كتب عبد الله الجدعان: ماذا يجري على ضفتي الفرات ؟
يقسم نهر الفرات مناطق محافظة دير الزور إلى ضفتين الأولى تقع شمال النهر و تسمى الجزيرة بسبب قربها من محافظة الحسكة أي الجزية السورية والثانية جنوبه تسمى الشاميَة لكونها على امتداد الطريق الذاهب إلى الشام وباديتها، هذا التقسيم ليس جغرافياً فقط بل اكتسب مع اندلاع الحرب في سورية بعداً عسكرياً لا سيما بعد المعارك مع المتشددين بعد عام 2014 حيث أن توزع خارطة السيطرة العسكرية للجيش السوري وحلفائه من جهة وقوات سورية الديمقراطية بقيادة التحالف الدولي من جهة ثانية جعل كل ضفة من النهر تمثل مركزاً لسيطرة أحد الطرفين فكانت الجزيرة تحت الاحتلال الأمريكي والشامية من الريف الغربي لدير الزور مروراً بالمدينة وحتى الحدود العراقية تحت سيطرة الدولة السورية.
تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال الأمريكي مع بعض القوات الفرنسية والبريطانية تتخذ مجموعة حقول النفط والغاز كقواعد عسكرية لها ومن أهمها قاعدة حقل العمر وهو مدينة نفطية سورية بالكامل وأكبر حقل في البلاد وكذلك معمل غاز كونيكو وهو الذي كان يغطي حاجة البلاد تقريباً من الغاز المنزلي، وغيرها من القواعد في حقول ومناطق متفرقة بين ديرالزور والحسكة.
بقيت هذه المناطق لسنوات محكومة بتوازنات قوى حالت دون تغيير خارطة السيطرة وحدّت من قدرة دمشق على توسيع سيطرتها بعد تحرير أجزاء من محافظة ديرللزور، إلا أن الأيام الماضية حملت تصعيداً ليس بجديد بين قوات الطرفين إلا أن المختلف فيه هو الزخم المتزايد لعمليات قصف القواعد الأمريكية والخسائر البشرية التي بدأت توقعها في صفوفه وصفوف قوات قسد.
يمكن ربط هذا الحِراك العسكري بعدة عوامل اقليمية وسياسية، تحاول الحكومة وحلفائها التقاط لحظة التهدئة مع تركيا وانفتاح الدول العربية وملل الدول الغربية من الأزمة في سورية والمصالحة السعودية الإيرانية، والاستفادة من هذه المعطيات لتكثيف الضغط على الاحتلال لدفعه للخروج من خلال إيقاع ضحايا في صفوفه في توقيت لا يحتاج الديمقراطيين فيه لأي بلبلة في الرأي العام الأمريكي قبل موعد الانتخابات،
أما اقتصادياً فإن عودة سيطرة الحكومة على هذه المناطق يعني إلى حد كبير حل مشكلتي الوقود والغاز والقمح لما تشكله هذه المناطق مع الحسكة من ثِقل طاقي وغذائي، واجتماعياً تنهي فيه الدولة أي فرض لأمر واقع مرتبط بأجندات تدعو للانفصال أو طغيان هوية إثنية على أخرى وهذا التشويه أصبح يبرز حتى في المناهج التعليمية المفروضة على أبناء تلك المناطق.
ويرى البعض أن تجربة المقاومة الشعبية في العراق والتي كانت ديرالزور بيئة حاضنة لها لقربها من الحدود وتشكيلها قاعدة خلفية لها، هي ما قد يعوّل عليه لتكرار مشهد إخراج قوات الاحتلال الأمريكي والمهمة مختلفة في سورية لكون قواته قليلة العدد ومحصورة في حيز جغرافي ضيق وخطوط إمداد غير آمنة وبيئة عامة غير موالية له وحتى الجزء العشائري المتعامل معه لا تجمعهم وإياه أية عقيدة مشتركة بل مجموعة مصالح ظرفية يمكن أن تقدمها دمشق لهم بل يجب أن تستميلهم من خلالها.
إذاً جزء كبير مما تبقى من حل الأزمة السورية يقع على ضفتي الفرات بل بالأحرى يتحقق بإعادة وصلهما.
عبد الله الجدعان
*الصورة لوسيم السخلة من ضفة الفرات صيف 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق