عن العشائر السورية اليوم

 


دوّن عبد الله الجدعان: عن العشائر السورية اليوم
التركيبة المتنوعة للمجتمع للسوري تُوجِد فيه الكثير من الفواعل الاجتماعية ومنها العشائر العربية ذات الحضور الوازن خاصةً في المنطقة الشرقية وحلب والتي تمتد فيها علاقات الدم والمصاهرة إلى دول عربية أخرى، وهذا الثِقل المجتمعي البارز أوّجَد بدوره أهمية لا يمكن التغاضي عنها في الحياة السياسية في سورية.
فمثلاً في برلمان عام 1943 والذي كان يرأسه فارس الخوري تم تشكيل لجنة برلمانية عُرِفت باسم ( لجنة العشائر ) كانت مهمتها إدارة شؤون العشائر العربية والتي كان تحتكر تنظيم أمورها سلطة الانتداب الفرنسي وحتى تطويع أبنائها فيما سميّ جيش الشرق الفرنسي وقوات الهجانة لما كان لهم من دور بارز في إثارة القلاقل والمقاومة ضد الاحتلال الذي عمل على وضع يده عليها لاستخدامها كورقة ضغط على الكيان السوري الذي كان يطالب بالاستقلال.
اليوم العشائر ومع بداية الأزمة السورية تشظت اجتماعياً وسياسياً وتنوعت مرجعياتها وبالتالي أهدافها وهذا ما جعل مناطق ثِقلها تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية تحتوي عشرات التيارات المتناقضة:
قسم وازن ما زال على موقفه الداعم لخيار الدولة السوريّة ويشكل جزءاً من جسدها السياسي (له ممثلين في مجلس الشعب) وجسمها العسكري والأمني (الجيش والقوات الرديفة) ولكن للأسف لم يرقى دورهم حتى الآن لمستوى الطموحات ولا سيما في استثمارهم لثقلهم السكاني في مناطق الاحتلالين الأمريكي والتركي.
قسم آخر اختار أن يصطف إلى جانب مجموعات كردية انفصالية وتجمعه علاقات طيبة بالاحتلال الأمريكي ويجتمع دورياً بالمبعوثين الأمريكيين وأحياناً الفرنسيين، هذا ليس فقط بسبب موقفهم المناهض للسلطة بل أيضاً حفاظاً على مكتسبات ومصالح ناشئة ومنها الدعم المالي الخليجي ولا سيما السعودي و سرقة النفط من حقول ديرالزور والحسكة و أيضاً تهريب البضائع المختلفة عبر الحدود المفتوحة (مثلاً توجد في بعض أرياف دير الزور سيارات فارهة لا تتناسب مع المستوى المعيشي لأبناء المنطقة تدخل بأسعار زهيدة و بدون جمارك من العراق).
أما القسم الثالث فهو العميل لتركيا الذي تسعى من خلاله إلى شرعنة وجودها وميليشياتها في الشمال السوري بل وأيضاً لاستخدامهم في عدوانها العسكري ضد الدولة السورية و محاولتها تغيير التركيبة الديمغرافية في وجه السوريين الأكراد (يمكن مراجعة بيان اجتماعهم الأخير في مدينة الباب).
بالتالي بين تاريخ المكوّن العشائري وحاضره يوجد قاسم مشترك هو استخدامه كعامل ضغط على الدولة السورية، وهذا ما يجب إلتقاطه للحفاظ على مصالح هذه الفئة إن كان ببعض المكاسب الاقتصادية لإيلاء أهمية أكبر للتنمية في مناطقهم أو تطبيق شكل من اللامركزية الإدارية فيها وغيرها من الخيارات التي تجعل السلطة تضمن ولاء أبناء هذه المناطق مهما تفاقم الخلاف السياسي بينهما.
عبد الله الجدعان
*مصدر الصورة جريدة الأخبار اللبنانيّة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق