أما آن أوان دفن فأس الأحقاد؟


 أما آن أوان دفن فأس الأحقاد؟

علينا أن نعمل على توسيع المساحة الآمنة للحوار للوصول إلى الحلول لا أن نفرضها كشروط مسبقة
بدأت دول المنطقة العربية بالمصالحة فيما بينها ومع جوارها في محاولة لتخفيف الاحتقان الإقليمي، فهل آن الأوان للتصالح بينها وبين معارضاتها؟ ألم يحن وقت إنهاء النزاعات لنطلق عملية الإصلاح ونبدأ نهضة حقيقية تضمن الاستقرار في المنطقة؟
تولّد النزاعات الإحساس بالذنب تجاه من ماتوا والأحقاد، كما تولّد اقتصاد الحرب والعناد. فإذا انتهى الأمر إلى انتصار أحد الأطراف سيجد نفسه ضحية انتصاره، وسيضطر للتفاوض مع الخاسرين تفاديا لعودة النزاع. أما إذا لم تسفر النزاعات عن منتصر وخاسر فستستمر لأن الكبرياء سيعيق الاعتراف بعبثيتها.
لكل مجتمع أعرافه لإنهاء الحروب. كان سكان أميركا الأصليون أكثر حكمة من كبريائهم. فإذا استعصت بينهم الحرب بادروا للمصالحة وتقديم التنازلات لكي يتفرغوا للتحضير قبل دخول الشتاء القادم وضمان بقائهم. وتفرض طقوسهم حفر حفرة يطمرون فيها فؤوس الحرب، تعبيرا رمزيا عن نهاية الأحقاد. وهذا ما تفعله أغلب المجتمعات بطريقتها.
ولكن يصعب النزول من فوق شجرة الكبرياء، إذا ظن المتنازعون، حكومات ومعارضات، أنهم يستطيعون العيش على الشجر لفترة أطول بسبب تدخلات خارجية ستتخلى عنهم في نهاية المطاف. ولكننا بعد ثلاث عشرة سنة ما زلنا متمسكين بالأغصان بينما تقوم القوى الكبرى من حولنا بتحطيب الشجر الذي تسلقنا عليه. وما أسهل التمسك بالمواقف عندما تكون الفواعل السياسية جالسة في المهاجر وقصور السلطة بعيدا عن ألم الناس.
سذاجة السياسة عشية "الربيع العربي" ولّدت تصورات مغلوطة عن آليات تغيير منظومات الحوكمة، وتوقع الشباب أن الثورة تولد من رحم التجمع في الساحات دون تنظيم سياسي يفاوض السلطة على مسار الإصلاح. وفي المقابل خالت بعض الحكومات أنها ستحافظ على وضعها السياسي متناسية عمق التحولات الاجتماعية وخاصة لدى الشباب. فلم تنتج الحركات المعارضة تنظيمات سياسية ناضجة ولم تقم الحكومات بإصلاحات كافية. واستعرت النزاعات وتكرست فكرة أن التفاوض مستحيل وأن الحوار خيانة.
ولكن الطفرة الديموغرافية الشبابية قبيل 2010، والتي ولّدت "الربيع العربي"، قد تتكرر مع طفرة جديدة، في وقت تواجه فيه المنطقة تحديات في التنمية واستيعاب الشباب. وقد تأتي الأزمات القادمة لتجعل من سابقتها تبدو كنزهة في الحديقة. وهنا نسأل: أما آن لنا أن نبدأ بالمصالحة قبل المزيد من الفوضى؟ أما آن أوان إطلاق المصالحات مع المجتمعات؟
لنطمر فأس الأحقاد، فلا ينبغي لنا- حكومات ومحكومين- انتظار انتقالات سياسية تدعمها الأمم المتحدة، وهي التي لا تستطيع أن تدعم حتى أسباب بقائها. وفي المقابل لن تأتي أموال الإعمار ولن يكون هناك استقرار. المشروع الكبير للمنطقة لن يعطينا أيا من هذا. ومن لم يصل إلى هذا اليقين، عليه أن يراجع ما يحصل في غزة. التغيرات السياسية لن تأتي إلا بعد جهد وحوار مرير. سلم النزول من على الشجر لن يوفر في البدء سوى الحدود الدنيا من توقعاتنا.
لكي نبدأ علينا أن نعترف بأننا جزء من وطن واحد. لن ينتصر أحد، فالكل خاسر، علينا أن ننظر إلى مصلحة مجتمعاتنا، بدلا من إطالة آلامها، وأن نحمي ما تبقى، فهو المورد الوحيد المتاح للتعافي والعودة للحياة. وعلينا أن ندرك أن تعافي المجتمع هو بوابة التغيير الحقيقي. ولكنه لن يأتي دون الحد المقبول من حكم القانون والدمقرطة، وهذه الأخيرة تحتاج إلى رافعتين: طبقة وسطى تحميها، ومؤسسات تنظمها.
إصلاح العلاقة بين الحاكم والمحكوم تحتاج لتجاوز الأفكار المسبقة. وعلينا أن نعمل على توسيع المساحة الآمنة للحوار للوصول إلى الحلول لا أن نفرضها كشروط مسبقة. سنحتاج للكثير من إجراءات بناء الثقة. أولها البدء بمسار مؤلم وتدريجي للكشف عن مصير المغيبين وإطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين، لنصل إلى حلول عملية بدلا من تسجيل النقاط السياسية.
علينا أن نبحث عن أوطاننا في الرماد قبل أن تختفي بشكل نهائي من على الخرائط. علينا أن نجد طريقنا لندفن فأس الأحقاد.
عمر عبد العزيز حلاج
25/05/2024 | موقع المجلّة majalla.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق