مرّ آذار، شهر التحولات السورية،
كثيرة هي الأحداث المفصلية في التاريخ السياسي للدولة الوطنية رغم حداثة عهدها في سورية، حيث أنها ساهمت على امتداد قرن من الزمن في تشكيل هذا الكيان السياسي وتغيير ملامحه الداخلية، وفيما تشترك فيه أن الكثير منها جرى في شهر آذار كما في العام 1920 حين أُعلِنَ الاستقلال الأول عن العثمانيين وليتوِّجَ على إثره المؤتمر السوري العام فيصل ملكاً على عرش سورية.
بعد أن حققت البلاد استقلالها الثاني عن الفرنسيين عام 1946 لم يلبث عمل النخب السياسية المدنية على بناء الجمهورية الوليدة أن يبدأ حتى اختار رئيس الأركان حسني الزعيم شهر آذار ليدشّن سلسلة من الانقلابات العسكرية استمرت في الفترة ما بين 1949 وحتى 1955، إذ يشكّل هذا الحدث علامة فارقة لكونه منح الجيش دوراً رئيساً في الحياة السياسية السورية لحوالي ثلاثة عقود، كما تشير العديد من المصادر التاريخية إلى أنه كان الشكل الأول للتدخل العسكري لغرض السيطرة على السلطة السياسية على صعيد دول الشرق الأوسط.
لقد شكل الصراع السلطوي بين المدنيين والعسكريين وتدخلات كليهما في شؤون الآخر والأعباء الناجمة عن ذلك سمة الحياة السياسية السورية لفترة ليست بقليلة، وذلك ما خشي منه حتى شخص بحجم جمال عبد الناصر الذي أصدر في آذار 1958 قراره بحل الأحزاب السياسية في سورية وهو الشرط المسبق الذي فرضه لقبول الوحدة مع السوريين، لتدخل البلاد في حالة من العطالة السياسية.
أما بعد الانفصال عن مصر في 1961 قام الجناحان المدني والعسكري في الحزب مع شركاء آخرين بالسيطرة على السلطة في الثامن من آذار 1963 لتبدأ مع هذه الحركة أطول مرحلة حكم لحزب سياسي في سورية والتي استمرت دستورياً حتى 2012 وواقعياً حتى هذه اللحظة.
في آذار 2011 تحرك الصدع السياسي في سورية مجدداً لتدخل البلاد على إثره في صراع هو الأعنف على جميع الأصعدة منذ قرن وارتداداته ستترك بصماتها لعقود قادمة، وفي آذار الحالي يوغِل هذا الجنون في تدمير المزيد من كل شيء للسنة الرابعة عشر توالياً في انتظار آذار ما أو غيره من أشهرِ سنةٍ مُنتَظَرة يتوقف فيها عداد الدمار والدم عن تسجيل المزيد من الضحايا.
عبد الله الجدعان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق