دوّنت فاطمة فرواتي: .أين يعمل معظم المعلمون في سوريا؟ حقيقة؟


دوّنت فاطمة فرواتي: .أين يعمل معظم المعلمون في سوريا؟ حقيقة؟
"لا تعمل غرفة المعلمين كمساحة مادية فحسب، بل تعمل أيضاً كمساحة اجتماعية وثقافية وعاطفية لشاغليها!"
هذا ما قاله بحث علمي تابع لأكاديميات نيوزلندية وأسترالية والذي نشر في:
"The Asia-Pacific Journal of Teacher Education"
ليأتي السؤال...أين يعمل معظم المعلمون في سوريا؟ حقيقة؟
في الوقت الذي تباهي فيه معظم المؤسسات التعليمية الخاصة، الجمعيات، المنظمات وغيرها بمحاولات الوصول إلى جودة التعليم الحقيقي والتجهيزات المكانية الموجودة المريحة للطلاب والمستفيدين...وحتى معظم فريق العمل الإداري، يبقى السؤال أين هو مكان المعلم المجهز للعمل ولتبادل الخبرات وتكوين مجتمع ينمو مهنياً ويشعره بأنه مقدر وله قيمة حقيقية، مكان يحق له فيه تجديد طاقته باستراحة حقيقية ومريحة؟!
لماذا لاتوجد مساحات عمل مجهزة مشتركة للمعلمين، مساحات مريحة ومحفزة وملهمة...؟!
هل نعي أن كل شيء في المكان يحمل معانٍ للتواصل؟
هل أخذنا بعين الاعتبار التواصل الغير لفظي للأماكن وتأثيرها على سياق العمل ومن يعمل ككل؟!
لا يمكن في سياق العمل ضمن التعليم أن نطالب المعلم بأفضل ما لديه ونحن لا نقدم له حاجاته من بداية الهرم: 'المكان'!
يعتريني الأسف عندما أذكر من خلال التجارب وقصص الزملاء...كيف تكون غرفة المعلمين عبارة عن غرفة صغيرة_إن توفرت_!!
نعم، قد تكون عبارة عن 'شرفة خارجية' و' مطبخ تمت إزالة أدواته ولم يعد يستعمل ضمن المبنى' أو في أفضل الأحوال يمكنك أن تجلس في ممر مغلق أو غرفة عدد أماكن الجلوس فيها لا تكفيك أنت وزملاؤك غالباً، وفي معظم الأحوال لا تتوفر فيها أدنى شروط الراحة النفسية وحتى الصحية!
ماذا يوجد في غرفة المعلمين من قيم مضافة وخدمات تساعد مقدم الخدمة في ايصال عمله بجودة أعلى...لماذا لا يتم تصوير غرف المعلمين حين يروجون للخدمات والمكان؟
إن العمل في مهنة مثل التعليم والتي تعتبر من أصعب المهن، في الحقيقة يتطلب مهارات عالية، إذ أن العمل والشغف والجهد العظيم لا ينتهي أبداً في الغرف الصفية وإدارتها، وإن كان العمل 'بدوام جزئي' لا يزال هناك مهام عديدة يتوجب إتمامها مثل البحث عن الوسائل الداعمة للمناهج وتطويرها وتجهيزها والتصحيح والتدقيق وتنظيم الأنشطة والفعاليات وكتابة التقارير للأهالي عن وضع الطلاب وتجهيز أوراق العمل والأسئلة ومقابلات الأهالي والاستفسارات واجتماعات الإشراف والقسم ككل والإدارة وغير ذلك الكثير ...
لأخبرك، إن الفريق التعليمي الذي يعتبر من أهم الموارد ورأس مال بشري ينبغي الحفاظ عليه وتطويره..يعتبر مكان عمله المريح وزيادة إنتاجيته كرفاهية زائدة، المؤسسات التعليمية بغنى عن الوعي بأهميتها!
ندعو لعملية تعليمية ذات أثر وذاك المعلم المقدم للخدمة المتكأ على جسده وحسب معظم الوقت في قاعته الصفية سيخرج ليتابع عمله وأخذ استراحة قصيرة في مكان ليجلس_إن وجد كرسي مريح للجلوس عليه أساساً_ ذلك المكان، الذي لا يستطيع أن يضع كتبه وكتب الطلاب وحاسوبه المحمول وفنجان مشروبه_إن توفر المطبخ الصغير أصلاً_ مكان..في معظم الأحيان لا خزانة فيه لأغراضه الشخصية وأوراقه وأدواته الهامة، ولا مكتبة فيه ولا ألوان محفزة وإضاءة وتهوية صحية أو تصاميم مدروسة!
متى ستأخذ معظم الجهات التي تتبنى تقديم الخدمات التعليمية الصحة النفسية والجسدية على محمل الجد كركيزة لابد من توفرها لإنتاجية أعلى وأثر أكبر ولبناء مجتمعات تعليمية تقود التغيير الإيجابي داخل وخارج القاعات والغرف الصفية؟!
هل سيدرك الجميع أن الراحة النفسية والجسدية ليست للمعلم وحسب...إذ أن تلك الراحة ستنعكس على الطالب وعلى مكان وسياق العمل ككل!
هل سنجد من أصحاب القرار حين يضع استراتيجة العمل وتصميم المكان من يختار بكل وعي واهتمام إضافة مساحة عمل حقيقية للمعلم؟!
إن رفع الوعي اليوم بأهمية تأمين بيئة عمل احترافية للمعلمين هو أحد أهم العوامل التي تساهم بتغيير ثقاقة العمل ضمن مهنة التعليم والإنتماء إليها، لا أقول بأن الأمر سهل، وهذا يحتاج لبحث ودراسة لنماذج قدوة ضمن هذا المجال أمنت الراحة والتقدير لمقدمي الخدمة كمعلمين وحافظت عليهم كرأس مال بشري واستثمرت في عقولهم وشغفهم وابتكارهم، ومن ثم محاولة تعميم النموذج بخطوات جدية ضمن الأطر و الإمكانات أو الشراكات المتاحة ومن ثم العمل على التطوير!
ولنتذكر جيداً أن تعزيز ثقافة العمل ضمن مهنة التعليم والانضمام إليها بحب ورؤية يضيئها الابتكار والأمل والنمو...يبدأ من تبني فكر يقدر الإنسان كقيمة وليس كرقم، كقيمة حقيقية في كل التفاصيل، فكر يرى كيف يتجلى أثر المعلم الحقيقي في الوعي بشغفه ونموه وحبه وإلهامه دون احتراق صحته النفسية والجسدية ليضيء، وليس المعلم الذي يحترق... ليضيء.
فاطمه فرواتي
Fatima D. Farwati
*الصورة من إحدى مدارس حلب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق