يُناقش جوزيف شنكجي في هذه التدوينة حاجتنا في سورية إلى البدء بمشروع الجينوم السوري:
لماذا من الضروري البدء بمشروع الجينوم السوري؟ وكيف سيساهم هذا في الوقاية والعلاج من السرطان والأمراض الأخرى؟
من الممكن القول بالفم الملآن بأن مشروع الجينوم لن يقوم فقط بالمساهمة الجذرية بالوقاية من السرطانات في سوريا، بل سيلعب دوراً محورياً في التحديدالدقيق لأنواع السرطانات التي تنشأ في سوريا وكيفية علاج كل حالة على حدة، وما احتمال الإصابة بهذا السرطان.
فنحن لا نتكلم عن نوع علاج وتنبؤ تقليدي لحدوث السرطان، بل نُقارب في هذا الطرح إمكانية لإنقاذ حياة الآلاف وتوفير المليارات من التكاليف التي تنهك القطاع الصحي المُثقل بالعقوبات وبحاجة لملاحقة الحالات المرضية المنتشرة في سوريا غير السرطان، إذ يمكن لكلفة علاج السرطان للشخص الواحد أن تُستخدم في علاج نحو 20 شخص آخر يعاني من حالة مرضية أخرى مزمنة.
-هل يمكن القيام بهذا الأمر ضمن الإمكانيات المتاحة؟
نعم، يمكن اعتماد برنامج جينوم وطني ملائم للوضع الاقتصادي والإمكانيات المتاحة لدينا، وللتوضيح بدل أن نقوم بتحديد تسلسل كامل الجينوم للأفراد المصابين بالسرطان نقوم بعمل اختبارات جينية موجهة، أي بدل إجراء التحاليل الجينية لأخذ المعلومات من كامل الجينوم (3 مليارات و200 مليون نكليوتيد) نقوم بالبحث ضمن جين معين مسؤول عن سرطان الثدي مثل جين HER2 الذي يبلغ طوله 1200 نكليوتيد.
وبالفعل هناك عدة أبحاث استخدمت تقنية البصمة الوراثية (PCR-RFLP) لدراسة التغيرات الجينية المرتبطة بالأمراض ولكن للأسف لم يتم تسليط الضوء عليها ومنها مشروعي في درجة الماجستير الذي درس البصمة الوراثية للربو في سوريا لأول مرة وكيفية تباين طفرات الجينات المسؤولة عن شدة المرض بين الأشخاص وتم ربط البحث مع النتائج الدولية المرتبطة بنفس موضوع الدراسة، وهناك عدة دراسات أخرى متعلقة بطفرات مرضية مرتبطة بالثيلاسيميا وجرعات الأدوية القلبية مثل الورافارين وُضعت في أدراج المكتبات ليتم نسيانها.
-ما هي مراحل القيام بهذا المشروع؟
لكي يقوم هذا المشروع في سوريا هناك عدة خطوات أساسية من المفترض أن يتم العمل على تحقيقها، فهذا النمط من المشاريع يتطلب وجود تنسيق وتخطيط
محبوك بمستوى عالي، ومن أبرز هذه الخطوات ما يلي:
1- تحديد الامراض المستعصية و المزمنة المنتشرة في سورية مثل سرطان الثدي، سرطان الرئة، سرطان البروستات، السكري، أمراض القلب والأوعية الدموية.
2- تجميع الدراسات المحلية التي تناولت هذه الامراض من إحصائيات او تحاليل جينية محتملة لها.
3- البحث عن المناطق التي تُظهر تعدداً شكلياً polymorphism بين الناس الأصحاء والسليمين، وهنا تكمن أهمية هذه الدراسات للحوض الوراثي لدى الناس في سورية لأن كل بلد وكل منطقة جغرافية تمتلك مجموعة من التعددات الشكلية (الطفرات) المرضية التي لا تشابه في تأثيرها أي بلد آخر، فكل دولة يجب أن تقوم بهذا المشروع لأخذ المعلومات الطبية الدقيقة والتي تفيد حالة سكانها الخاصة.
4- تصميم الاختبارات التي يمكن أن تشخص هذه السرطانات مبكراً أو تعطي احتمالية لحدوثها، ومن الممكن لهذه الاختبارات أن تُجرى عندما يكون لدى الشخص تاريخ عائلي للإصابة بالامراض أو لدى المُقبلين على الزواج وليس في سبيل تحديد نسبة حدوث السرطان فقط بل لتحديد احتمال حدوث الامراض الوراثية التي تنتشر عندنا بشكل واسع نسبياً نظراً لزواج الأقارب.
5- خضوع هذه الاختبارات للتحقق من قبل الجهات الرسمية بالقطاع الصحي، من الوزارة وصولاً للمديريات.
6- رسم خريطة جينية لتوزع المناطق الساخنة لانتشار جينات الأهبة للإصابة بالامراض والطفرات المرتبطة بها، والقيام بالأبحاث الدوائية التي تقدم لكل حالة مرضية (شخص يحمل نوع طفرات) العلاج المُشخصن المناسب له، ما سيزيد من فعالية العلاج ويوفر وقتاً وجهداً وموارد القطاع الصحي.
-هل لدينا الكفاءات الكافية للقيام بهذا المشروع؟
نعم، بالإضافة للمراكز البحثية الموجودة في سوريا والمعنية بالأبحاث الطبية والزراعية والصيدلانية مثل هيئة الطاقة الذرية والهيئة العامة للتقانة الحيوية ومراكز البحوث الصحية، هناك عدد كبير من مهندسي التقانات الحيوية الخريجين من كلية الهندسة التقنية بجامعة حلب - قسم هندسة التقانات الحيوية وهذا الفرع هو الوحيد من نوعه في سوريا لكن للأسف لا يتم تسليط الضوء عليه، ومعظم الخريجين من هذا الفرع إما يهاجرون بسبب عدم توفر فرص العمل أو يعملون بمجال آخر غير اختصاصهم علماً ان عددهم يتجاوز الـ1300 مهندس وهم مؤهلون وقادرون على متابعة هذا المشروع وإجراء الأبحاث الخاصة به.
-هل توجد بوادر أو نوايا رسمية لإقامة هذا المشروع؟
لحسن الحظ نعم، إذ تبعاً لقرار السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي رقم 48 لعام 2023 تم تأليف لجنة لدراسة مقترح حول إحداث مؤسسة بحثية تهتم بموضوع الجينوم الوطني، وهذه اللجنة مؤلفة من خبرات محلية مرموقة في مجال التقانات الحيوية.
لكن نأمل أن تكون هذه البادرة جدية ويتم متباعتها لتبصر النور قريباً.
-هل توجد نماذج يمكننا الاستفادة منها؟
بالتأكيد، معظم الدول العربية تتوجه نحو إقامة مشروع الجينوم الخاص بها قناعةً منها بأن هذا النوع من المشاريع سيرفع من السوية الصحية للسكان ويزيد من تطور البلاد ويقي من الإصابة بالأمراض المستعصية مثل السرطانات، فهذه الامراض لا تؤثر على شخص بمفرده بل تؤثر على العائلات بأكملها والمجتمعات بأسرها.
لذا هناك عدة جهود حثيثة لإكمال مشاريع الجينوم، مثل مشروع الجينوم الإماراتي والسعودي والبحريني والمصري والتونسي ويمكن التشبيك مع هذه الدول والاستفادة من خبراتها والعمل المشترك لتحديد الجينات المهمة وبالفعل هذا ما يقوم به المركز العربي للدراسات الجينية.
-هل هناك فوائد أخرى غير طبية لمشروع الجينوم السوري؟
طبعاً، فهذا الدراسات تعد مهمة وأساسية في دراسة أصول الشعوب وتراثها، وهناك نوع من علم الآثار الذي يدعى علم الآثار الجينومي، والحضارة الموجودة في سوريا التي تمتد لآلاف السنين لا زالت حاضرة في جينوم شعبها الذي برأيي يستحق الدراسة والتأمل بهذه الذخيرة الوراثية التي ظلت مستمرة على الرغم من وجود الاوبئة والكوارث والحروب إلى يومنا هذا، ومن خلال بحث الماجستير الذي قمت به وجدت تنوعاً وراثياً لدى الأشخاص الذين خضعوا للدراسة من مدينة حلب بشكل يفوق المتوسط ومعظم الدراسات الأخرى من هذا النمط، ويُعزى ذلك لوجود مدينة حلب على عقدة طريق الحرير منذ مئات السنين وتشكيل سكانها نوع من الحوض الوراثي المستقر والمتنوع في الوقت ذاته وهذا الأمر يعد نموذجاً مهماً في الدراسات الجينية العالمية والمحلية على حد سواء.
وليد الصالح. (2021). انتشار السرطان في سورية. مجلة
جامعة دمشق للعلوم الطبية , 35(1). استرجع في من
index.php/heaj/article/view/1001
جوزيف شنكجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق