هل تدخل الرأسمالية في إنتاج المدينة؟




دوّن لنا همام دوبا:
هل تدخل الرأسمالية في إنتاج المدينة؟

لابدّ وأنّ لكل مدينة وقرية، أو كل حيّ حتى، طبيعة عمرانيّة خاصة، في شكل الأبنية عدد طوابقها ومساحاتها والوجائب الحدائقية والكراجات المخصصة لسكان البناء الأرصفة وعرض أو ديق الشوارع، الحدائق العامة في الأحياء و الخ من الخدمات المرافقة لهذه الأبنية، تتداخل هذه الأنماط العمرانية بالنمط الإنتاجي لسكّانها، لطبقاتهم الإقتصادية، فنرى أنّ أحياء الطبقة الضعيفة اقتصادياً تتشكل بشكل عشوائي، بيوت صغيرة، استثمار لكل مساحة ممكنة للبناء مما يؤدي لضيق الطرقات، الهوامش والأرصفة غير موجودة، لا يهمّ أثناء بناء المنزل أو البناء اتجاه الشمس، ونسبة دخولها إلى المنزل

بينما تتغير هذه العناصر اطّراداً مع الطبقة الاقتصادية إلى أن نصل إلى أحياء الفلل ومساحاتها الهائلة ووجائبها الخضراء و المسافات المتبادعة بين الأبنية

وهذه الفروقات المعمارية تتواجد أيضاً بين منازل القرى، ومنازل المدن فالقرى عموماً، وفي أساسها تَبني منازلها بعيداً عن نظام الأبنية، وذلك لتوفّر مساحات كبيرة، ولهذا خصائص اقتصادية حيث أنّ المنزل يكون في القرية ملاصقاً في الغالب للأرض الزراعية(وهذا تداخل جديد بين النمط الإنتاجي والنمط العمراني) لإعتناء بها بشكل افضل، وحراستها

يعتمد سكان الساحل السوري ومعظم القرى السورية في نشاطهم الاقتصادي على الإنتاج الزراعي، وتتعدد منتجاتهم الزراعية بين الحمضيات والزيتون والدخان والخضروات و ..الخ من المنتجات الزراعية الأخرى
(اتحدّث عن الساحل السوري كوني شاهداً على حراكه الاقتصاديّ وتغيّراته، نتمنى تزويدنا بالتعليقات على ما انتم شاهدون عليه)

كنت شاهداً على التغيّر العمراني لقرى الساحل، فبدأت منذ خمسة عشر سنة تقريباً، تتجه في عمرانها إلى الأبنية، خاصة في مراكز النواحي، والقرى الكبيرة، وازداد ذلك بشكل متسارع منذ بداية الحرب في سورية، إلى أن أصبحت تلك القرى أشبه بالمدن المصغّرة، الغير خاضعة لأيّ تنظيم، فلا يشبه أيّ بناء، البناء الأخر، إلّا في نقطة واحدة مشتركة، وهي المحلات!
كل الأبنية السكنية يتموضع في طابقها الأرضي محلّات ودكاكين على مساحة البناء كلها

كان ذلك يترافق مع انحسار النشاط الزراعي، أي أنّ الأجيال الجديدة لم تعد تمارس الزراعة في غالبها، ف "مابتحيب همّها" كون ربح المزارع قد لا يتجاوز الليرات القليلة، بينما يضاعف التاجر أرباحه اضعافاً واضعاف،(أذكر أنّ في سنة من السنوات كان الفلاح يبيع كيلو الليمون ب ٥٥ ليرة، بينما سعر الكيلو في دمشق ألف ليرة!) حتّى قام كثير من مزارعي الحمضيات بقلع الأشجار لاستثمار الأرض بشكل أخر، أو بترك الثمار تقع على الأرض، لأنّ كلفة جنيها أكبر من نسبة الربح فيها، وهكذا معظم المنتوجات الزراعية
ماذا فعل الناس بعد ذلك؟

باعوا الأرض، واتجهوا لشراء المحلّات التي سبق ذكرها، يؤجّرونها في الغالب، ويقتاتون من أجارها
أو تشاركوا مع مقاول فقدّموا له الأرض ليبني عليها، ليتقاسموا البناء وفقاً للحصص المتفق عليها
وبهذا، تغيّر شكل القرى، فبدلاً من النمط القرويّ للبناء القائم على نمط انتاجي اقتصادي معيّن، دخلت المدينة بشكل عشوائي وعشعشت بين الحقول والأراضي، وبدلاً من توزّع المنازل الأفقيّ، توجّهوا إلى البناء العاموديّ، وانتشرت المحلات كالنار في الهشيم

من المؤكّد أنّ التطور العمراني ضرورة، لكنه ينبئ بمشكلة إذا ابتعد عن سياقه الطبيعي جذريّاً، وفي وقت متسارع!

لا يمارس النشاط الزراعي اليوم إلّا جيل الأزلام والرجال الكبار في السن نسبياً، بينما عزف الشباب، معظم الشباب عن هذا النشاط الإنتاجي، ولهم الحق في ذلك، كونه أصبح نشاطاً اقتصادياً غير ذي جدوى مالية، فلا اتحاد فلّاحين يقف بوجه تجّار سوق الهال، ولا أسمدة ومبيدات إلّا بأسعار عالية

وهكذا، تدخّل تراجع النمط الإنتاجي الزراعي، ونمو النمط الإقتصادي الخدمي، في إعادة صياغة القرى عمرانياً، فغيّرها وعبث بعذريتها

برأيك، كيف يمكن أن يستعيد النشاط الزراعي نشاطه في سورية؟
هل تعرف قصصاً مشابهة عن تغيّرات أنماط الإنتاج في قريتك أو مدينتك دفعت إلى تغيير في عناصر أخرى ك العمارة على سبيل المثال لا الحصر؟

Homam Douba
#نقاشات_في_الشأن_العام

*الصور للفنان السوري الراحل أحمد دراق السباعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق