توفيق طارق.. أسس لتيار كان له الفضل في الحياة التشكيلية السورية
تتحدث الحلقة الجديدة من (متحف الوطن الافتراضي) عن لوحة (أبو عبد الله الصغير) أول لوحة يلاقيها المشاهد في جناح الفن الحديث في المتحف الوطني بدمشق، منذ أن وضعها هناك مطلع الخمسينات أمين الجناح الأستاذ حسن كمال، شاهداً على براعة الفنان توفيق طارق (1875-1940). ودليلاً على وعي القائمين على المتحف للأهمية الفنية والتاريخية للوحة.
نسخ توفيق طارق هذه اللوحة عن جزء من لوحة استشراقيه للفنان الفرنسي بول لوي بوشار. وقام بتغيير تكوينها ومناخها اللوني وبعض تفاصيلها كي يؤكد حالة الترف و اللهو واللامبالاة التي يستغرق بها آخر ملوك الأندلس العرب، في وقت كانت دولته مهددة بخطر الزوال، وهذا ما حصل فعلاً. ووفقاً لرواية متداولة فقد بكى عندما ألقى النظرة الأخيرة على غرناطة من مكان ما زال معروفاً باسم (زفرة العربي الأخيرة) فقالت له أمه (عائشة الحرة) القول الشهير: «ابكِ مثل النساء ملكاَ مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال».
ويبدو أن توفيق طارق اختار (رمزية) أبو عبد الله الصغير كملك ترتبط باسمه الهزيمة النهائية في الأندلس، ليُدين من خلال هذه الرمزية فساد حكم ملوك الأندلس، وتفرقهم واقتتالهم فيما بينهم، وتغليبهم لمصالحهم الذاتية إلى حد التحالف مع أعدائهم. إذ لم يعرف عن ابي عبد الله الصغير استغراقه في اللهو، بخلاف أبيه (أبو الحسن علي بن سعد) الذي تسببت نزواته، ومن ثم زواجه من أسيرة إسبانية تصغره بسنوات كثيرة، في نشوب صراع دموي بين أخوته وأبنائه كان له الدور الأساس في إضعاف مملكة غرناطة.
والغريب في الأمر أن بوشار لم يشر إلى الأندلس في عنوان لوحته، واختياره لتسمية (العوالم) بمعنى الراقصات يوحي بأن مكان حدث لوحته هو في مصر، حيث يشيع استخدام هذا التعبير، وليس في الأندلس. لكنه في الوقت ذاته صور على الجدار فوق رأس صاحب المجلس عبارة (لا غالب إلا الله) وهي شعار أمراء بني الأحمر في الأندلس، المنتشر بوفرة على جدران وزوايا قصر الحمراء في (غرناطة). وبتعبير آخر: إن بوشار الذي لم يشر إلى أي شيء أندلسي في عنوان اللوحة، ضمًن اللوحة ذاتها رمزاً أندلسياً لا لبس فيه، في حين أن توفيق طارق الذي أطلق على اللوحة اسم الملك الأندلسي الأخير، قد أزال هذا الرمز من لوحته.
كان الدكتور عفيف البهنسي أول من أشار إلى الأصول الغربية لبعض لوحات توفيق طارق. فقد جاء في كتابه (لمحة تاريخية عن الفن التشكيلي الحديث في سورية) الصادر عن وزارة الثقافة في دمشق، عام: 1964« لقد شهد توفيق طارق حين سفره إلى باريس مولد السريالية، إلا أنه لم يتأثر إلا باللوحات الرائعة التي زينت اللوفر لدولاكروا وجان انطوان غروس وجوستاف كوربييه.
بل لعله لم يكترث لآثار الانطباعين الذين أثاروا ضجة كبرى منذ العام 1874، ولذلك فإن لوحاته لم تخرج عن حدود الإخلاص للأصل، وغالباً ما يكون هذا الأصل لوحة ينسج بعضها، ويضيف إليها نسجاً لأصل آخر، ثم لا يجد في ذلك غضاضة، بل إنه ليعتز بقدرته على النقل والتقليد»
أثيرت مسألة أصل لوحة (أبو عبد الله الصغير) أمام عامة الجمهور بعد ذلك بنحو ثلاثين سنة، وتحديداً في آذار (مارس) 1992 في ندوة تلفزيونية استضاف فيها الناقد صلاح الدين محمد كل من الدكتور عفيف البهنسي المدير العام للآثار والمتاحف، والفنان فيصل عجمي نقيب الفنون الجميلة، والدكتور عبد المنان شما عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، ورأى صلاح الدين محمد ضرورة الإشارة إلى أصل اللوحة، حتى لا يساء لسمعة رائد الفن السوري. وفي عام 2011 أشار الناقد الدكتور عبد العزيز علون إلى اللوحة في سياق إعداده لكتاب عن توفيق طارق فقال: «هناك لوحات نسخها عن لوحات عالمية كلوحة (أبو عبد الله الصغير) آخر الخلفاء في الأندلس، وهي لوحة استشراق، نسخها توفيق طارق كسبيل للتدريب والتعبير عن قدراته، مصوراً المرأة المتجردة والخليفة السعيد بين ثلاث من جواريه، واستطاع توفيق طارق تقديمها بلمسات دقيقة وجميلة».
الصورة الأولى: توفيق طارق - ابو عبد الله الصغير
الصورة الثانية :بوشار - العوالم (رقص العوالم)
يمكن قراءة الحلقة كاملة على الرابط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق