دوّنت منى الصابوني: أكون أو لا أكون: شجرةً أم غصناً


دوّنت منى الصابوني:
أكون أو لا أكون: شجرةً أم غصناً
أزمات كثيرة تعاني منها المؤسسة التنموية في تخطيط وصناعة وتنفيذ مشاريعها، مثلها كمثل البلد الذي تعمل فيه، وحيث لا يمكن حصر الأسباب التي تؤدي إلى فشل جزئي أو كلي للعديد من المشاريع التنموية إلا أنه من الجيد ذكر مفهوم أساسي قد يكون غائباً عن أذهان العديد من المدراء والقادة والمؤسسين.
إن هدف التنمية الأساسي والرئيسي هو الإنسان نفسه، حاجاته ورغباته ومهاراته وطموحاته، وكل المشاريع والنشاطات والبرامج تصب في هذا الهدف لإحداث تغيير حقيقي وإيجابي.
ولكن يبدو أننا نجد في الكثير من الأماكن التنموية السورية أن المشاريع والبرامج والنشاطات المقدمة لا تتناسب والفئة المستهدفة، وكثيراً ما تقوم الجمعيات بتزوير أرقام عدد الحضور أو المستفيدين من مشروع ما، ولهذا أسباب كثيرة منها مكاسب مادية غير مشروعة لكن منها أيضاً هو رغبة الجمعية بالقول، لقد كان مشروعاً ناجحاً أحبه الناس وأقبلوا عليه!
كما يردني الكثير من الأصدقاء الذين يسألونني عن سبب عدم مجيء الناس إلى هذا النشاط أو ذاك أو هذه الفعالية أو تلك، بالرغم من استخدام سبل وأساليب الإعلان والتسويق الملائمتين!
أو أن الناس قد حضروا اليوم الأول ثم لم يكملوا بعد ذلك.
علينا أن نرجع عدة خطوات للوراء لنذكر أنفسنا بالسؤال الأهم: لماذا نقوم نحن بهذا النشاط/ المشروع/ البرنامج… إلخ؟
إن كنا نريد توعية المرأة أو الاهتمام بصحة الطفل أو تشجير الحدائق أو محو الأمية أو زيادة عدد القراء أو الوقاية من فيروس كوفيد-1، فنحن إذا نعمل من أجل الإنسان.
لكن وبالرغم من نوايانا الحسنة في الكثير من الأحيان إلا أنّ ما نعمل عليه قد لا يكون من الأولويات التي تشغل بال الناس، أو حتى ليس بالحسبان أصلاً، ومهما كنا نحن أصحاب/مدراء المؤسسات نشعر بأهمية التغيير الذي نود إحداثه في المجتمع إلا أننا لسنا الأصحاب الحقيقيون لهذه المشاريع، هي خلقت للناس وهم أصحابها!
وخصوصاً في بلد يعاني من أزمات كثيرة لا تتوفر له رفاهية الحضور الاشتراك بحدث ما إلا إذا شعر أنه بحاجته بشكل حقيقي.
إن الناس يعرفون تماماً ما يحتاجون، حتى وإن بدا للدارس الاجتماعي غير ذلك في بداية الأمر، وإذا كنت أستهدف فئة طلاب الجامعات مثلاً بدورات وورشات تدريبية لاتلبي شيئاً من حاجاتهم أو ترضي شيئاً من رغباتهم فإذاً أنا أرضي نفسي وفريقي فقط!
إذا ماذا علينا أن نفعل؟
في البداية علينا الرجوع إلى الناس، إلى السبب الحقيقي في وجودنا على كراسينا وراء مكاتبنا أو على كراسي المقاهي لنجتمع ونخطط المشروع حسب أداة مصفوفة الإطار المنطقي مثلاً! علينا أن نجلس معهم ونعرف منهم ما الذي ينقصهم؟ وما الذي يطمحون إلى تحقيقه.
أن نبحث عن الدائرة الوسط التي تشترك فيها رؤية الناس مع رؤيتنا.
أن نضغط على الممولين والمانحين باجتماعات ورسائل إلكترونية ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي للتركيز على حاجة ما بدلاً من الأخرى في منطقة معينة، فكثيراً ما يتحدد تصميم المشروع برغبة المانح!
أن نسأل أنفسنا أولاً لماذا نريد إحداث تغيير ما في مكان ما؟ هل الناس فعلاً بحاجة إلى ذلك؟ وإذا جاءتنا الإجابة النرجسية التي نقول لأنفسنا من خلالها أنهم بحاجة لكنهم لا يعرفون، فعلينا أن نتروى قليلاً، ثم نبحث بشكل جدي عما يريده الناس فعلاً مما يصب في إطار عملنا وأن نقوم به.
وبعد بناء الثقة بيننا وبينهم يمكننا أن نجري جلسات مشاورة لنشرك المجتمع معنا في الرؤية التي نمتلكها والتغيير الذي نشعر أنه من الواجب أن نحدثه، حينها يكون الأفراد شركاء حقيقيين للمشروع.
أذكر أنه من خلال عملي في إحدى الأماكن التنموية، أن مسؤولي التخطيط كانوا يهملون تماماً الرسائل والتعليقات الواردة على صفحتهم على الفيسبوك على مبدأ: الشجرة المثمرة هي التي ترمى بالحجارة! لكن أعزائي قد تكونوا غصناً مرمياً على قارعة الطريق يعرقل حركة الناس! وأنتم من يقرر ذلك.
فتنمية الإنسان تكون بإرادته والتغيير في المجتمعات يكون بمشاركتها، فلا يتم ذلك بشكل حقيقي من خلال مشاريع القوالب الجاهزة.
للقراءة من الرابط الأصلي:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق