوراً كريمة وهامش حريّات معقولة، ونظماً اداريّة مرنة، فماذا نحنُ فاعلون؟
- مكتبةٌ وطنيّة للبيانات والمعلومات
أيّ مُتابع للشأن السوري وأي صحافي يُعاني من توافر البيانات الحكومية وغير الحكوميّة، مالذي يجعلُ الحكومة تُقفلُ الباب على أرقامها أو تُصعّب الوصول إليها؟ في زمن تسعى فيه الحكومات لكشف كُلّ أرقامها بغية أن تكون حديث الإعلام وتستفيد من متابعته وأفكاره ونقده ومُطارحاته! حتى وزاراتنا قبل عقود كانت تُصدر كتباً سنويّة ونصف سنويّة دوريّة عن أعمالها وأرقامها ومشاريعها، اليوم على الصحافيين أن يدقوا الأبواب لعشرات المرّات لكي يحصّلوا رقماً أو احصائية من البديهي أن تُنشر وتُحدّث باستمرار في المواقع الإلكترونيّة، لقد خلقنا حُراس بوابات لهذه المعلومات والبيانات أسميناهم المكاتب الصحفيّة، فبدلاً من تزويد الصحافة بالمعلومات صاروا يزوّدونها بالأعذار.
نحتاجُ مكتبة وطنيّة الكترونيّة للبيانات والمعلومات، تصبُّ فيها المؤسسات والهيئات والوزارات مالديها، وقتها نستطيع أن نتطلّع لرسائل ماجستير واطروحات دكتوراه وأبحاث أكاديميّة مفيدة لفهم الحاضر ورسم المستقبل، وقتها يكون لكل مواطن حقّ الوصول للمعلومات فلا يكون عرضة للتلاعب والتضليل كلّ ساعة، على افتراض أنّ اعلامهُ المحلّي سوف يُتقنُ مشاركتهُ الحقيقة.
- خطّة تواصل مع المواطنين
على الحكومات المتعاقبة أن تتوقف عن التعاطي مع السوريين كسكان، عليها التعاطي معهم كمواطنين يُحدّدُ الدستور حقوقهم وواجباتهم، بالتالي من واجب الحكومة تحقيق أقضل تواصل ممكن مع مواطنيها، فلتعامل الحكومة (وهذا أضعف الايمان) المواطنين كعملاء لخدماتها ولتُفكّر بخدمة العملاء كما تفكّر أي شركة، ماهو المشهد الذي سينتُج من هذا؟
المواطنون أذكى من الحكومات، في هذا الزمان صار صعباً اخفاء المعلومات والتحايل على المواطنين واعطائهم تصريحات غير مفيدة، هذا زمان الشراكة، والمواطنون شُركاء عندما تشرحُ لهم الموقف بحرفيّته وتشاركهم البيانات الدقيقة سيحملون معك، ويبدون أفكارهم وجهودهم للمساهمة في دعمك وتقويتك، والعكس صحيح، كلّما ابتعدّت عنهم زاد لومهم وخسرت ودّهم وضعف انتمائهم. اذاً خطّة تواصل وطنيّة تجمع خطط تواصل فرعيّة، تتضمن توعيّة رقميّة ومشاركة مواطنيّة وترويجاً للنجاحات وفهماً أفضل للاخفاقات ومساحة مفتوحة للحوار والنقاش والاقتراحات، خطة احترافيّة يصنعها الخبراء بمشاركة المواطنين أنفسهم.
- بُنية تشريعة للإعلام والنشر
تتعدّدُ القوانين الناظمة، كان من المفروض أن تُسهّل الأعمال والممارسة لكنها تحولت لضوابط تمنعُ الابداع وتقيّد الحريات الدستوريّة وتطردُ الأفكار والخبرات، حتى القوانين الجديدة سرعان ما يتمّ تجميد موادها، بالنسيان أو التناسي أو التلاعب بالتعليمات التنفيذيّة، كيف نؤسس صحيفة؟ كيف نرخص موقعاً اعلامياً؟ كيف نفتح دار نشر وكيف نبدأ مركز دراسات؟ عندما تتضح الأجوبة عن هذه الأسئلة البسيطة ويتمّ حصرها وتنظيمها بعيداً عن التدخلات الشخصيّة وغيرها نكون أمام بيئة تشريعيّة تحترم الإعلام والنشر وتنظّمه.
علينا حصر قوانين الاعلام والنشر والصحافة في تشريع موحد عصريّ، لايُصنعُ في مكاتب مغلقة بل في مساحات حوار وتفاعل حقيقيّة لا تحتاج سنوات ولاحتى شهوراً طويلة، مجرّد أسابيع من الجديّة والشراكة والتفهم والفهم المتبادل والايمان الحقيقي بفكرة الحوار وليس التلاعب فيها، ولنستفد من تجارب الدول الأخرى، يكفينا اختلاق خصوصيات وأعذار، علينا المُسارعة للحاق بالمستقبل بدلاً من انتظاره.
- ميثاق وطني للمؤثرين
أعجبنا أم لم يُعجبنا صار الرأي العام يُحرّك من المواقع الاجتماعيّة، وصار يلعبُ هذا الدور نجوم وفنانين ومُراهقين وأفراد من سويّات اجتماعيّة وأخلاقيّة مُتباينة، وصارت السطحيّة والتفاهة طريق الوصول الكبير للملايين، وصار التفكير والتحليل العميق متروكاً وهامشيّاً يحصلُ على اعجابات معدودة وتعليقات نادرة.
المطلوب من الوزارة التفكير بشكل مختلف، فمالذي يمنعها من إطلاق ميثاق أخلاقي للمؤثرين من داخل سورية على اختلاف محتواهم، يتعهدون فيه بعدم الترويج للأشياء المنافية للأخلاق والمخالفة للقانون والمضيّعة للمراهقين، يتعهدون فيه بعدم المساس بالخطوط الحمراء (ويمكن تعدادها لاتمويهها) التي تهدد النسيج المجتمعي والأخلاقي، وليكن ميثاقاً اختياريّاً طوعياً وليس فرضاً اجبارياً، وليستمدّ قوّتهُ من بنوده وموقعيه. وليُدرك المتابعون أنّ كُلّ من لم يوقع على هذا الميثاق هو خطر محتمل على أبنائهم فتخلقُ ردّةٌ مواطنيّة تجاه المسيئين فيحظرون محتواهم ويلغون مُتابعتهم ويركزون على صنّاع المحتوى النافع لهم.
- حمايةُ الصحفيين والصحفيات
علينا البدء من اتحاد الصحفيين وتطوير عمله ليكون حامياً ومدافعاً وداعماً عن كلّ صحافي في سورية مهما كانت وسيلتهُ التي يُمارس فيها الصحافة والإعلام، ولتكن الوزارة قائدة هذا التطوير، ورائدته ولتكن الوزارة المُدافع الأول ونحنُ هُنا لانخترعُ أدواراً جديدة بل نكرّس واجبات الوزارة ومواد الدستور.
علينا التطلع للصحافيين كلّهم، وليس صحافيي الإعلام الرسمي فقط الذين تضيق هوامشهم كُلّ يوم أكثر، علينا أن لانسمع مُجدداً عن اعتقال صحافيّ على اثر مادة كتبها إلا بعد تحرّ حقيقي، ولا اثر رأي شاركهُ في المواقع الاجتماعيّة أو في وسيلته الإعلاميّة، فالدستور كفل ذلك لكلّ مواطن أصلاً، هل تستطيعُ الوزارة حماية الصحافيين واطلاق رقم ساخن لشكاويهم واصدار تعميم مشترك من الجهات المسؤولة للحصانة وعدم التعرّض أو الاعتقال إلا بعد التنسيق مع الوزارة والتحرّي بشكل جيّد قبل اتخاذ أيّ اجراء من هذا النوع الذي يُخالف الدستور ويتمُّ فيه الافراط في الامتثال لتطبيق المواد القانونيّة.
- السوق الإعلاميّة المحليّة
مالذي يمنع سورية من التحول إلى فضاء جاذب للإعلام والإعلاميين، مثلاً من خلال مدينة اعلاميّة حرّة يكون لها قوانين وشروط خاصة، ماذا لو بدّلت سورية والسوريين العمل عن بعد كجزر انتاج وتصميم وكتابة ومكاتب خلفيّة للقنوات العربيّة والأجنبيّة (كما يعمل الالاف داخل سورية حالياً) إلى شركات إعلاميّة بمكاتب معروفة وواجهات صريحة وضرائب محددة وتبادل خدمات بالعملات الأجنبيّة مع الخارج بشكل مشروع؟
لماذا لانفهم الإعلام كسوق رابحة ونُصرّ دوماً على تحميل عبئه وخسائره للموازنات العامة المُتعبة أصلاً، لماذا نحتاجُ كُلّ هذه الطوابق الفارغة للمؤسسات الإعلاميّة بدلاً من استثمارها؟ ولماذا هذه الأعداد الألفيّة من الموظفين الذين لاعمل لهم ولا اختصاص، بل ويُركّبون عبئاً يوميّاً في نقلهم ورواتبهم مهما كانت زهيدة ومكاتبهم التي يشغلونها بلا عمل؟ لماذا لانُفكّر بتشغيل هؤلاء برواتب كريمة وبانتاجيّة مدروسة ومؤشرات قياس واضحة.
- فضاء اعلامي مفتوح
يعني ذلك أن لا وسائل إعلام ممنوعة من العمل في سورية إلا وفقاً للقانون، يعني ذلك وصول الصحف والمجلات العالمية، الحجب صار شيئاً من الماضي، كل شيء موجود اليوم على الانترنت فلماذا لانجدهُ في أكشاك بيع الصحف التي أقفل معظمها؟ لماذا نودُّ دوماً المشاركة في الملتقيات والمؤتمرات والمنتديات الإعلاميّة في الخارج لنُناقش قضايا البيئة والمرأة والمساواة والذكاء الصناعي وغيرها ونحنُ لاندير ولا نفتح ولا نوافق ولاندعم نقاشات وحوارات محليّة حول أولوياتنا في كلّ مكان من سورية، متى نُغيّر طريقتنا من التأثّر للتأثير، علينا أن لانخاف من فتح الحريات الإعلاميّة بل احتضانها وحمايتها، لنُسهم في تهيئة مواطنين أكثر وعياً وتفكيراً نقدياً وشراكة حقيقيّة مع المؤسسات العامة والخاصة والمدنيّة على حدّ سواء.
ربّما أغفَلت النُقاط العشرة السابقة عشرات القضايا ومئات الأمثلة وآلاف الأمنيات، لكنّها مجرّد مساهمة في التفكير وتأمّلات مرجوّة تُساعدنا في فهم الواقع المُعقّد وتفكيكه، وذلك بهدف تطويره وتحويله باتجاه مستقبل يكون فيه لكلّ مواطن دور ليس في أخذ حقوقه كاملة فقط بل وفي أداء واجباته وحبّة مسك.
* الصورة تصريح باقتناء تلفزيون في سورية يعود لسنة 1964
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق