سبعة أحلام سوريّة صغيرة
وأنا أُتابِعُ بعجز أخبار الحرائق التي تأتي على غابات الساحل السوري والحراج والمزارع في هذه السنة والسنوات الماضية تذكرتُ دفتراً صغيراً لديّ، دوّنت فيه ذات مرّة بعض الأحلام الصغيرة، ورغم انّني حكيتُ عنها هُنا وهُنا فإنني رغبتُ بكتابة بعضها هُنا، علّها لاتكون أحلاماً فقط!
مع التراجع الكبير للغطاء النباتي والمساحات الخضراء في سورية ماذا لو فُرض كشرط لدخول أو اجتياز أي مرحلة تعليميّة (التعليم الأساسي، الثانوية، الجامعيّة، الدراسات العُليا) فلا يتخرج الطالب دون أن يزرع شجرة، فيرُدّ شيئاً من دين البيئة التي استهلك مواردها خلال دراسته، ولتكن هُناك طرق متنوعة لتأكيد هذا التراكم، بحيث تطلقُ الزراعة والتعليم العالي تطبيقاً يُحدّدُ مساحات فارغة في أطراف المدن لزراعتها، ويُمكن لأي طالب تنفيذ هذا الأمر بنفسه ومع عائلته أو من خلال شركات طُلابيّة تُنشأ لهذا الغرض بتكلفة رمزيّة كما هي أسعار الغراس والشتلات، فتزرعُ شجيرة باسم كل طالب ويمكنه معرفة رقمها ومكانها فيزوره في المستقبل مع أولاده، وهكذا مع كُلّ خرّيج لدينا شجرة، وتخيلوا ملايين الخريجين من المراحل الدراسيّة كلّ سنة لدينا.
جرت العادة أن تكون رحلات المدارس رحلات ترفيهيّة إلى الساحل أو تدمر أو الغوطة، أو إلى القلاع والبانوراما والحدائق، لكن ماذا لو فكرنا برحلات ثقافيّة بين السوريين أنفسهم؟ ماذا لو كان هُناك رحلات توأمة مطلوبة بين مدارس المحافظات السورية، فيزور الطلاب من بلدة في محافظة ما طلاب محافظة في ريف أخرى، وهدف الزيارة التعرّف على اللغة والعادات والأغاني وربّما الطعام والأفكار والمعتقدات، وتُردُّ الزيارة ويعود الطلاب للتواصل من خلال دروس مشتركة أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف نطلبُ من أجيالنا أن تحبّ بعضها وتكون أقلّ سخرية وتنمراً وهي لاتعرفُ بعضها أصلاً، ماذا لو كانت هذه الرحلات طريقهم الممكن للتعرّف على بعضهم البعض وتقديم أنفسهم، كما نفعلُ مع الأجانب حينما نُبدي أفضل ماعندنا من عروض وفقرات وضيافة، ألسنا أولى بذلك بين بعضنا؟
كل عائلة تُقدّم سلّة مهملات
تبدو مسألة النظافة العامة في شوارعنا ومساحاتنا العامة مقلقة، فلم يعد ينفعُ معها حملات التوعية التقليديّة والإعلانات التلفزيونية والطرقية، ولايُمكن للبلديات بالطبع تخصيص عامل نظافة لكل مواطن، ولايمكنُ أيضاً حملُ المواطنين والسكان على تنظيف الشوارع بشكل يومي أو مُحاسبتهم بشكل عرضي، فلماذا لاتكون كلّ عائلة مُلزمة بتقديم سلّة قمامة توضع في الشوارع والمساحات العامة، نعم هناك نقص كبير في هذه الحاويات لتكلفة تأمينها من جهة ولتخريبها وكسرها من جهة أخرى، وربّما عندما تدفعُ كُلّ عائلة تكلفة سلّة فإنّها تعوّد أطفالها على البذل والمشاركة، وتتوضح أكثر أهميّة الأسرة والفرد كفاعل مجتمعي مفيد ولازم وضروري لتكون الحياة أفضل في محيطنا، ولربّما تُؤخذ هذه المشاركة مع أي فاتورة خدمات عامة وحصراً عبر الدفع الالكتروني.
كُلّ مدرسة تصيرُ مكاناً مُنتجاً
رغم قُبح الأبنية المدرسيّة لدينا في تصميمها الموحد لكنّها أبنية وظيفيّة بالفعل تؤمن مساحات مناسبة للتعليم والتدريب والأنشطة والفعاليات لو أُحسن استثمارها، ولقد جرت العادة أن تعمل هذه الأبنية بأقل طاقتها فتفتح عدّة ساعات باليوم وتغلق، وقليل منها فقط من يُستثمر بعض قاعاته في فصل الصيف، لماذا لانعيد التفكير بهذه المساحات لتكون مُنتجة ورابحة فتُردّ عائداتها لصندوق المدرسة وليس إلى الخزينة العامة، فيُصرفُ منهُ على تحسين وضع المعلمين ومساعدة الطلاب المحتاجين وتحسين البيئة المدرسيّة، لماذا لا نفتحُ في مدارسنا في القبو قاعات سينما محليّة مأجورة برسوم مناسبة تأتيها العائلات في ظلّ انقطاع الكهرباء وتعزز مفهوم العائلة، ليست موسميّة بل في أيام دوريّة أسبوعيّة محددة، لماذا لا نستثمر باحة المدرسة فنؤجرها مساءاً لاقامة الأعراس وحفلات الخطوبة المحليّة والتعازي والاحتفالات الأهليّة، لماذا لا نؤجر قاعات مجهزة في المدارس لإقامة التدريبات والورشات للمعاهد والجمعيات خارج أوقات الدوام، هُناك الكثير من الأشياء المُمكنة التي تدعم العمليّة التعليميّة بموارد موجودة، مُهملة ومنسيّة، هي تحتاجُ لإدارة وفكر ومتابعة.
خُطبة الجمعة والخدمة المجتمعيّة
ماذا لو طلب خطيبُ جمعة من المُصلين التوجه بعد خطبة تحفيزيّة عن دعوة الإيمان للنظافة لتنظيف الحي أو النهر القريب أو المساحات العامة المجاورة، كم سيكون المشهدُ بديعاً لو توجه من يرغب من المؤمنين لتحقيق انجاز محلّي في وقت واحد، لتنظيف الحي، أو لصيانة الأرصفة المتكسرة وتبديل الإنارة المُهملة أو لتنظيف نهر تراكمت فيه الفضلات أو أراض زراعيّة ممليئة بالأعشاب الضارة أو غابات فيها مخلفات قابلة للاشتعال أو مدارس مخرّبة، ماذا لو توحدت خُطبة الجمعة مرّة كلّ شهر لتكون لهذه الغاية، أليست النظافة من الإيمان؟ وكذلك عظاتُ الكنائس بالطبع والمناشبات الدينيّة المتعددة والكثيرة لدينا، ماذا لو فعلنا ذلك، ألسنا بحاجة؟
مادُمنا فخورين بمطبخنا السوري فلماذا لا نتذوّقهُ كما يجب، فلنُنشئ سوقاً مؤقتة أسبوعيّة ولتكن يوم عطلة كالسبت تحجزُ فيها بعض العائلات أركاناً وطاولات لمشاركة طبخاتها المنزليّة التي هي تعبير ثقافي في النهاية عن انتماء هذه العائلة وأصولها وعاداتها، كل المحافظات السورية مختلطة بالتالي سيكون لكل سوق مساحة منظّمة متنوعة جداً وغنيّة جداً ويمكن زيارة السوق ودخوله بتكلفة مناسبة للوجبات، الهدفُ ليس ربحي تماماً ولو أنهُ مُربح بل هو تشغيلي، العائلاتُ تودُّ مشاركة أفضل ما عندها من وصفات وخصائص واختراعات واضافات، طلاب الجامعات والسياح والأهالي يريدون تجربة أصناف مختلفة بأسعار مناسبة بعيدة عن المطاعم وقوائم الطعام الجاهزة، وليكن المكان كراج سيارات فارغ أو ملعب رياضي أو باحة مدرسة، سيكون الجميع سعداء، ولتنظمهُ البلديات مع الجمعيات وليُعطي الزوار نُقاط تقييم لكل ما يتذوقونه ولتكن هُناك جوائز محليّة انها أهم من أي تصنيفات عبر الانترنت.
في المُدن التاريخيّة تضعُ البلديات لوحات تعريفيّة أمام الشوارع والأبنية والمعالم الدينيّة والثقافيّة والتاريخيّة، وهذه اللوحات تكون غالبا حجريّة أو حتى معدنيّة وهي بحدّ ذاتها أعمالاً فنيّة بديعه تعيشُ لسنين طويلة وكثيراً ما تُختصرُ الزيارات عندها، لربّما نحنُ غير قادرين على تكاليف كهذه حالياً لكننا نعرفُ تاريخنا وتاريخ المكان لدينا أو على الأقل هكذا ندّعي، فلماذا لا نضعُ على الأقل رموز الاستجابة السريعة بجانب معالِمنا، فيعرفُ السوريون أولاً عنها ثم المهتمّون وليس أخيراً السياح والزوار، مع الوقت والهجرة بدأ الناس لايعرفون ماتمثل المعالم والشخصيات التي سُميت بأسمائها شوارع وساحات وحدائق سورية، وتبدو مقاطع الفيديو المُحدثة الreels تقدّم معلومات ليست دقيقة بالضرورة بل ومغلوطة أحياناً، فليكن هُناك بنك سوري لمعلومات المعالم والأعلام (الشخصيات)وليكن لدينا في كّلّ شارع وكلّ بناء تاريخي وغير تاريخي حتى QR cood يُمكن استخدام للوصول لمعلومات موثوقة تزيد من علاقتنا بالمكان، نحنُ أهل المكان لايجدرُ بنا أن لانعرف فلان من فلان.
في النهاية ما أودُّ قوله أنّ هذه الأحلام الصغيرة، مُمكنة!
ترونها كذلك؟