مشاهدات في اضطرابات الهويّة السوريّة
تفرض الحروب تغييرات قسرية على مختلف الأصعدة في الدول التي تندلع فيها، و بالرغم من كون الصعيدين السياسي والعسكري هما الأكثر ملاحظةً منها إلا أن الجانب الاجتماعي لا يقل أهمية وخطورة عنهما حيث أن آثاره طويلة الأمد تُدخِل المجتمع في حالة من إعادة التكوين الغير معروفة النتائج.
في سوريّة الكثير من الشواهد على الضرر الفادح الذي لحق وما يزال بالهوية السورية، حيث أن التقسيم الحاصل في جغرافيا البلاد ينعكس بدوره على القاطنين فيها والذين يتأثرون طوعاً أو كراهيةً بقوى الأمر الواقع المسيطرة لا سيما عند الحديث عن الشمال الغربي حيث تتداخل عوامل عدة تسهم في تعميق تفتت الهوية السورية إلى هويات ذات سرديات مختلفة إما محلية منغلقة (مناطق ما يسمى الجيش الوطني وهي..ئة تح،رير الشام) أو وطنية بديلة (مقابلة للشرعية الدستورية والدولية من خلال ما يسمى الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ) أو فوق وطنية (أممية - إسلاموية).
إن جدية ومشروعية هذه الكيانات أو عدمها لا يلغي ضررها البالغ على النسيج الاجتماعي السوري بمعناه الجمعي المُتحِد، وتجلى ذلك في مشهديتين الأولى من منشور على إحدى صفحات الفيسبوك المحلية تتحدث فيه عن اشتباك بين مجموعتين مسلحتين في منطقة خارج السيطرة في شمال حلب حيث تصف إحدى المجموعات بأنهم "مستوطنين من منطقة أخرى" والثانية بأنهم "مرتزقة فرقة المعتصم" في مدينة عفرين "المحتلة"، إن هذه التعابير المستخدمة لتوصيف واقعة واحدة فقط يدلل على مدى التشظي الحاصل في حيز جغرافي وبشري ليس بقليل من سورية.
أما المشهدية الثانية فهي ما يسمى "حفل تخريج كلية الشرطة التابعة لهيئة ت..حرير ال.شام (الن،،ص،.رة)"، وليس الحديث هنا عن حالة المؤسسات البديلة التي يعمل "الج،،و.لاني" على جعلها أمراً واقعاً، بل عن الهوية التي اصطبغت بها المناسبة المزعومة حيث لم يحضر أي رمز وطني يتعلق بسورية مثل العلم (حتى العلم الأخضر القديم لم يتم استخدامه) الذي تم استبداله بشعار "الن،،ص،.رة" (بالمناسبة هو علم يشابه الذي تستخدمه حركة طا،'ل..با.ن)، أو قَسَم الخريجين ذو الطابع الإسلامي فقط (غاب أي ذِكِر لكلمات مثل الوطن - سورية - الشعب)، أو ثالثاً في الهوية البصرية للعرض وكذلك الشكل المُوحد للعناصر حيث كانت اللِحى الكثّة المظهر الوحيد فيهما.
يحيلنا كل ما سبق إلى مجموعة من الاستنتاجات وإلى أكثر منها من الأسئلة عن المنهجية التي يجب العمل وفقها لتحقيق إعادة الدمج بين السوريين وكسر حالة خطوط التماس الجغرافية والاجتماعية، حيث أن التحرير لا يتعلق باستعادة السيطرة العسكرية على المناطق فهذه مجرد مرحلة ابتدائية، والواجب على السلطة السياسية ومؤسساتها أن يكون لديها الرؤية والآلية والجديّة في التعاطي مع هذا الملف الذي يمكنه أن يغيّر إيجاباً أو سلباً مفهوم وشكل الهويّة السوريّة لعقود قادمة، عبر استيعاب الجميع وإنجاز مصالحة وطنية شاملة وتطوير العقد الاجتماعي بالشكل الذي يحصّن الاستقرار الداخلي.
عبد الله الجدعان
*الصورة المُرفقة من "حفل تخريج كلية الشرطة في إدلب"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق