مراحل بناء البرلمان السوري 1/2
دار البرلمان السوري
أطلق على مبنى البرلمان اسم دار البرلمان السوري عام 1928م حين بدئ بإنشائه وهذا المبنى لا يجسد روعة الهندسة وتألق الإنجاز المعماري وحسب بل يمثل تاريخ وطن وحضارة أمة.
يقع بناء البرلمان السوري في أجمل بقعة من العاصمة السورية دمشق وفي مركز ثقل المدينة الكائنة بين جادة الصالحية وشارع المجلس النيابي وقد اعتمد في عملية إشادته التصميم والتزيين الذي جُمع فيه بين الفن الفاطمي والعباسي والأندلسي إضافة إلى النقوش العربية الرائعة.
الأرض التي شيد عليها مبنى البرلمان
تم البدء في بناء دار البرلمان السوري على أنقاض سينما ومسرح «جناق قلعة» أو «شناق قلعة» التي شيدها العثمانيون بالاتفاق مع الألمان في طريق الصالحية، وهي أول دار مسرح وسينما بدمشق على الطراز الأوروبي والشرقي شديدة الفخامة، وبمواصفات تمكنها من استقبال عروض أوبرا ضخمة تحمل مواصفات دار عرض سينمائي متكاملة، وعمل في إنشاء وتصميم هذه السينما خيرة مهندسي ذاك الزمن.
في عام 1916م وعلى الرغم من ظروف الحرب العالمية الأولى، أنشأت الدولة العثمانية هذه الدار، ورصدت لها المبالغ الطائلة بغية إظهارها بشكل حضاري لاستقطاب أهل دمشق إلى هذا الفن الجديد وإبعادهم عن الشأن السياسي حيث كانت دمشق في تلك الأيام تعيش التنافر والصراع مع العثمانيين على أشده، كما كان الهدف من هذه الدار أن تكون وسيلة دعاية للعثمانيين ودول الحلفاء وعلى رأسهم ألمانيا.
شيدت سينما جناق قلعة في شارع الصالحية (مكان مجلس الشعب حالياً)، وافتتحت من ناظر البحرية وقائد الجيش الرابع جمال باشا الذي عرف باسم جمال باشا السفاح لتنكيله بالمواطنين الأحرار السوريين.. وعرض في هذه الدار أول فيلم سينمائي من إنتاج ألمانيا، وهو مجرد قصة مثيرة مع فيلم آخر إخباري يمثل استعراض الجيش الألماني في برلين، وعرف من العاملين في هذه الدار الميكانيكي اليوناني الأصل (ساسو) الذي كان يشغّل آلات السينما.
لم تدم الحال طويلاً في سينما جناق قلعة. ففي مساء أحد الأيام ولم يكن قد مضى على افتتاح الدار قرابة الشهر سمع أهالي دمشق أصوات انفجارات مدوية تبعتها ألسنة النيران الهائلة والدخان الكثيف الذي غطى سماء دمشق.. فقد احترقت دار سينما جناق قلعة.
حدث الحريق ليلاً عندما انقطع الفيلم أثناء عرضه، ووقع تحت تأثير الحرارة الشديدة المنبعثة من ضوء القوس الكهربائي، وروى بعض أهالي دمشق آنذاك أن احتراق السينما كان كارثة كبيرة أودت بحياة العديد من أبناء دمشق الذين كانوا في السينما وتفحمت جثثهم من شدة وضراوة النيران..
بقيت سينما جناق قلعة خرائب وأنقاضاً مدة طويلة، وفي زمن المستعمر الفرنسي أراد الرئيس السوري تاج الدين الحسني بناء مقر للبرلمان السوري، وتم البحث عن موقع في أنحاء دمشق ولم يجدوا أفضل من موقع هذه السينما، فاستقر الرأي على ترحيل أنقاض السينما وبناء مقر للبرلمان السوري مكانها، وكان ذلك عام 1928م، حيث بُدئ في هذا العام بناء دار البرلمان السوري (مجلس الشعب حالياً) على أنقاض سينما جناق قلعة.
مراحل بناء البرلمان
تم بناء دار البرلمان على عدة مراحل (وتم البدء على العقار رقم 1194صالحية جادة) وعلى مساحة تبلغ 6589متراً مربعاً وذلك عام 1928 وانتهت هذه المرحلة عام 1932م وتضمنت هذه المرحلة بناء طابقين، فالطابق الأرضي (مدخله من طريق الصالحية) يحتوي على بهوين (صالونين) وقاعة اجتماعات مساحتها 200 متر مربع وتسع غرف والطابق الثاني (العلوي) يحتوي على بهو (صالون) واحد وثلاث غرف وشرفة مطلة على قاعة الاجتماعات معدة لجلوس المستمعين وطابق تحت الأرض مؤلف من صالون وخمس غرف.
كما تضمنت هذه المرحلة بناء طابق أرضي آخر (مدخله من مقابل وزاره المواصلات والتي كانت فيما مضى مقراً للدرك الفرنسي ويقال: إن هنالك سرداباً تحت الأرض يربط بناء البرلمان مع مقر للدرك كان يستخدم لتنقلات الدرك الفرنسي) يتألف من صالونين وقاعة وسبع غرف وتحتوي الصوفا على درج يؤدي إلى الطابق الأول الذي يحتوي على صالون وسبع غرف هذا وقد فرشت أرض قاعة الاجتماعات بالرخام الأبيض أما جدرانها فزينت حتى ارتفاع ثلاثة أمتار بالرخام الملون وما تبقى من الجدران زين بنقوش عربية صنعت من الجبصين وهذه القاعة هي الآن استراحة لأعضاء مجلس الشعب وتمت في هذه القاعة اجتماعات المجالس النيابية السورية من عام 1932 إلى الدورة التشريعية التي انعقدت في 14 تشرين الأول 1954.
وشهدت هذه القاعة التخريب والتهديم في 29 أيار 1945 حيث استشهد فيها عدد من حامية البرلمان السوري إثر اعتداء المستعمر الفرنسي على البرلمان.
المرحلة الثانية
بعد عدوان المستعمر الفرنسي على المجلس النيابي في 29 أيار 1945 والذي أدى إلى تخريب وتدمير الكثير من أجزائه واستشهاد حاميته التي يتراوح عددها بحدود 30 دركياً وشرطياً. بعد هذا العدوان فكر سعد اللـه الجابري، وكان آنذاك رئيساً لمجلس النواب، بإنشاء قاعة جديدة لاجتماعات النواب تستوعب عدداً اكبر منهم وتشمل على شرفات واسعة للزائرين إضافة إلى إعادة ترميم وبناء ما هدم من أقسام منه نتيجة عدوان قوات الانتداب آنذاك.
وإزاء ذلك ضمت عقارات جديدة إلى العقار الأصلي لدار البرلمان السوري حيث ألحق به العقار رقم 1607 ومساحته 253 متراً مربعاً (وهو حسب القيد العقاري ملك دولة سورية) والعقار رقم 1408 بمساحة 26 متراً مربعا (وهو أيضاً حسب القيد العقاري ملك دولة سورية) وكان ذلك عام 1947 وبدأ العمل في تجديد بناء دار البرلمان بعد تحديد حجم الدمار الذي أصاب هذا الصرح التراثي وتم في هذه المرحلة إجراء تعديلات جذرية في التقسيمات الداخلية لطوابق البرلمان حيث ألغيت العديد من الغرف وأنشئت قاعة كبيرة لاجتماعات أعضاء البرلمان تبلغ مساحتها 400 متر مربع وكانت بداية الأعمال في هذه المرحلة إبان رئاسة سعد اللـه الجابري حيث أنشئت الجدران الحجرية والسقف للقاعة الجديدة إلا أن التزيينات والنقوش العربية للقاعة والجدران تطلبت مدة سبع سنوات انتهت في عام 1954 وانعقدت أولى جلسات البرلمان في القاعة الجديدة بعد سقوط نظام أديب الشيشكلي بتاريخ 14 تشرين الأول 1954 وما زالت إلى الآن تعقد اجتماعات المجلس في هذه القاعة.
كانت هذه القاعة تستوعب 140 مقعداً للنواب عدا الأماكن المخصصة للحكومة (وهي الآن تستوعب 250 عضواً إضافة إلى الأماكن المخصصة للسلطة التنفيذية).
كما تم في هذه المرحلة بناء شرفات تطل على قاعة الاجتماعات تحتوي على 300 مقعد للزائرين وخصصت شرفة لرئيس الجمهورية وأخرى لكبار الزائرين الأجانب وشرفة خاصة لكبار موظفي الدولة وشرفة خاصة للصحفيين.
في هذه المرحلة أصبح البرلمان مؤلفاً من كتلتين على شكل جناحي العُقاب السوري (شعار سورية).
شمس الدين العجلاني، جريدة الوطن 2017
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق