خرّيجات كليّة الطبّ المزعومات في دمشق عام 1940


 خرّيجات كليّة الطبّ المزعومات في دمشق عام 1940

كل شي فرنجي برنجي.
حاول إجراء بحث google لخرّيجيّ الطبّ من جامعة دمشق عام ١٩٤٠ وستحصل فوراً وعلى تيهور من المواقع من وسائل الاتّصال الاجتماعي (بالدرجة الأولى) وغيرها على الصورة الملحقة التي "تثبت" بما لا يحتمل الشكّ كم كانت سوريّا عموماً ودمشق خصوصاً أرقى بما لا يقاس ممّا هما عليه اليوم. هاك باقة من الصبايا المتعلّمات على أرفع المستويات في أبهى حللهنّ وورائهنّ يقف نفر من الشبّان المتألّقين قلباً وقالباً.
أين كنّا وأين أصبحنا! أو هكذا يتباكى ويذرف الدموع السجام من يشارك الصورة ويدلّل عليها وما أكثرهم وأكثرهنّ!
فلنحاول تحليل ما نراه قدر الإمكان.
النقطة الأولى أنّ عدد الشابّات أكثر من ضعفيّ عدد الشبّان. للعلم فقط بقي عدد خرّيجات الطبّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة - وليس في سوريّا - أقلّ من عشرة بالمائة من الإجمالي حتّى منتصف القرن العشرين. إذاً الصورة ليست لخرّيجات طبّ على الإطلاق لا داخل دمشق ولا خارجها اللهمّ إلّا إذا اختيرت مجموعة معيّنة لا تمثّل توزّع الطلّاب حسب الجنس.
النقطة الثانية والأهمّ أنّ خرّيجيّ طبّ الجامعة السوريّة في النصف الأوّل من القرن العشرين معروفون والحصول على أسمائهم ليس بالمستحيل في العصر المعلوماتي وكما نرى في الصورة الثانية لم يتجاوز عددهم الخمسة عشر للعام الدراسي المذكور بما فيهم شابّة واحدة فقط لا غير.
الادّعاء إذاً أنّ الصورة الأولى تمثّل خرّيجات جامعة دمشق اختلاق بحت إن لم نقل أكذوبة سمجة مهما بلغ عدد من شاركها على الشبكة وحتّى لو صدّقها الملايين. دمشق الانتداب الفرنسي كانت لا تزال مدينةً شرقيّةً محافظة باستثناء الجاليات الأجنبيّة وبعض الأوساط النخبويّة التي سكنت في أحياء معيّنة وأيّ ادّعاء بخلاف ذلك مجرّد بهتان. نعم شهدت الخمسينات وحتّى السبعينات سفور النساء وخصوصاً الشابّات ولكن هذا لا يعمّم بالضرورة على سائر المجتمع الشامي وليس بحدّ ذاته علامةً على التقدم. بعبارةٍ ثانية لا يمثّل أبناء وبنات أغنياء دمشق المدينة بأسرها بله ريف دمشق وبقيّة الأقاليم السوريّة.
المحزن بالموضوع أنّنا لسنا بحاجة إلى اختراع أمجاد وهميّة.
دمشق - على صعيد الأدب - أمّ كولّيت خوري ونزار قبّاني وغادة السمّان.
دمشق الفنّ أنجبت نهاد قلعي ورفيق سبيعي ودريد لحّام وعبد اللطيف فتحي.
دمشق الطبّ منها رضا سعيد ومرشد خاطر وصبري قبّاني وأنسطاس شاهين وحسني سبح وبرهان الدين الحفّار وحنين سياج وكثير من أساتذتي الأفاضل رحم الله الأموات منهم وأطال عمر الأحياء.
هناك أيضاً كثيرون من المبدعين قطنوا دمشق وإن لم يولدوا فيها: محمّد الماغوط وسليمان العيسى وهاني الراهب وتوفيق البجيرمي. هؤلاء "مواطنون" دمشقيّون بامتياز وأكثر بكثير ممّا أستطيع ادّعاءه كمغترب.
صدحت السيّدة فيروز على أنغام الرحابنة على خشبة مسرح معرض دمشق الدولي ونظم أمير الشعراء أحمد شوقي في عاصمة الأمويين قصيدة رقيقة غنّاها العبقري عبد الوهّاب.
عوداً على بدء لا أعلم أين التقطت الصورة المذكورة ولا متى التقطت ولا من ظهر فيها ولكنّها دون أدنى شكّ ليست لطبيبات شابّات من دمشق. حتّى ولو سلّمنا جدلاً أنّها بالفعل لخرّيجات الجامعة السوريّة - وليس بالضرورة مدرسة الطبّ - فهي لا تمثّل نساء سوريّا اللواتي كنّ آنذاك في غالبيّتهنّ الساحقة أميّات ولم يكن وضع الرجال أفضل إلى هذه الدرجة.
منشور للسيد Hayssam Kadah

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق