اختار العودة والبقاء، كيف يُفكّر بعض السوريون؟


 اختار العودة والبقاء، كيف يُفكّر بعض السوريون؟

صالح كلارجي، هو رائد أعمال في مجال الفنون والإبداع الواعي للتأثير الثقافي، يعمل على بحث يُسهم بتطوير فكرة معاصرة للهوية السورية، حيث يسعى إلى استكشاف التقاطع بين التراث الثقافي لسوريا والتصميم المعاصر في مجالات مختلفة مثل الأزياء والفنون والحرف اليدوية، والهوية المعمارية. بهدف إثراء التجربة البصرية والثقافية وتعزيز الاندماج بين الماضي والحاضر.
ينحدر صالح من حلب وعاد إلى سورية منذ عدّة أشهر، تشاركنا معهُ بعض الأسئلة في حوار عن الهوية والفن والمستقبل، ووجدنا في الحوار الهاماً يستحقُّ المشاركة!
لماذا اخترت العودة والعمل في سوريا:.
في ظل الظروف الراهنة التي مرت بها سوريا على مدار السنوات الماضية، نشهد تراجعًا في مفهوم الهوية الوطنية لدى العديد من السوريين، خاصة الشباب الذين وجدوا أنفسهم في بيئة مليئة بالانقسامات والتحديات. هذا الضعف في الانتماء إلى الهوية السورية يعود إلى العديد من العوامل المعقدة، منها الأحداث السياسية والاجتماعية، والانقسامات الطائفية والجغرافية التي تعمقت في البلاد.
مع استمرار الأزمة، نشأ جيل من السوريين في الشتات أو في بيئة متأثرة بالتدخلات الخارجية، مما أدى إلى تبنيهم هويات جديدة قد تكون بعيدة عن الهوية السورية. البعض قد يشعر بعدم الارتباط بالوطن بسبب الوضع غير المستقر، مما يدفعهم إلى البحث عن هوية بديلة تعبر عن واقعهم الحالي. هذه الهويات الجديدة، سواء كانت مستمدة من ثقافات البلدان المضيفة أو من أيديولوجيات خارجية، تساهم في إضعاف الروابط مع الهوية السورية التقليدية.
الانقسامات الداخلية أيضًا تلعب دورًا كبيرًا في تآكل هذا الانتماء. حينما يعيش الأفراد في بيئة تتسم بالانقسام والتفكك، يصبح من الصعب عليهم الشعور بالوحدة والانتماء لهوية وطنية شاملة. بدلاً من ذلك، يميلون إلى الانتماء إلى مجموعات أصغر، سواء كانت طائفية أو إثنية أو جغرافية.
العديد من الآباء ينقلون مشاعرهم السلبية تجاه الوضع الحالي في سوريا إلى أبنائهم، مما يخلق شعورًا باليأس والنفور من الهوية الوطنية.
عندما ينمو الأبناء في بيئة مليئة بالسلبية تجاه البلد، يتولد لديهم الرغبة في الهروب من المسؤولية والمساهمة في تحسين الوضع، مما يعزز لديهم فكرة البحث عن حياة خارج سوريا بدلاً من العمل على إصلاح الأمور في الداخل. يجب أن يكون الأهل واعين لأثر كلماتهم وسلوكهم على أبنائهم، ويتجنبوا تصوير البلد كمكان لا أمل فيه، بل يمكنهم بدلاً من ذلك تقديم منظور أكثر توازنًا، يعترف بالصعوبات لكنه يركز على الإمكانيات للتغيير والتطوير.
الشباب الذين يركزون على السلبيات قد يشعرون بالغربة داخل وطنهم، ويبدأون في تبني هويات جديدة مرتبطة بثقافات أخرى، سواء عبر الإنترنت أو خلال الهجرة. هذه الهويات الجديدة قد تؤدي إلى انفصالهم عن التراث والثقافة السورية بشكل دائم.
يجب أن يكون الأهل واعين لأثر كلماتهم وسلوكهم على أبنائهم، ويتجنبوا تصوير البلد كمكان لا أمل فيه، بل يمكنهم بدلاً من ذلك تقديم منظور أكثر توازنًا، يعترف بالصعوبات لكنه يركز على الإمكانيات للتغيير والتطوير. ومن خلال تسليط الضوء على جوانب إيجابية في تاريخ البلد وتراثه الثقافي، يمكن أن يشاركوا أبناءهم القصص عن الأوقات الجيدة، الإنجازات الوطنية، واللحظات التي كانت سوريا فيها مصدر فخر لهم.
عندما ننظر إلى الحرف اليدوية، الفن، العمارة، وحتى الطعام السوري، نجد أن هناك قصصًا تجمعنا وتعيدنا إلى هويتنا الأصيلة. إن العمل على إعادة إحياء هذه الفنون وإعادة تقديمها بشكل معاصر يمكن أن يعزز شعور الانتماء لدى الأفراد، ويدفعهم إلى إعادة التفكير في مفهوم هويتهم الوطنية.
إن الجهود الفردية التي نبذلها اليوم في سبيل تطوير الهوية السورية وبحث إمكانية جعلها جذابة للأجيال الجديدة تُعد جزءًا مهمًا من عملية إعادة بناء المجتمع. نحن نسعى ليس فقط للحفاظ على التراث والتقاليد، ولكن أيضًا لإعادة تقديمها بصورة تتماشى مع متطلبات العصر الحديث.
الهدف الأساسي هو إشراك الشباب في هذه العملية، ليشعروا بأنهم جزء من هذا التطور، وأن تكون لديهم الفرصة ليشاركوا في صناعة المستقبل والهوية الثقافية السورية الجديدة. بدلاً من النظر إلى التراث على أنه شيء من الماضي، نسعى لجعله مصدرًا للإلهام والابتكار، وندعو الأجيال القادمة لأن يكونوا جزءًا من التغيير الذي نسعى إليه.
غالبًا ما يتخيل الناس سوريا كنفق مظلم بلا نهاية. وعندما أقول أنني أعيش وأعمل بشكل دائم في سوريا، تتزايد الأسئلة المتكررة حول السبب. هذه الأسئلة ليست مفاجئة، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد، ولكنها تمنحني فرصة لمشاركة رؤيتي حول أهمية الفن والثقافة في إعادة بناء المجتمع.
لماذا قررت العودة إلى بلد غير مستقر؟
قراري بالعودة والعمل في سوريا ينبع من إيماني العميق بأن الفن والثقافة لهما دور رئيسي في توحيد المجتمع وتجاوز الصراعات. اخترت أن أساهم في إعادة بناء هوية وطنية تعزز الانتماء لدى السوريين، خاصةً مع وجود أجيال سورية جديدة قد تكون وُلدت بهويات ولغات مختلفة، وتشعر بالغربة عن هويتها الأصلية. الفن هو اللغة التي تتجاوز الحدود، وهو السبيل لإعادة ربط الأجيال الجدد بتاريخهم وثقافتهم.
لماذا تفضل البقاء في سوريا بدلاً من البحث عن فرص في الخارج؟
أنا أختار البقاء في سوريا لأنني أؤمن أن التغيير الإيجابي يجب أن ينبع من الداخل. سوريا تمتلك ثروة ثقافية وفنية غنية تمتد لآلاف السنين، وهذه التركة تحتاج لمن يعيد إحيائها وتطويرها. برأيي، البلاد ليست فقط في حاجة إلى مشاريع تطوير مادية، بل إلى مشاريع ثقافية تهدف إلى استعادة الهوية السورية المتعددة الجوانب، وتحويلها إلى مصدر إلهام للأجيال الحالية والمستقبلية.
كيف تؤثر الأوضاع الحالية والعقوبات على مشاريعك وأهدافك الشخصية؟
لا شك أن الأوضاع الراهنة، بما في ذلك العقوبات، تضيف طبقة من التعقيد، وتجعل الأمور أكثر صعوبة. ومع ذلك، أرى في هذه الأوقات فرصة لإعادة تقييم أولوياتي، ولإيجاد حلول مبتكرة للتغلب على الصعوبات. الأزمات تولد التحديات، ولكنها أيضًا تولد الإبداع، وتجعلنا نفكر خارج الصندوق لإيجاد وسائل جديدة لتحقيق أهدافنا.
ما أهمية إعادة إحياء الهوية السورية؟
الهوية السورية ليست مجرد هوية وطنية، بل هي تعبير عن تاريخ طويل من التبادل الثقافي والحضاري. هذا التاريخ يمثل مزيجًا فريدًا من التأثيرات التي جعلت سوريا متميزة في فنونها، حرفها، وعمارتها. عندما ننظر إلى التراث الفني والحرف التقليدية في سوريا، نجد فيها تاريخًا مشتركًا يعكس التنوع والجمال الذي يوحدنا كسوريين.
إعادة إحياء وتطوير هذه الفنون هو طريق لاستعادة هويتنا الوطنية وتعزيز الانتماء الجماعي. من خلال الفن والحرف، نستطيع بناء جسور بين الماضي والحاضر، وربط الأجيال الجديدة بتاريخهم بطريقة تجعلهم يشعرون بالفخر والانتماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق