الولاء والطاعة والمواطنة!


الولاء والطاعة والمواطنة!
تشكل الأزمة السوريّة فرصة لكل من السلطة والمجتمع لأن يتعرفا على نقاط الضعف التي تشوب علاقتهما والتي تؤثر بالنتيجة على بنية الدولة ككيان متماسك داخلياً أمام التحديات الخارجية التي تستهدفه، ومما يمكن أن نسجله في هذا الإطار هو أن البلاد تعاني من أزمة مواطنة تتفاوت درجة عمقها من منطقة لأخرى ومن شريحة لأخرى، وهذه الأزمة ليست وليدة لحظة الحرب بل هي تراكمية ذات أسباب نعرفها ولا نعرفها..
ولكن من أهمها هو إهمال أو على الأقل قصور تكريس المواطنة كعقيدة لدى الشعب، أي العمل على جعل الولاء للوطن أولاً من خلال أدوات فاعلة قد تكون حزبية أو منظمات شعبية أو صالونات ثقافية وسياسية وإفساح المجال أمام المجتمع المدني.
بدأ يتشكل مناخ جديد أطلقه ورعاه رئيس الجمهورية ما بعد عام 2000 يحمل بوادر إطلاق الحريات في المجتمع وتفعيل الدور المجتمعي في الشأن العام (وإن كان تحت سقف معين)، إلا أن الأمور لم تستكمل وقد يكون لأن في ذلك ضرراً لجزء من السلطة وأجهزتها ممن لا يناسبهم انتهاج رؤية جديدة تكسر من قيودهم التقليدية التي يفرضونها، فحَرِصوا على استبدال مفهوم الولاء بالطاعة، أي جعل العامة منفعلين لا فاعلين.
سبب هذا الحديث هو بيان الحكومة الجديدة الذي نوه لأهمية العمل على تعزيز ثقافة الانتماء والمواطنة واضعاً لذلك برنامجاً واحداً، كما شدّد البيان على "البناء الأخلاقي للفرد والمجتمع" مخصصاً لذلك العديد من البرامج التي تهدف بحسب البيان إلى "تعزيز السلوكيات الإيجابية لدى المواطنين وتصحيح الانحرافات الفكرية التي طاولت بعض شرائح المجتمع نتيجة الحرب، وتصحيح المفاهيم والمصطلحات التي تقوم عليها منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع"
وإن في هذا بوادر إيجابية لجهة الاعتراف الرسمي بالحاجة إلى معالجة هذه الثغرة وترميم مجتمع الحرب وما بعدها بعقلية لا تعيد إنتاج الأخطاء التي كانت فتائل اشتعال البلاد، وإن كنّا ننتظر تحوّل هذه الرؤية إلى برامج عمل فعلية.
إذاً فالمطلوب ابتداءً من السلطة هو العمل على تنفيذ سياسة وطنية شاملة تهدف إلى ترميم وتعزيز المواطنة كمفهوم وانتماء لا سيما من خلال التعليم والقوانين، وطبعاً هذا الأمر غير قابل للتحقق من دون إشراك كل العناصر ذات الصلة وتفعيل دورها وخاصةً المجتمع المدني
فاحتكار عملية بناء وتوجيه المواطنة ضمن أُطُر ضيقة واستبدال مفهوم الولاء الطوعي بالطاعة الإجبارية سيجعل هذه المفاهيم مُنَفِرة ولن تتحول إلى عقيدة بل ستبقى حبيسة الشعارات مما سيجعل البناء الوطني متصدعاً وقابلاً للتشظي أمام أي زلزال على غرار 2011، أما عند إشراك الأفراد بصياغة هذا العقد الاجتماعي واستفتائهم حوله فإن ذلك سيجعلهم يدافعون عنه كونه نتاجهم الشخصي المستند إلى قناعاتهم واختياراتهم.
عبد الله الجدعان
*الصورة من موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق