ثمّة من يعمل - في ذروة مأساة غزة - على "صناعة" متسبّبين بهذه المأساة


 كتب ربيع بركات*

ثمّة من يعمل - في ذروة مأساة غزة - على "صناعة" متسبّبين بهذه المأساة، ليحلّوا محلّ المتسبّبين الفعليين. وهذا الأمر ليس جديدًا. هذه "صناعة" عمرها عقود.
بعضها ناجم عن إحباط أو شعور بقلّة الجدوى، لكنّ الأصل فيها ناجم عن رغبة بالتوظيف السياسي: كيف يمكن توظيف المأساة لتصفية الحسابات مع طرف خصم، طالما أن المتسبّب (الحقيقي) ليس بمتناول اليد، أو بما أنه خارج حسابات الخصومة أصلًا؟
مقياس الحق (والعقل) هنا واضح: الفاعل المتسبّب بالمأساة، الذي سيعود لفِعله كلما استدعت "الضرورة" أو سنحت الفرصة، هو كيان استعماري توسعي فاشي؛ إسرائيل.
يمكن للمرء أن ينتقد القوى التي تدفع ثمنًا (بالأحرى، برغم أنها تدفع ثمنًا) في صراعها مع إسرائيل على ألفِ أمر. لكنّ إحلالها مكان الكيان الفاشي في تحمّل المسؤولية عن المأساة هو اصطفاف موضوعي مع هذا الكيان.
لن تُحَلّ المشكلة في المنطقة بزوال "الإسلام السياسي"، ولا برحيل الـ"مغامرين" كما يحبّ من يوظّفون المأساة لتصفية الحسابات تصويرَ الأمر.
ما دامت إسرائيل موجودة، ستولد حركات مقاومة وأشكال من ردود الفعل جيلًا بعد جيل. أعجبنا ذلك أم لم يعجب. وبعض هذه الحركات سيكون بطوليًا، وربما مغامرًا، وبعضها طفوليًا، وبعضها سيسيء الحسابات، وبعضها سيكون بالضد من نمط حياة بعضنا، بل بينها ما قد يتناقض مع الصالح العام للمنطقة وأهلها.
لكنّنا لن نصل إلى حلّ ختامي للحروب الإقليمية مع إسرائيل والحروب الوطنية/المحلية المتفرّعة عنها طالما أن هذه الدولة موجودة (من دون أن ينفي هذا وجود مشكلات بنيوية كثيرة أخرى في العالم العربي ومحيطه). وهذا ليس كلامًا "أيديولوجيًا".
لا حُلّت مشكلات الإقليم برحيل الأنظمة القوميّة، ولا باختفاء اليسار الثوري عن ساحة الفعل، ولا بمسارات "التسوية السلمية" مع إسرائيل، ولا بإرهاصات "الربيع العربي"، ولن تُحلّ برحيل "محور المقاومة والممانعة". بل لن تُحلّ بتصفية القضيّة الفلسطينية ذاتها.
السؤال حيال مؤسسات دولة فاشية استعمارية ليس "ما (المشكلة)؟"، بل "كيف (تُزال)؟".
*ربيع بركات: أستاذ محاضر في كلية الإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت وفي العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية.
**الصورة من العرض العسكري لفصائل الم. قا و.. مة الفلسطينيّّة في شارع اليرموك بدمشق ظهر اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق