لنقرأ بهدوء ما كتب د. دريد درغام حاكم المصرف السابق:
دعوة لتعديل القرار الأمريكي رقم 23 من نص "شفقة" إلى نص يسمح بتعافي سورية
نظراً لعدم توافق السياسة السورية مع الأمريكية صدرت سلسلة عقوبات متعاظمة (آخرها قانون قيصر) ومن أهم الإجراءات فيها:
• منع الحكومات أو المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد او البنك الدولي) من تقديم المساعدات إلى سورية
• حظر توريد الأسلحة
• حظر تصدير معظم السلع الأميركية
• حظر تصدير الخدمات الأمريكية في مجال الشحن، والتأمين، أو تكنولوجيا المعلومات
• حظر تجارة النفط والمنتجات النفطية السورية إلا مع الجهات المعارضة المتعاونة مع أميركا
• حظر التعامل مع الوزارات السورية وكمصرف سورية المركزي وغيرها من البنى الأساسية لنشاط الاقتصاد السوري
• منع المصارف الأميركية من توفير الخدمات المالية/ المصرفية بالنسبة إلى مصارف وشركات سورية.
• بالإضافة لحظر التعامل مع شخصيات طبيعية واعتبارية ومنع السفر لأي منها
نتيجة التهديد الأميركي (بعد العقوبات الأمريكية مباشرة وذلك قبل أكثر من 15 سنة) لمختلف الجهات الدولية بأن أي تعامل مباشر أو غير مباشر مع الجهات السورية المذكورة سواء بالتعاقد أو توريد أو تصدير سلع وخدمات أو تحويل الأموال بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
فقد وردت تعاميم (MT999) من المصارف الأمريكية بضغط من الخزانة الأمريكية لمختلف مصارف العالم عبر منظمة السويفت العالمية؛ وبنتيجتها خضعت معظم دول العالم للضغوطات الهائلة التي تمنعها أيضاً من التعامل المباشر أو غير المباشر بالدولار (وبالتالي بعملاتها الدولية أيضاً) فتم تعقيد وصول الحوالات إلى سورية بشكل غير مسبوق بحيث أصبحت السبل المتاحة كالتالي:
1. في بعض الدول قد يوجد إمكانية للتعامل مع قنوات رسمية ضئيلة متبقية ولكن تكمن المشكلة في الخضوع لفروقات سعر صرف تذهب بجزء كبير من قيمة الحوالة. وهذه الحالة تم علاجها "جزئياً" بفضل القرارات الأخيرة المرتبطة بتقريب سعر صرف الحوالات الرسمي من السعر المتداول.
2. التعامل مع بعض شركات تحويل الأموال بمبالغ مسقوفة بأربعمائة دولار وأحياناً أقل وبعمولات مرهقة أحياناً.
3. التعامل مع وسطاء يقتطعون عمولات كبيرة من الراغبين بالتحويل وفي حال التعامل مع وسطاء غير مرخصين في سورية فهناك مخاطر كبيرة للملاحقة من الجهات المعنية.
فضح زلزال 6 شباط الذي ضرب سورية وتركيا ازدواجية أمريكا من حيث كم التعاطف والعون المقدم إلى تركيا مقارنة مع سورية والأهم التباين الحاد بين حجم وكمية المساعدات المقدمة لضحايا الزلزال مقارنة مع السخاء والكرم الأمريكي لأوكرانيا في الحرب و إجبار المعسكر الغربي على تقديم العون الفوري اللازم لملايين اللاجئين الأوكرانين وتخصيص مليارات الدولارات لديمومة الصراع هناك.
ومع تصاعد الحملات لرفع الحصار عن سورية فقد قررت الخزانة الأمريكية إصدار القرار رقم 23 في 9\2\2023 للمساعدة في جهود التعافي من كارثة الزلزال. وقد ورد بالقرار أنه اعتباراً من اليوم وحتى 8 آب 2023 سيسمح بالتحويلات المالية للأغراض المسموحة للتعافي من كارثة الزلزال.
وهنا نجد الكثير من التناقضات والمخاتلة في القرار المذكور حيث:
1. نتيجة تجميد أو انقطاع العلاقات المصرفية للمصارف السورية مع المصارف الأجنبية وتجميد أرصدة تلك المصارف لدى المصارف المراسلة فإن القدرة على تنفيذ الحوالات الإنسانية المزعومة غير ممكن
2. نتيجة الضغط على منظمة سويفت العالمية تم قطع الشريان الأساسي اللازم لتيسير الحوالات المالية من وإلى سورية
3. أدى الضغط على مختلف المصارف الإقليمية والدولية إلى منع الكثير من السوريين من فتح حساب لا بل أجبر معظمهم على إقفال حساباتهم.
4. نتيجة تخفيض حجم الحوالات المسموحة عن طريق بعض شركات تحويل الأموال فقط اقتصرت العملية على مبلغ 400 دولار فقط وهي قيمة تافهة أمام احتياجات أساسية مطلوبة لترميم المساكن المتضررة أو تأمين الحد الأدنى للعائلات المتضررة
نؤمن بوجود رغبة لدى الشعب الأمريكي ومختلف شعوب العالم بالمساعدة في كارثة زلزال 6 شباط. ولكن الكوارث الأكبر تمت على مدى عقود: فالعقوبات لم تنفع إلا في زيادة معاناة الشعوب، والزلزال الأكبر كان خريف العرب والهزات الارتدادية المستمرة منذ سنوات عبر إفقار ممنهج وحصار اقتصادي غير مسبوق وبدون معرفة مآل التجييش الدولي الذي ساهم بدمار البلاد بدلاً من إيصالها إلى بر الأمان، وطمأنينة أكبر للأجيال القادمة.
نتيجة لكل ما سبق يبدو أن قرار الإدارة الأمريكية غرضه إعلامي بالدرجة الأولى. وإن تم تنفيذ جزء منه فسيكون لغايات في نفس الأمريكي وخير دليل على ذلك هو مأساة المناطق المنكوبة الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية وقلة المساعدات التي وردت إلى باقي المناطق السورية مقارنة مع المعونات التي وردت إلى تركيا؛ فضلاً عن الفارق الشاسع بين تركيا التي لديها كل الإمكانات والبنى التحتية والكوادر والأموال والقنوات المصرفية اللازمة للتعافي الذي نرجوه سريعاً للشعب التركي بقدر ما نرجوه للشعب السوري. تمثل الحقائق السابقة أمثلة صارخة على النفاق الدولي.
في الختام، لقد أكد لنا التاريخ أن العقوبات التي فرضت من الغرب بقيادة أمريكية لعقود خلت، لم ترفع جزئيا أو كليا إلا بعد سنوات في معظم الحالات.
وبما أنه لا يوجد لدى المنكوبين "ترف" الوقت؛ وإذا كان المجتمع الدولي مهتماً جدياً بتعافي سورية من الكارثة، فلتكن مطالبه من الإدارة الأمريكية تعديل قرارها "الأجوف" حالياً ليصبح أكثر جدية من خلال إدخال البنود التالية على القرار المذكور:
1- رفع العقوبات عن مختلف المصارف السورية وعن مصرف سورية المركزي ومختلف شركات التامين السورية التي تأثر عملها التأميني وقدرتها على التفاعل مع الكارثة الحالية نتيجة منعها من التعامل مع شركات إعادة التامين في الخارج
2- الإيعاز لمنظمة سويفت برفع الحظر عن مصارف سورية وأن تقوم مختلف المصارف الأمريكية كمنا قامت قبل 15 عاماً بالتعميم من خلال السويفت على مختلف المصارف العالمية لإعادة العلاقة فوراً ودون تأخير مع المصارف السورية وأن تشجعها على فتح علاقات مصارف مراسلة فوراً وأن تعيد فتح الحسابات مع الأشخاص السوريين الطبيعيين ومع مختلف الشركات السورية التي لا تخضع لأي عقوبات.
3- الإغاثة الحقيقية لا تكون بمبلغ تافه بالكاد يكفي للأكل والشرب. فالشعب السوري بأكمله يعاني من نقص فرص العمل وصعوبات في تأمين المسكن والطعام والدواء والوقود. وزاد الزلزال من المعاناة.
لذا لا بد من إزالة العقوبات عن الجهات الضرورية للعمل الميداني والإنتاجي والإنشائي وغيرها مما يلزم لأعمال الإغاثة ومنها:
a. المشافي والمواني والمطارات ومختلف شركات البناء والتشييد الضرورية لتأمين البنية التحتية
b. مختلف شركات الطاقة السورية التي تعاني في تأمين قطع الغيار اللازم سواء للإنتاج أو التكرير أو النقل وهنا نذكر بأن الوقود أمر حيوي لازم لتأمين احتياجات المنكوبين وإعادة البنية التحية والبناء للسكن الاستشفاء وتأمين الخبز والطعام والملبس للمنكوبين وغيرهم ممن يعانون من زلزال ارتفاع الأسعار الناجمة عن العقوبات والحصار المستمر على الحاجات الأساسية.
يرجى من المهتمين رفع المطالب لمختلف الجهات المهتمة دولياً للضغط على الإدارة الأمريكية كي يكون قرارها "الإنساني" رقم 23 جدياً على أرض الواقع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق