التنمية المستدامة في المناطق الحضرية، مدينة دمشق أين وكيف؟


 التنمية المستدامة في المناطق الحضرية،

مدينة دمشق أين وكيف؟
الحديث عن التنمية المستدامة للمدن السورية ليس ضرب من الخيال أو شيء مستقبلي قابل للتأجيل، فالمشاكل التي تعاني منها مدننا ونعيشها كل يوم لها تأثير كبير علينا نحنا كسكان ويتزايد تفاقمها يوماً بعد يوم إن لم تُعالج بالطرق السليمة والمناسبة لهوية وطبيعة كل مدينة. ولهذا دعونا نبدأ بتعريف ماهيّة نهج الاستدامة في المناطق الحضرية\المدن.
التنمية المستدامة في المناطق الحضرية تشير إلى نهج شامل لتخطيط المدن وتصميمها وإدارتها لضمان تلبية احتياجات السكان الحاليين دون المساس بقدرة السكان القادمين (الأجيال القادمة) على تلبية احتياجاتهم الخاصة. والاستدامة في المدن تشمل العديد من الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والحوكمة لإنشاء مدن صالحة للعيش ومرنة وعادلة. الهدف هو تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاندماج الاجتماعي وحماية البيئة لضمان جودة حياة عالية لسكان الحضر مع تقليل الآثار السلبية على البيئة.
المبادئ والجوانب الرئيسية المشمولة في التنمية المستدامة في المناطق الحضرية عبارة عن:
الاستدامة البيئية: وبتمشل تقليل آثار المدن البيئية من خلال تعزيز كفاءة الطاقة وتقليل التلوث والحفاظ على موارد المياه وحماية المساحات الخضراء وتعزيز خيارات النقل المستدامة مثل النقل العام وركوب الدراجات والمشي.
العدالة الاجتماعية والشمول: الهدف هو إنشاء مجتمعات شاملة ومتنوعة حيث يتمتع جميع السكان بإمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية والإسكان والتعليم والرعاية الصحية وفرص العمل. وهالشي بيسعى إلى الحد من عدم المساواة وتعزيز التماسك الاجتماعي.
الازدهار الاقتصادي: يجب أن تعزز المناطق الحضرية اقتصادًا مزدهرًا من خلال تشجيع خلق فرص العمل والابتكار وريادة الأعمال والاستثمار مع مراعاة رفاهية سكان المدينة على المدى الطويل.
المرونة والتكيف: يجب تصميم المدن وإدارتها لتحمل التحديات المختلفة والتكيف معها، مثل تغير المناخ، والكوارث الطبيعية..الخ، ويتضمن ذلك إنشاء بنية تحتية مرنة، وخطط الاستعداد للكوارث، واستراتيجيات الحد من المخاطر.
تطبيق الحوكمة: تتضمن الإدارة الحضرية الفعالة عمليات صنع القرار الشفافة، وإشراك المواطنين، والتخطيط التشاركي، والمؤسسات المسؤولة التي تعمل من أجل تحقيق المصالح الفضلى لسكان المدن.
الاستخدام المختلط للأراضي: يمكن أن يؤدي تشجيع الاستخدام المختلط للأراضي، حيث يتم دمج المساحات السكنية والتجارية والترفيهية، إلى تقليل الحاجة إلى السفر المكثف وتعزيز الأحياء القابلة للمشي، مما يقلل من الازدحام والتلوث.
إدارة النفايات واقتصاد التكرير: يمكن أن يساعد تنفيذ أنظمة فعالة لإدارة النفايات وتعزيز مبادئ الاقتصاد المكرر في تقليل توليد النفايات وتعزيز إعادة استخدام المواد وإعادة تدويرها.
الإسكان المستدام والفعال: يمكن أن يساهم توفير خيارات إسكان ميسورة التكلفة وموفرة للطاقة في كل من العدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية.
الحفاظ على التراث الثقافي: الاهتمام في التراث الثقافي والهويات المحلية والحفاظ عليهما مما يساهم في تفرد وأصالة المناطق الحضرية.
التكنولوجيا والابتكار: يمكن أن يؤدي تبني تقنيات المدن الذكية وحلول التخطيط الحضري المبتكرة إلى تحسين كفاءة الموارد وتعزيز تقديم الخدمات وخلق بيئات حضرية أكثر ملاءمة للعيش.
تتطلب التنمية المستدامة في المناطق الحضرية نهجًا متعدد التخصصات وتعاونيًا يشمل الوكالات الحكومية والمخططين الحضريين والمهندسين المعماريين والمنظمات المجتمعية والشركات والمقيمين. يسعى إلى تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والاندماج الاجتماعي وحماية البيئة لإنشاء مدن مرنة وحيوية ومتناغمة للأجيال الحالية والمستقبلية.
يرى تغير المناخ اليوم على انو واحد من أكثر القضايا تعقيدًا التي تهدد وتؤثرعلى وجود البشرية بالكامل، حيث تشكل المدن مناطق حضرية وتشكل انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري جزءًا كبيرًا من هذه المشكلة.
بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة (2011): "المدن مسؤولة عن 60-80 في المائة من استهلاك الطاقة العالمي و 75 في المائة من انبعاثات الكربون." على الرغم من هذا هُناك أدلة مختلفة في العديد من الأبحاث تجادل بأن المدن يمكن أن تلعب أيضًا دورًا مهمًا في التعامل مع هذه المشكلة والحد من آثار تغير المناخ من خلال التركيز على إدارة القضايا البيئية وعمليات التنمية المستدامة داخل هذه المناطق الحضرية.
واذا أردنا أن نُفكر بتصميم برنامج بيخص التنمية المستدامة لمدينة دمشق، باعتبارها واحدة من أسوأ المناطق الحضرية كونها تفتقر إلى خطة تنمية مستدامة فعلية وواضحة، من حيث إدارة النفايات، النقل، وكفاءة الطاقة، وحتى المساحات الخضراء.
ستكون أهداف البرنامج والمشكلات التي يهدف إلى معالجتها باختصارهي: إدارة النفايات وتلوث الهواء والنقل واستهلاك الطاقة وقلة المساحات الخضراء. بالنظر إلى اعتبار هذه القضايا حاسمة ومهمة لأي تخطيط حضري أو برنامج تنمية مستدامة في حاضر ومستقبل المدينة. طبعا تنطلق اهداف البرنامج من القضايا اليومية الاكثر الحاحا التي يعاني منها السكان بشكل ظاهر ولا تحتاج إلى خطط ومشاريع خلبية لتنفيذها نظرا للامكانيات الحكومية الضعيفة.
إدارة المخلفات، من المهم زيادة معدل إعادة تدوير النفايات إلى 60٪ في غضون 3-5 سنوات من خلال إنشاء محطات إعادة تدوير خضراء وذكية بشكل أساسي خارج المدينة وفي نفس الوقت اعتماد نظام خاص مطبق داخل المدينة لمعالجة النفايات المنزلية. يمكن أن تشتمل محطات إعادة التدوير المستدامة هذه على نظام ذكي ، موجود بالفعل في السويد مثلاً، لإنتاج الغازات الخضراء من النفايات التي يمكن استخدامها لاحقا في توليد الطاقة أو استخدامها في حافلات نقل مستدام داخل المدينة.
من المهم أيضًا الحد من تلوث الهواء بنسبة 50٪ في غضون 4-6 سنوات، حيث يمكن أن يساعد إعادة احياء نظام النقل المستدام القديم (ترام دمشق) في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري داخل المدينة وتحسين كفاءة النقل العام وتقليل تكاليفه الاقتصادية على السكان.
حتى من خلال تعزيز وإعادة إنشاء الأراضي الرطبة القديمة في الغوطة الشرقية المحيطة بمدينة دمشق (كبحيرة العتيبة، حيث تعتبر النهاية الطبيعية لمجرى نهر بردى)، تستطيع أن تساهم بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل فعال وكبير، بحيث تعتبر الأراضي الرطبة بالوعات طبيعية لامتصاص الغازات الدفيئة وعزلها، بالاضافة لوظيفتها الكبيرة في تعزيز وحماية التنوع الحيوي.
عندما يتعلق الأمر باستهلاك الطاقة ونقص المساحات الخضراء، أقترح تسريع استخدام الخلايا الشمسية بنسبة 80٪ خلال 5 سنوات في جميع المباني الحكومية في المدينة لتلبية احتياجاتها من الطاقة وتحويل هالمباني لامكان صديقة للبيئة.
أما فيما يتعلق بقلة المساحات الخضراء، من المهم تحقيق اهداف المشروع الوطني لتشجير جبل قاسيون الذي يُحيط بدمشق وممكن أن يُساهم بتنقية الهواء فيها ومنحها حزام اخضر مهم جدا. بالاضافة لرسم خطط ومشاريع حكومية ومشتركة للعمل جدياً على اعتبار مناطق غوطة دمشق مناطق محمية يجب العمل على اعادة رزنقها ومساحاتها الخضراء لما تشكله من اهمية طبيعية وثقافية وايضاً تاريخية لهوية مدينة دمشق.
بالتوازي مع هذا يجب اعتماد (مشروع مختبر بردى) كخطة حكومية لاهميته الكبيرة في تعزيز جمالية المدينة ودوره البيئي في تلطيف الجو وامكانية استثماره سياحيا...ثقافيا واقتصاديا لاستعادة العصر الذهبي لنهر بردى كما نراه ونبكي في الصور القديمة.
صحيح أن القضايا ممكن أن تكون أكثر واكبر من المذكورة اعلاه، ولكن هذا المنشور هو نوع من فتح النقاش حول مدننا ومستقبلها وماهي المشاريع التي يجب ان ترى النور فيها، آملين تشكيل وعي عام جمعي لمواجهة هذه المشاكل والضغط على الحكومة للاهتمام بهذه القضايا والعمل جدياً على معالجتها.
اخيراً من الضروري اتباع نهج متعدد المراكز من خلال تضمين جميع الجهات الفاعلة (الحكومية والخاصة وغير الحكومية) وعلى جميع المستويات التمثيلية (الوطنية والإقليمية والدولية). لضمان فعالية اكبر وفعلية للعمل على اهداف البرنامج او اي برنامج اخر.
الجوانب الاخرى التي يجب مراعاتها داخل اي برنامج يخص التنمية المستدامة للمدن: هي اعتماد "النهج الإيكولوجي البشري" و"النهج الموجه للجمهور"، وكذلك مراعاة "الأبعاد الاجتماعية المكانية" لأي مدينة.
عبود الكزبري Aboud Celia Alkuzbari
*الصور من الفضاء للرائد سلطان النيادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق