من خراب إلى إبداع: كيف نحول المساحات المهجورة إلى كنوز ثقافية واقتصادية؟
زيارةُ معرض 1500 واط نفضت الغبار في مخيلتي عن العديد من المساحات المهجورة والغير مستغلة في مدينة حلب، ما جعلني أفكر في جميع الأماكن العامة المهملة وغير المستخدمة في جميع المحافظات السورية .. وذلك بعد خلال زيارة مشروع 1500 واط الذي تمّت اقامته في حلب وهدفه تعريف الأجيال الشابة بتاريخ مدينة حلب والتي أضيئت بتيار 1500 واط منذُ عام 1929.
بجهود شبابية تم إحياء هذا المبنى بعد أن بقي مهجوراً عشرات السنين، ليتحول إلى متحف مؤقت يضم معدات توليد الطاقة الكهربائية ويضم عدة معارض فنية تشكيلية وتطبيقية إلى جانب معرض لمنتجات صابون الغار والمأكولات الحلبية مع إقامة العديد من المحاضرات التي تعرّف الشباب بتاريخ وتراث حلب الفني والاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
تحتوي مدننا على كنوز خفية، مباني وأماكن شُيدت بمعمار عريق، لكنها مع مرور الزمن أصبحت مهجورة ومهملة. هذه المساحات، التي قد تبدو للوهلة الأولى عبئًا على المدينة، تحمل في طياتها إمكانات هائلة لتحويلها إلى مراكز نابضة بالحياة، تساهم في إثراء حياتنا الثقافية والاقتصادية من الجامعات والمساحات الشاسعة والإمكانات الهائلة غير المستغلة إلى المؤسسات القديمة والأماكن المهجورة التي بحاجة لها شباب المدينة
لماذا يجب علينا استغلال هذه المساحات؟
• كنوز ثقافية: هذه المباني تحمل في جدرانها قصصاً وحكايات عن تاريخ المدينة، وهي جزء لا يتجزأ من هويتنا. ترميمها وإعادة تأهيلها يعني الحفاظ على هذا التراث الغني ونقله للأجيال القادمة.
• فرص اقتصادية: يمكن تحويل هذه المباني إلى مساحات تجارية أو ثقافية تجذب السياح والاستثمارات، مما يخلق فرص عمل ويحيي المناطق المتضررة.
• تحسين الحياة الحضرية: توفير مساحات خضراء وترفيهية جديدة، وتحسين المظهر العام للمدينة، كلها عوامل تساهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين.
• دعم الاقتصاد الإبداعي والبرتقالي: يمكن لهذه المساحات أن تشكل حاضنات للمشاريع الإبداعية والابتكارية، مما يساهم في تنمية الاقتصاد الإبداعي والبرتقالي الذي يعتمد على المعرفة والمهارات الإبداعية.
• الشراكة بين القطاعين العام والخاص: يتطلب هذا المشروع تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. يمكن للحكومة توفير التسهيلات اللازمة وتبسيط الإجراءات، بينما يمكن للقطاع الخاص تقديم التمويل والخبرات التقنية، والمجتمع المدني المساهمة بالعمل التطوعي والأفكار الإبداعية.
• مشاركة الشباب: الشباب هم قوة الدفع الحقيقية وراء التغيير. يمكن إشراكهم في عملية التخطيط والتنفيذ، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لمبادراتهم.
• الاستفادة من التكنولوجيا: يمكن استخدام التكنولوجيا الحديثة في ترميم المباني وتصميم المساحات، مما يوفر حلولاً مبتكرة ومستدامة.
• الترويج السياحي: يجب تسليط الضوء على هذه المشاريع لجذب السياح، مما يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية في المنطقة.
• توفير بيئة محفزة للإبداع والابتكار: يمكن تحويل هذه المساحات إلى مساحات عمل مشتركة (Co-working spaces) وحاضنات أعمال (Incubators) لتشجيع الشباب على تطوير مشاريعهم الإبداعية.
• ربط هذه المساحات بالاقتصاد الإبداعي: يمكن تنظيم ورش عمل وفعاليات ثقافية وفنية في هذه المساحات، مما يعزز الروابط بين الفنانين والمبدعين والجمهور.
أهمية الاقتصاد الإبداعي والبرتقالي:
أن الإمكانات الإبداعية البشرية لا حدود لها، على نقيض الموارد التقليدية المادية الأخرى مثل: الأرض والموارد الطبيعية ورأس المال- التي تتسم بمحدوديتها، وسيتم استنزافها في وقت ما لا محالة؛ إنه ذلك الاقتصاد الذي يعتمد على مساهمة الأصول الإبداعية وإمكاناتها للمساهمة في تعزيز النمو والتنمية الاقتصادية. لذلك فإن الدمج بين المواهب الإبداعية والقيم الثقافية الفريدة سيقود التقدم والازدهار العالمي في القرن الحادي والعشرين حسب جون هوكينز.
تتنوع مفاهيم القطاعات الاقتصادية الحديثة القائمة على التفكير خارج الصندوق في مختلف مجالات العمل أهمها الاقتصاد الابداعي أو البرتقالي الذي يشمل القطاعات التي تستند سلعها وخدماتها إلى الملكية الفكرية، والموهبة والإبداع، كالهندسة المعمارية، والفنون المرئية والأداء، والحرف اليدوية، والأفلام، والتصميم، والنشر، والبحث والتطوير، والألعاب، والموسيقى، والإعلان، والبرمجيات، والتلفزيون.
في عام 2014، شكلت هذه الصناعات 3.75% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان وتوظف ما يقرب من 3.25% من القوى العاملة في لبنان حسب المنظمة العالمية للملكية الفكرية.
الاقتصاد الإبداعي والبرتقالي يعتمد على المعرفة والمهارات الإبداعية، وهو يمثل فرصة كبيرة لتنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة. من خلال تحويل المساحات المهجورة إلى مراكز إبداعية، يمكننا:
• تنمية المهارات الإبداعية: تشجيع الشباب على تطوير مهاراتهم الإبداعية والابتكارية.
• خلق فرص عمل: توفير فرص عمل في مجالات مثل التصميم، الفنون، الترفيه، السياحة، والتكنولوجيا.
• زيادة الصادرات: تسويق المنتجات الإبداعية محليًا وعالميًا.
• تعزيز الهوية الثقافية: الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية.
ختامًا،
إن تحويل المساحات المهجورة إلى كنوز ثقافية واقتصادية ليس مجرد حلم، بل هو هدف يمكن تحقيقه من خلال التعاون والتخطيط الجيد. علينا أن ندرك أن هذه المباني ليست مجرد هياكل من الاسمنت والحجر، بل هي جزء من تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا. فلنعمل معًا للحفاظ عليها وتطويرها، وتحويلها إلى أماكن تلهم الإبداع والابتكار وتجمع الناس معًا.
ما هي الأفكار التي لديكم لتحويل المساحات المهجورة في سورية؟ شاركونا أفكاركم واقتراحاتكم في التعليقات. لنجعل من مدننا أماكن أفضل للعيش!