ثنائية النيابة والوزارة في سورية
يحتاج الحديث عن النهج الحكومي في سورية الخوض في الكثير من التفاصيل لكونه نتيجة لأسباب عديدة لكن بالمجمل تتقاطع أغلبها في كون الأداء الوزاري لا يحقق معياري الكفاءة والمسؤولية التي تتطلبها المرحلة الحالية من الحرب، مع الإشارة إلى أن حكومتي عرنوس جاءتا بعد إقالة حكومة عماد خميس قبل وقت قصير من انتهاء ولايتها بفعل انتخابات مجلس الشعب في إشارة بالغة الدلالة على سوء الأداء، أي أنه كان يجب الاستفادة من هذه التجربة وتطوير العمل وفقاً لها وليس تكرارها ومراكمة المزيد من سوء الإدارة الذي أوصل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لما هي عليه الآن.
في كتابه بعنوان "ذكريات نائب" يتحدث رائد الصحافة السياسية الساخرة في سورية الأستاذ حبيب كحالة عن تجربته كنائب في البرلمان لعام 1947 ويقول في موضوع الثقة بالحكومة:" قال لي مرة أحد الوزراء المستقلين وقد خبر موضوع الثقة طويلاً لأنه استوزر عدة مرات، أن الثقة تكلف الامة غالياً. فالوزارة هي التي تطلبها وتسعى إليها، ولكن الأمة وحدها هي التي تدفع الثمن".
ومن هذا الحديث ننطلق للسؤال عن دور السلطة التشريعية التي عمادها وفقاً للنظام السياسي في سورية هو مجلس الشعب والمنوط به دستورياً مراقبة عمل الحكومة والتدخل عند انحرافها عن نهجها الذي تضمنه في بيانها الوزاري الذي يقدمه رئيسها أمام المجلس (سابقاً في النظام البرلماني كانت الحكومة تحوز على الثقة من المجلس بعد عرض بيانها الوزاري أما في النظام الرئاسي فلا دور للمجلس في منح الثقة)،
وبما أن للمجلس وفق الدستور سلطة حجب الثقة عن الوزراء أو الحكومة ككل فقد كان الأجدر به القيام بذلك لا سيما أنه دعا لعقد جلسة لمناقشة الواقع المعيشي والتي راكمت عند المزاج العام المزيد من فقدان الثقة بالأعضاء وعند الأعضاء قلة الثقة بدور المجلس، لتقوم الحكومة أخيراً باستخدام البرلمان كغطاء تشريعي للقيام بخفض الدعم. أي أنه كما ورد في كلام كحالة الوزارة طلبت الثقة بقرارات وحدها الأمة من دفعت ثمنها.
جزء أساسي من حل الأزمة في سورية هو تطوير منظومة الحوكمة لا سيما فيما يتعلق بتخطيط وتنفيذ السياسات العامة وهذا ما لم تستطع أي من الحكومات على الأقل منذ 2011 العمل عليه على الرغم من وجود وزارة باسم التنمية الإدارية كان المفروض أن يتمظهر عملها بشكل ما في الأداء الوزاري خلال السنوات الماضية، من جهة ثانية يحتاج مجلس الشعب إلى فهم ماهية دوره وممارسة صلاحياته وتعزيز مبدأ فصل السلطات بالشكل الذي يتيح له هامشاً من الحرية بعيداً عن ضغط الحكومة بل يجب أن يكون هو من يمارس هذا الدور عليها، إذ أن هذه العلاقة الثنائية بشكلها الحالي هي مشوهة و أثرت على الثقة بالسلطتين.
التعاطي المؤسساتي أصبح احتياجاً في الحالة السورية وعدم التماشي الرسمي مع الوقائع والاستفادة من تجربة العقد الماضي والعمل على إنتاج حلول محلية، كل هذه الخطوات وغيرها الكثير هي شأن محلي يحتاج إرادة حقيقية وإدارة كفوؤة لا شأن لها بالعوامل الخارجية دوماً، والتمادي في تجاهلها سوف يخلق المزيد من الاضطرابات والأزمات الاجتماعيّة والاقتصادية.
لا بد في الختام من الإشارة إلى أن جدلية العلاقة بين البرلمان والحكومة ليست جديدة بل هي موجودة منذ الاستقلال، ففي فترات كانت التعددية السياسية و السلطة البرلمانية تعطل العمل الحكومي وفي أخرى كما هو الحال الآن العمل الحكومي يتغول على الدور النيابي الذي ينحسر أيضاً بإرادته.
عبد الله الجدعان Abdullah AL Jaddan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق