كتب عمرو علي: مكتبات و سينمات


كتب عمرو علي: مكتبات و سينمات
رغم التفاؤل الذي ساد نهاية العقد المنصرم بمستقبل السينما المحلية بعد ترميم صالتيّ سينما دمشق و كندي دمشق و افتتاح كندي دمر إضافة إلى صدور قانون يلزم المجمّعات التجارية بإفتتاح صالة سينما واحدة على الأقل ضمن المجمّع و إلتزام مجمّع آب تاون بهذا القرار، و هو المجمّع الوحيد الذي التزم به حسب علمي، إلا أنه سرعان ما تدحرجت الأمور نحو الأسوأ فصالة تاون سينما في آب تاون تحّولت بعد قرار الإغلاق بسبب انتشار فايروس كورونا إلى ملعب للكرّة الطائرة، رغم أن الصالة نفسها قد ظلمت كثيراً خلال سنوات خدمتها، فلا إعلانات واكبت افتتاحها، و لا شهرة اكتسبتها، و لا زبائن نجحت في اجتذابهم، رغم أهمية موقعها و حداثة مقاعدها و شاشتها قياساً إلى سواها من الصالات، و أعترف بأنني نادم على تراجعي عن استثمار هذه الصالة رغم وصول الاتفاق مع إدارة المجمّع إلى مراحله الأخيرة قبل قرار الإغلاق بأسابيع قليلة.
ولو وضعنا الندم و المشاعر جانباً و تحدّثنا بلغة الأرقام فستبدو الأمور بلا شكّ مثيرة للحيرة، فهل أولوية المواطن اليوم تأمين الحاجيات اليومية أم الذهاب إلى صالة السينما؟ ثم لماذا يذهب إلى صالة السينما ليشاهد فيلماً مسروقاً عبر DVD إن كان بإمكانه شراء الفيلم بثمن زهيد؟ و هنا مربط الفرس فغياب قوانين حماية الحقوق و الملكية تجعل من الأفلام، و من الكتب أيضاً، سلعة مباحة بأبخس الأثمان، سواءً في المتاجر المرخصّة قانونياً، أو عبر شبكة الإنترنت، و إن كان التحكّم بشبكة الإنترنت أمراً صعب المنال بلا شك، فهل التحكّم بمتاجر بيع النسخ المسرّبة و المسروقة صعب المنال أيضاً؟
وإن كان قرار منع هدم أو تحويل الصالات السينمائية لأغراض أخرى سبباً مباشراً في الحفاظ على صالات الدرجة الثالثة في البلاد، و هذا بلا شكّ مكسب للثقافة و التراث نظرياً، فهل يبدو هذا القرار منطقياً اليوم بناءً على معطيات الواقع؟ فتخيّل يا سيدي أنك تمتلك عقاراً وسط دمشق تبلغ قيمته اليوم ثروة مهولة و لكنك لا تقدر على بيعه أو تحويله من صالة خاسرة بلا شكّ، تخجل حتى من إعلان امتلاكك لها، إلى أيّ مشروع استثماري رابح، فما هي الخيارات المطروحة أمامك في هذه الحالة؟ الإغلاق؟ الاستمرار على الحالة المخزية الراهنة لهذه الصالات؟
أم التطوير و التحديث الذي تيسّر بقانون إعفاء أصحاب الصالات من رسوم الجمارك لإستيراد المعدّات و التجهيزات السينمائية، و هذا القانون بلا شكّ مكسب جديد للصناعة السينمائية، و لكننا هنا لا بدَّ أن نعود لنقطة الصفر حيث تبدو المعادلة مستحيلة الحل، فهل سينحج أصحاب الصالات، في حال تطويرها، في استرداد تكلفة التطوير و التحديث على الأقل؟ ثم ما الفائدة من ذلك دون تفعيل قوانين حماية الحقوق و الملكية التي تضمن عدم تسريب و سرقة الأفلام المعروضة في الصالات و إغراق السوق بنسخ مزّورة بأبخس الأثمان؟
الأمر نفسه ينسحب بلا شكّ على واقع المكتبات، فتكلفة الطباعة و النشر و التوزيع تضاعفت بكلّ تأكيد عدّة مرات خلال السنوات العشر الأخيرة، و لا يزال ثمن الكتاب الأصلي الجديد الصادر على دور النشر الخاصّة داخل البلاد يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة عشر دولاراً في الحدّ الأقصى، بينما يتراوح سعر الكتاب الأصلي الجديد في دور النشر الخاصّة في مصر مثلاً بين أربعة إلى خمسين دولاراً في الحدّ الأقصى، و إن وضعنا تباين القدرة الشرائية و مستوى دخل الفرد في الحسبان، فهل تنحصر أولوية المواطن اليوم في شراء الكتاب أم تأمين حاجياته اليومية؟
ثم من الذي يشتري كتاباً إن كان تسريب نسخ PDF ميسّراً عبر الإنترنت بلا حسيب؟ في بعض التجارب الشهبية اندمجت المكتبات و صالات السينما ضمن المجمّعات التجارية الحديثة (المولات) بعد تقديم الضمانات اللازمة لحماية الحقوق و الملكية و هو ما يكفل بشكل من الأشكال الحفاظ على حقوق و أرباح هذه المكتبات و الصالات، و اليوم يبدو هذا الأمر ضرورة ملّحة سواء لضمان استمرارية المنشآت القائمة أو حماية المنشآت المستقبلية من الخسارة و الإفلاس، خاصّة مع تردّد أخبار حول افتتاح وشيك لصالتيّ سينما حديثتين ضمن فندق فورسيزنز إضافة إلى هدم مبنى سينما الدنيا و إعادة إفتتاحها ضمن مجمّع يُزعَم إقامته في نفس الموقع.
لا يسعدنا بالتأكيد إغلاق مكتبة نوبل، و لا إغلاق تاون سينما و تحويلها لملعب للكرّة الطائرة، و لا حتى قرار إغلاق أيّاً من صالات الدرجة الثالثة رغم حالتها المزرية، و التي أتيحت لي الفرصة لمعاينة واقعها المخزي عن كثب خلال الأشهر الأخيرة لمّا عملنا على مشروع توزيع للأفلام السورية في الصالات المحلية و خرجنا منه بنتائج مؤسفة، و لكننا نتفهم الأسباب الموضوعية وراء الإغلاق، و نأمل أن تتحول هذه الأسباب ذاتها إلى عوامل للإستمرارية و النجاح لأيّة منشأة مستقبلية تستثمر في الفنّ و الثقافة.
عمرو علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق