عن شرف العمل في خدمة العامة دوّنت منى الصابوني:


عن شرف العمل في خدمة العامة دوّنت منى الصابوني:
أبدأ تدوينتي هذه ببساطة بتعريف الخدمة العامة حسب مجلة الـ Science Daily: "خدمة تقدمها الحكومة للأشخاص الذين يعيشون ضمن ولايتها القضائية، إما بشكل مباشر (من خلال القطاع العام) أو من خلال تقديم تمويل للقطاعات الخاصة.
أي هي مجموعة من الخدمات التي يحصل المواطنون عليها بشكل مجاني (أحياناً بمبالغ رمزية) ليتمكنوا من متابعة أعمالهم ودراستهم ومتطلباتهم المدنية.
يكون دور الحكومة هنا معقد وصعب قليلاً، حيث يبدأ الأمر من تشكيل مؤسسات عامة حسب ما تقتضيه الحاجة وضمن نطاق الدستور، ورفدها بكوادر بشرية مؤهلة والعمل على بناء خطط طويلة وقصيرة الأجل بالنظر إلى الأهداف التي أحدثت من أجلها هذه المؤسسات، ومتابعة تنفيذها وتخصيص الأموال اللازمة لذلك من خلال الموازنة العامة، وذلك للوصول إلى ديمومة حقيقية تتكون من خلالها ثقافة العمل الخدمي عالي الموثوقية والجودة.
وكثيراً ما تقع الحكومات في مأزق إنشاء مؤسسة هنا أو هناك ثم إغلاقها لبعض أو كل الأسباب التالية:
1- عدم التوازن ما بين أداء وكفاءة المؤسسة مع الهدف المطلوب تحقيقه، أي أن المؤسسة تكلف الدولة الكثير من الأموال لكنها لا تحقق تقدماً ملحوظاً على مستوى أداء الخدمات العامة.
2- عدم وجود كفاءات بشرية يمكنها تحقيق استدامة العمل.
3- عدم قدرة المؤسسة على التماشي مع التغير الحاصل في رؤية الحكومة، بل وبقائها سائرة على سكة قديمة مقطوعة.
ما الذي يجعل المؤسسة مهددة بخطر الاضمحلال؟
في الواقع إن العمل الخدمي مثله كمثل أي عمل يعتمد بشكل رئيسي على عدة عوامل:
1- الموارد البشرية.
2- وجود رؤية وأهداف واضحة وواقعية وقابلة للتطبيق والقياس.
3- الميزانية الكافية لتغطية نشاطات المؤسسة.
4- المساحة القانونية الجيدة التي يمكن للمؤسسة التحرك فيها.
5- المتابعة والقياس والتقييم.
6- القدرة على التواصل مع الناس.
7- المعرفة التسويقية الجيدة.
فلا يمكن للمؤسسة أن تستمر بشكل فاعل وحقيقي وليس وهمي عبر وجودها المكاني فقط إلا من خلال العوامل السابقة، وإلا يمكن اعتبارها كسيارة معطلة تحجز مكانها في حيز ركن السيارات لكنها لا تقدم أي قيمة مضافة حقيقية!
إن استقطاب كوادر بشرية مهيئة أكاديمياً ومهنياً هو أمر رئيسي، وبالطبع فلا يمكن لهؤلاء الموظفين العمل بشكل صحيح إلا من خلال تمكنهم من الأهداف التي يجب أن يعملوا من أجلها، ولكن أيضاً وجود المستحقات المادية الكافية هو حجر أساس في ضمان رغبة الأفراد في تحقيق هذه الأهداف، كما أن التضييق القانوني حول المؤسسة يجعلها تختنق بالبيروقراطية والروتين، ولعل أبرز الثغرات الموجودة في مؤسساتنا اليوم هي متابعة النشاطات المنفذة وتقييمها وقياس أثرها وتعديل وتغيير مدخلات أي نشاط وفق النتائج المأخوذة، يليها ثغرة التواصل مع الناس والمعرفة بشكل حقيقي ما هو نوع الخدمة التي يودون الحصول عليها وكيف يرغبون بذلك، فالكثير من المؤسسات تخطط وتضع البرامج والجداول وتبدأ بالتنفيذ والمواطنين على الضفة الأخرى من النهر ينتظرون أن يلتفت المعنيون إليهم!
وأخيراً فإننا نعيش في زمن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن الضروري تعلم قواعد التسويق على هذه المنصات فلا تبدو المؤسسة جامدة بعيدة عن الناس، لكن أيضاً تقدم محتوى مفيد بعيد عن اجتمع فلان وفلان، فبعض النشاطات داخلية ويجب أن تبقى ذات طبيعة دعائية منخفضة.
إن العمل في خدمة العامة شرف حقيقي، لكن لنحققه علينا أن نبحث وبصدق عن الثغرات التي تعاني منها مؤسساتنا وأن نملك الرغبة والإرادة الحقيقيتين للتغير الفعلي، وليس تغيير لون طلاء الحائط وتوزيع قرطاسية جميلة ملونة وتوظيف مصور ماهر بكاميرا احترافية وصفحة فيسبوك برّاقة.
منى الصابوني


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق