دور مؤسسة الرئاسة في عملية صنع القرار في سورية


 


دراسة من اعداد د. شاهر الشاهر مضى عقد على نشرها تناقش دور مؤسسة الرئاسة في عملية صنع القرار في سورية، نُعيد نشرها في محاولة لفهم سياق إلغاء وزارة شؤون الرئاسة واستعادة الأمانة العامة للجمهورية مؤخراً
من تشخيص السلطة.... إلى تأسيس السلطة....
دور مؤسسة الرئاسة في عملية صنع القرار
د. شاهر إسماعيل الشاهر
الملخص:
تشخيص السلطة يعني تركيز السلطة في شخص واحد وتلخصها عبارة لويس الرابع عشر "أنا الدولة والدولة أنا". أما تأسيس السلطة فيعني اسناد الوظائف المختلفة للدولة إلى مؤسسات متخصصة. وهناك فرق بين تشخيص السلطة والسلطة الشخصية، فالسلطة الشخصية حيث يكون هناك شخص واحد يحكم ويركز كل السلطات وكل خصائص السيادة بين يديه، فيسيطر على كل محركات جهاز الدولة. أما تشخيص السلطة فهو لا يتعلق بمجال المؤسسات وإنما يتعلق بالسيكولوجية الاجتماعية إذ نجد شخصاً واحداً يعتبر رمزاً وتجسيداً للأمة تجد الجماعة نفسها فيه.
وتشكل مؤسسة الرئاسة ركيزة أساسية في عملية صنع القرار في الجمهورية العربية السورية. فعلى مدى العقود الماضية، كان نموذج القائد النخبة هو الأصلح للاقتراب من عملية صنع القرار في سورية، بحيث بات الرئيس هو الفاعل الجوهري في صوغ رؤى وتوجهات السياسة السورية. ويذهب ودرو ولسون قائلاً: "إن منصب الرئيس يعتمد على الشخص ذاته، فإذا كان شخصاً كبيراً وذا سلطة كان المنصب كبيراً وذا سلطة". ويرى إيال زاسر أن سورية لا تحكم إلا بنظام ذي قبضة قوية، لأن كل دول العالم الثالث لا تحكم إلا بنظام قوى وليس بذي قبضة وفقاً للصورة النمطية التي يُراد استعادتها. إلا أن النظام في سورية ليس ضعيفاً فهو قوي فعلياً بدليل الأحداث الأخيرة وطريقة التعامل معها.
صحيح أن الدولة السورية مرت بالعديد من التحولات في السنوات الماضية (لاسيما بعد عام 2000)، واليوم تشهد سورية أول انتخابات تعددية في تاريخها، يخوضها إلى جانب الرئيس بشار الأسد، كل من البرلماني ماهر حجار والوزير السابق حسان النوري. وثمة تحليلات تذهب إلى القول إن دور مؤسسة الرئاسة في صنع القرار في سورية سوف يتراجع لمصلحة فاعلين جدد، بيد أن المشهد السياسي الراهن يرجح استمرارية نموذج "القائد (الرئيس) " في مجال عملية صنع القرار السياسي في سورية.
وهنا نشير إلى أن ظاهرة تشخيص السلطة لا تتعارض مع الديمقراطية فإذا كانت الأنظمة الملكية تعتمد على شخصية ولي العهد، فمن الطبيعي أن يكون صعود الزعماء في الأنظمة الديموقراطية معتمداً على شعبيتهم وعلى صفاتهم الشخصية وعلى خصائصهم أي أن الديموقراطية لا يتنافي مع تشخيص السلطة.
مقدمة:
رغم الأهمية التي تحظى بها سورية، وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها على صعيد سياستها الخارجية، إلا أننا نجد أن الدراسات الأكاديمية المتخصصة في السياسة السورية تكاد تكون نادرة؛ مقارنة بغيرها من دول الجوار، كلبنان والأردن مثلاً، وهذا بحد ذاته ضعف يقع تجاوزه على عاتق المثقفين والأكاديميين السوريين.
ومن المفارقات أنّ عدد الدراسات الإسرائيلية والأجنبية التي تتناول السياسة السورية يفوق بكثير عدد الدراسات المحلية والعربية، ما يجعل الباحث يلجأ إلى هذه الدراسات على الرغم من توجسه وحذره الشديدين. وعلى الرغم من جدية هذه الدراسات واستمرار صلاحيتها البحثية، فإنها بدت متمسكة بالمدرسة السلوكية في تفسير آلية صنع القرار في سورية، فتحليل سلوك الرئيس وصفاته الشخصية هي وحدها القادرة على الأقل على تفسير أو تقديم إجابات للمعضلات السياسية والاقتصادية التي واجهها. إلا أنّ هذه الدراسات تحتوي على العديد من المغالطات العلمية، منها ما هو مقصود، ومنها ما ينم عن جهل بطبيعة المجتمع والدولة في سورية.
إنّ معظم الدراسات التي كتبت عن فترة الرئيس بشار الأسد كان همها التركيز على نظرته للأمور ومدى قدرته على الإمساك بزمام السلطة. وبالتالي أعادت قراءة القرار السياسي السوري وفق منطق النظرية السلوكية ذاته، على اعتبار أنّ بنية النظام السوري وقواعده بقيت ذاتها رغم اختلاف وجوهها.
وعلى الرغم من أنّ ثبات سورية على مبادئها ودفاعها عن المصالح الوطنية والقومية أضحى تقليداً وعنواناً أساسياً لهذا البلد. إلا أنّ ما شهده العقد الأخير من ظروف وتطورات نوعية وجديدة على الساحة الإقليمية والدولية، جعلت من ثباتها على مواقفها شيئاً أشبه بالمعجزة، أي أنّه أخذ شكل التحول النوعي، أو التطور النوعي.
لقد أكّدت سورية قدرتها على الذهاب حتى النهاية عند اشتداد الضغوط والتهديدات، ما جعل قوى الهيمنة تشعر بقوة الموقف السوري وثباته وتتراجع أمام هذا الموقف.
الثقل التاريخي لسورية
يلعب الثقل التاريخي دوراً مهماً في حياة الدول الحاضرة، ففضلاً عن كونه وعاء وعيها وحضارتها، فإنه يعطيها بمفرداته المختلفة ميزات نسبية تفرقها عن باقي الدول، علاوة على أنه يزوّد شعبها بموروث عقائدي من نمط معين يسيطر على سيرورة توجهاتها، وبالتالي فإنه يترك آثاره في إدراكات صانعي القرار في هذه الدول، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بموجهات محددة كإعادة بعث حضارة معينة، أو استرجاع «حدد» تاريخية للوطن المأمول، وغير ذلك من الموجهات، كما تلعب الموجهات الحضارية دوراً مهماً في تشكيل قرار السياسة الخارجية، فالصورة التي يكوّنها الشعب عن ماضيه هي مرجعه الوحيد في مواجهة المستقبل، فذاكرة الشعب هي المحك الحقيقي لمختلف سياساته، وعليه فإن تحليل مفهوم خبرة الشعب التاريخية تقود لمعرفة بناء الإطار الاستراتيجي لدولته، وعلى ذلك، فإن الثقل التاريخي ببعده الحضاري المميز والإشباع القومي التاريخي، مارس فعله في حياة سورية والسوريين، وعزّز من مكانة سورية، وأثرى النسق العقائدي لصانعي
القرار السياسي فيها.
النظام السياسي وعملية صنع القرار
يعد الإطار السياسي السوري نتاجاً للبيئة الخارجية إلى حد بعيد. فهو نتاج لحزب قومي وجيش ثوري بسبب الصراع مع إسرائيل. ولقد تطور هذا الإطار ليجعل من سورية دولة تتركز القوة فيها عند قمتها، وتهيمن عليها رئاسة قوية تستند إلى ثلاثة أعمدة مؤسسية رئيسة هي حزب البعث والمؤسسة العسكرية والبيروقراطية الوزارية. ويشكل قادة هذه المؤسسات النخبة التي يقودها الرئيس – صانع القرار الرئيس – ويستشيرها في عملية صنع القرار.
وصنع القرار في حقيقته، عبارة عن اختيار بين مجموعة بدائل مطروحة لحلّ مشكلة ما, أو أزمة, أو تسيير عمل معين. ولذلك فإننا في حياتنا العملية نكاد نتخذ يومياً مجموعة من القرارات بعضها نتنبها وندرسها، وبعضها الآخر يخرج عشوائياً من غير دراسة.
ويتم تقسيم القرار السياسي الى نوعين:
أولاً: القرار السياسي المتعلق بالوضع المحلي: وهو ماتتخذه الحكومات في داخل حدودها الدولية بما تتمتع به من حقوق كونها دولة ذات سيادة لها الحق في التصرف وفق القانون بما يحقق مصلحة المواطن والوطن دون أن يشاركها أحد في عملية صنع القرار ودون أن يكون صدور القرار نتيجة ضغط داخلي أو خارجي من جهات غير الحكومة.
ثانياً: القرارات الخارجية والمتعلقة بالسياسة الدولية وعلاقة الدولة بالدول الاقليمية ودول العالم، وهو الأخطر، لما يترتب عليه من ارتباط بالعالم الخارجي، وما قد تنعكس سلبياته على العملية السياسية في الداخل، فيقصد به تحويل الهدف العام للدولة إلى قرار محدد. ومن هذه القرارات قرارات التحالفات الاستراتيجية التي تحقق لهذه الدولة وللدول المتحالفة معها منفعة متبادلة (سياسية أو اقتصادية أو أمنية)، وتبنى هذه التحالفات بناء على عوامل داخلية وعوامل الخارجية.
أما إذا كان القرار له سمة أمنية أو عسكرية، فقد ينخفض دور وزير الخارجية، وهنا أيضاً يكون للرئيس، بحكم كونه القائد العام للجيش والقوات المسلحة ولبعض المؤسسات المعاونة كرئاسة هيئة الأركان العامة ووزارة الدفاع وأجهزة المخابرات، الدور الأكبر في ذلك. إلا أنه على الرغم من ذلك، فإنّ وزير الخارجية يأتي على درجة كبيرة من الأهمية، لأنه يشارك في رسم السياسة الخارجية بصفة عامة، ويتولى تنفيذها بنفسه أو بوساطة موظفي وزارته ومبعوثيها الدبلوماسيين. ويمكن القول، إن وزير الخارجية كان يؤدي دور المعاون الأول لرئيس الجمهورية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.
ولم يكن يملك المبادرة في شؤون السياسة الخارجية إلا في حدود توجيهات الرئيس. وإنَّ إدارة الرئيس الكاملة للسياسة الخارجية لابد أن تشارك فيها البيروقراطيات الرئيسة، أي الأجهزة الرسمية، ومن ثم فإن مهارة الرئيس تتلخص في قدرته على السيطرة على مدخلات وحركة مخرجات عمل تلك الأجهزة .
هياكل صنع القرار السياسي في الجمهورية العربية السورية
ينصرف مفهوم الهياكل والمؤسسات في أدب العلاقات الدولية إلى تلك الأجهزة التي تشارك وتؤثر في صياغة السياسة الخارجية وصنعها، إلا أنّ نوعيتها تتأثر تبعاً لنوعية وإمكانية الدول وطبيعة نظامها السياسي، ومن ثمّ فإنها تختلف في الدول الأوتوقراطية عن مثيلاتها في الدول الديمقراطية، إذ تتخذ في الأولى النمط المركزي، بينما تتخذ في الثانية النمط اللا مركزي.
إنّ دراسة عملية صنع القرار داخل نظام سياسي ما، تكشف حدود دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في الحياة السياسية والاقتصادية للمجتمع، ومدى فاعلية هذه المؤسسات على الرغم من وجودها دستورياً وقانونياً، وهو ما لا تكشفه لنا الدراسات السياسية المقارنة أو الامبريقية، وتظهر أيضاً مدى استقرار هذه المؤسسات وقدرتها على الاستجابة للأزمات الداخلية والخارجية بحيث يتم استيعابها وحلها ضمن أطرها القانونية وبأقل الخسائر السياسية والاقتصادية الممكنة.
إلا أنّ عملية صنع القرار السياسي لا تأتي بصورة فجائية أو طارئة أو بصورة عبثية، بل تأتي بشكل منظم ومدروس، لأنها بالضرورة تحتاج إلى تراكم خبرة ودراية وجهد مماثلين من الدراسة المعمّقة لأوضاع معينة تدفع الجهة المعنية لاتخاذ القرار نحو ما تصبو إليه الحاجة.
كما أنّ دراسة عملية صنع القرار تعطي مؤشراً توجيهياً ذا دلالة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والإطار الذي تعمل فيه تلك السياسة من منظور علاقاتها مع دول الجوار ثم علاقاتها الإقليمية والدولية. كما تتداخل عملية صنع القرار مع دور النخب الفكرية والسياسية والعسكرية وتكوينها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتتداخل كل هذه العوامل مع خياراتها السياسية والاقتصادية التي تعمل عليها وتطبقها.
وتشكل القرارات التي تعمل على أساسها الدول بشكل عام، الروح الحركية والتفاعلية التي تنظم من خلالها مسيرة الحياة في الداخل، أو في علاقات تلك الدول مع العالم الخارجي، ولذلك، فإن خطورة وأهمية صناعة ذلك القرار تكون كبيرة لما قد يتسبب به من فوضى في حال لم يؤسس على قواعد علمية وعملية قوية، وهنا لا بدّ من التأكيدعلى ضرورة الاعتناء بالقرار قبل إصداره، لأنه يمثل مكانة الدولة ومنزلتها، ويدلل على تحضر ورقي تلك الدولة، في تعاملاتها وعلاقاتها مع بقية دول العالم، حيث أن هنالك ارتباط بين العديد من القرارات الداخلية بالعالم الخارجي.
لذا فقد برز الاهتمام من قبل معظم دول العالم وحكوماتها بصناعة القرارات انطلاقاً من تلك الأهمية البالغة.
مؤسسة الرئاسة وعملية صنع القرار
النظام الرئاسي يؤدي بالضرورة إلى تشخيص السلطة، فالنظام الأمريكي عاش في ظل تشخيص السلطة، كما أن النظام البريطاني يسمح للقادة بلعب دور أساسي في الحياة السياسية بسبب هيكل الأحزاب السياسية.
تتركز صناعة القرار السياسي في الجمهورية العربية السورية في مكتب رئيس الجمهورية وكبار مساعديه من نخبة صناعة القرار. ويهتم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بالإدارة الروتينية والسياسة الاقتصادية، ولكن القضايا الحساسة مثل الشؤون الخارجية والدفاع فهي في دائرة سلطة الرئيس حصراً.
وبمعنى من المعاني فإنّ رؤساء الوزراء إضافة للوزراء كلٌ في مجال اختصاصه يعدّون بمثابة مساعدين «رسميين» لرئيس الجمهورية، ولاسيما أنّ مجلس الوزراء يشترك مع رئيس الجمهورية في وضع السياسة العامة للدولة وتنفيذها، وطبعاً تبقى سلطة البت النهائي فيها من حق رئيس الجمهورية.
تعد السلطة التنفيذية القوة الأكثر نفوذاً في ميدان صنع القرار السياسي. فالسلطات الأخرى لا تمارس إلا دوراً رقابياً على دور السلطة التنفيذية فيما يتعلق بصنع السياسة الخارجية، وينبع ذلك من اعتبارات تقليدية عدة، وأخرى معاصرة. فطبيعة السياسة الخارجية المتسمة بحالة عدم اليقين وسرعة التغير تنحو بالنظم السياسية إلى إعطاء السلطة التنفيذية دوراً مركزياً في صنع تلك السياسة لمواجهة الأزمات الدولية والظروف المتغيرة للعلاقات الدولية.
ومما يساعد على ذلك تفرغ السلطة التنفيذية واتصافها بالوحدة التنظيمية وامتلاكها المعلومات عن المشكلات الدولية. كذلك فقد طرأت مستجدات تطور تكنولوجيا الاتصال، مما مكن السلطة التنفيذية من سرعة التعامل مع قضايا السياسة الخارجية على حساب الدور الذي يمكن أن تمارسه المؤسسات الأخرى.
وليس هناك دور مباشر لمجلس الوزراء في القرار الخارجي، فهو غالباً يأخذ علماً بالتطورات السياسية الخارجية للبلد من خلال عرض وزير الخارجية في اجتماعات المجلس وقد يقوم بالعرض أحياناً رئيس المجلس نفسه، وعموماً لم يتخذ مجلس الوزراء أي قرار فيما يخص السياسة الخارجية إلا من جانبها التنفيذي الإجرائي، ومن هذا القبيل اتخاذه القرارات بشأن «إنشاء العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وتعديل أوضاعها وإحداث البعثات الدبلوماسية والقنصلية... بناء على اقتراح وزير الخارجية»( )، وبالتالي لم يكن للمجلس مبادرات خاصة في صنع قرار السياسة الخارجية أو المشاركة في صنعه، لكن من جانب آخر كان هناك دور للمجلس في مناقشة العلاقات الاقتصادية الخارجية لسورية واتفاقيات التعاون الاقتصادية مع الدول الأجنبية وكان يتخذ قرارات فعلية في هذا الشأن.
إن تشخيص السلطة يتبلور في مجموعة من الظواهر، وهي:
1- تحتل السلطة التنفيذية مكاناً تتزايد أهميته بالنسبة للسلطات الأخرى، أي أن التشخيص يكون مصحوباً بقوة السلطة التنفيذية.
2- تتركز السلطة التنفيذية بشكل متزايد في شخص رئيس السلطة التنفيذية.
3- من المتصور أن يقرر الرئيس بمفرده وأن تكون قراراته قليلة ونادرة، ولكن التشخيص يعني أن رئيس السلطة التنفيذية يتصرف كثيراً ويتخذ العديد من القرارات، ويترك بصماته على كل قطاعات الحياة السياسية، ويبدو مسيطراً على جميع المجالات.
4- يمكث رئيس السلطة التنفيذية في السلطة مدة طويلة مما يؤدي إلى ثبات استقرار السلطة.
أولاً: رئاسة الدولة
بداية، يجب التمييز في صناعة القرار بين ثلاثة مفاهيم متداخلة تتعلق بمؤسسة الرئاسة ودورها في صنع قرار السياسة الخارجية السورية، فالمفهوم الأول لمؤسسة الرئاسة قد ينصرف إلى كونها أعلى مراتب السلطة التنفيذية، وفي هذه الحالة فإن المقصود بالدور هو رئيس الجمهورية بصلاحياته ومهامه الدستورية. ويتباين تأثير رئيس الدولة في السياسة الخارجية تبعاً لطبيعة الصلاحيات الدستورية الممنوحة له، فضلاً عن مدى اهتمامه الذاتي بالسياسة الخارجية وقوة فكره وشخصيته وأثرها في القضايا الخارجية التي تهم دولته.
والمفهوم الثاني لمؤسسة الرئاسة ينصرف إلى كونها جهازاً قائماً بحد ذاته، موضوعياً وإدارياً، لينهض بمهام رئاسة الجمهورية كجهاز مساعد لرئيس الجمهورية في أدائه صلاحياته ومهامه، أما المفهوم الثالث فيتعلق بما يدعى بالمجموعة الرئاسية والتي تمثل نخبة محددة تساهم بقوة في صناعة القرار السياسي، سواء الداخلي أم الخارجي، وفي صدد الأخير عادة ما يدخل في عداد المجموعة بشكل أساسي نائب الرئيس المختص ووزير الخارجية والمستشارون، ولاسيما منهم المستشار السياسي في رئاسة الجمهورية، ورئيس هيئة أركان الجيش، وقادة عسكريون وأمنيون حسب حال موضوع القرار. ويمكن أن تتسع المجموعة الرئاسية أو تضيق حسب الحدث والقرار.
ومن محاذير تشخيص السلطة في مجال صنع القرار السياسي، أن العلاقة بين الزعيم، الذي يشخص السلطة، وبين شعبه ليست علاقة تبادل رأي، وإنما علاقة معلم يلقن تلاميذه ولا يقبل المناقشة، وبذا يعجز المجتمع عن التحريك وتصبح الأمة غير قادرة على تحمل المسئوليات. كما يترتب على تشخيص السلطة أن تصبح العواطف هي الحكم على الأمور ولا تتمكن الجماهير من تحكيم عقلها في المسائل القومية نتيجة لردود الفعل العاطفية التي يتركها الزعيم الذي يشخص السلطة.
وتعد مؤسسة الرئاسة أحد أهم هياكل صنع القرار في سورية، ويتألف جهاز رئاسة الجمهورية من:
1- المستشارون، 2- مكاتب رئيس الجمهورية، 3- الأمانة العامة، 4- الحرس الجمهوري.
وتتألف مكاتب رئيس الجمهورية من:
1- المكتب الخاص، 2- المكتب الصحفي،3- مكتب المعلومات، 4- مكتب الاتصال الحزبي، 5- مكتب الدراسات العامة، 6- مكتب الترجمة، 7- المكتب الاقتصادي.
وتتألف الأمانة العامة من:
1- مكتب الأمين العام، 2- مديرية الشؤون الإدارية،3- مديرية المراسم، 4- مديرية الشؤون القانونية، 5- مديرية المحاسبة، 6- مديرية مكتب الشكاوى، 6- دائرة الأرشيف والمكتبة.
وتتحدد مهام المستشارين بما يلي:
1- إبداء الرأي والمشورة في الأمور التي يطلب منهم دراستها.
2- إعداد الدراسات حول الأمور المتصلة باختصاصهم.
3- تلخيص وتحليل الكتب الهامة الصادرة باللغة العربية واللغات الأجنبية.
4- القيام بالمهام الأخرى التي يكلفهم بها رئيس الجمهورية.
وقد اختار الرئيس حافظ الأسد الدبلوماسي أديب الداوودي مستشاراً سياسياً في عام 1974. وقد بقي في هذا المنصب إلى عام 1981. وقام خلالها بإنجاز العديد من المهام ونقل الرسائل إلى العديد من قادة العالم، ورافق الرئيس الأسد في أكثر رحلاته الخارجية وأبدى المشورة في ما طلب منه في شؤون السياسة الخارجية في تلك الحقبة الحافلة بالأحداث التي مرّت بها المنطقة.
وأنشئ في عام 1996 ضمن مكاتب رئيس الجمهورية مكتبٌ مختص للشؤون السياسية، وأسندت إدارته إلى الدكتور رياض نعسان آغا الذي استمر أربعة أعوام، من إنشاء المكتب وإلى العام 2000. ثم جاء بعده الدكتور هيثم سطايحي قبل أن ينتخب عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في المؤتمر القطري العاشر 2005.
وقد أعيدت هيكلة مؤسسة رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس حافظ الأسد، وهدف صك إحداثها إلى «تنظيم جهاز رئاسة الجمهورية وتحديد اختصاصاته وصلاحياته وملاكه العدد [وجميع] الشؤون المالية وحقوق العاملين فيه»، وحسب المرسوم التشريعي رقم 9 لعام 1971 يصدر ذلك بقرار من رئيس الجمهورية، والذي جاء في أسبابه الموجبة أنه «بالنظر للمهمات الملقاة على عاتق رئاسة الجمهورية، ونظراً لارتباط جهازها برئيس الجمهورية مباشرة وهو أعلى سلطة في الدولة، ولما يجب أن يتوفر في هذا الجهاز من الكفاءة والانضباط والعمل المتواصل والسرية في العمل [كان الرأي] أن يصدر كل ما يتعلق بهذا الجهاز بقرار من رئيس الجمهورية».
ولقد أصدر الرئيس حافظ الأسد القرارات الجمهورية 29 و30 لعام 1971 و62 لعام 1976 وتعديلاتها، حيث نصَّ الأول منها على تنظيم الأجهزة ومهامها، والثاني تطرق لتوزيع الوظائف، والثالث نظم صلاحيات وزير شؤون رئاسة الجمهورية.
يذكر أن القرار 29/1971 جاء محاكياً بشكل مطوّر للمرسوم التشريعي رقم 14 للعام 1966 الذي حدد ملاك الأمانة العامة لرئاسة الدولة واختصاصاتها، والذي وضع «تحت إمرة رئيس الدولة أمانة عامة تتألف من الأمين العام والأمين العام المساعد وهيئة المستشارين والمراقبين ومديرية المراسم والجهاز الإداري». وقد أحلَّ هذا المرسوم الأمانة العامة مكان وزارة شؤون الرئاسة التي عدّت جهازاً «لمجلس الرئاسة» بعد ثورة آذار 1963 والتي تشكلت من أجهزة الأمانة العامة والجهازين الفني (السياسي) والإداري.
ومن الجدير بالذكر أن جهاز رئاسة الجمهورية تشكل من عام 1971 إلى عام 1976 بوصفه أمانة عامة، ومنذ عام 1976 ضم التشكيل الوزاري وزارة لشؤون رئاسة الجمهورية، وأصبحت هي الواجهة الرسمية لهذا الجهاز. وقد توالى على هذه الوزارة كل من: أديب ملحم الموسى (1976-1980) وعبدالكريم عدي (1980-1984) ووهيب فاضل (1984-2000) وهيثم ضويحي (2000-2003) وغسان اللحام (2003-2009) ومنصور عزام (2009-......).
وكان الرئيس حافظ الأسد قد أنشأ «اللجنة السياسية» الدائمة التي تتبع لوزارة الخارجية وذلك عقب مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. وتضم اللجنة خبراء عسكريين سابقين ومستشارين قانونيين ودبلوماسيين. وبالتأكيد لم يكن للجنة القرار النهائي في صنع السياسة الخارجية، إذ جعلها الرئيس الأسد أشبه بالهيئة الاستشارية التي يطلب منها ترشيداً في صنع القرار، ولاسيما خلال المفاوضات.
دور المؤسسة العسكرية في عملية صنع القرار:
الرئيس هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وتلعب المؤسسة العسكرية دوراً فاعلاً في النظام السياسي السوري وتساهم في صنع القرار من خلال أجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات الخاصة بها، وبالتالي وضع التقديرات وصياغة البدائل لصانعي القرار، ولها دورها في وضع المبادئ العامة لسلوك الدولة الخارجي، من خلال مشاركتها في الاجراءات والترتيبات السلمية والأمنية مع الدول المجاورة عموماً، وفي مجال الصراع العربي- الإسرائيلي على وجه الخصوص مثل مشاركة المفاوضين العسكريين في المسار السوري– الإسرائيلي.
وتلعب المؤسسة العسكرية أيضاً دوراً فاعلاً في المجال الأمني الخارجي من خلال بلورة نظرية الأمن القومي، وبناء القوات العسكرية، وإعدادها للحرب، والمحافظة على درجة استعدادها للقيام بالمهام التي توكل إليها من قبل السلطة السياسية، فضلاً عن تأثيرها البارز في المجالين الاجتماعي والاقتصادي.
وقد يكون الجيش أكثر الفئات ذات المصالح تأثيراً في سورية، ويتسم بالتجانس الاجتماعي والتوحد حول القضايا والاتجاهات الوطنية. ومن أهم القضايا التي تتوحد وراءها المؤسسة العسكرية: توزيع الموازنة وتخصيصها بالحصة اللازمة للتطوير، وقضايا السلم والحرب الأخرى، ومع ذلك تظهر تباينات في الرأي في المؤسسة العسكرية حول بعض الخيارات السياسية، لكن ذلك يتم بشكل أساسي ضمن سياق تبادل الآراء في النظام السياسي.
وتعد مصالح المؤسسة العسكرية السورية ذات مدى كبير لأن «جذور الجيش تحتفظ بشعورها تجاه المهمة الاجتماعية». لذا فغالباً ما يتمالك المؤسسة العسكرية شعور قوي فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، في إطار تعدد وجهات النظر حول هذه القضايا، ومع ذلك يعدّ نفوذ الجيش بوصفه جماعة منفردة ذات مصالح أقل تأثيراً في القضايا الاجتماعية والاقتصادية من نفوذه في الأمور العسكرية.
ويذكر أن المؤسسة العسكرية في سورية، فضلاً عن كونها أداة للدفاع عن سورية وسيادتها، قد أسهمت في بناء الاقتصاد الوطني وكانت إحدى أدوات التحديث، وعدا الخبرات التي تقدمها لمنتسبيها فهي اتسمت بوجود العديد من المؤسسات والهيئات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي مثل مؤسسة الإسكان العسكري.
خاتمة:
إن تشخيص السلطة ليس ظاهرة استثنائية أو منحرفة، وإنما على العكس ظاهرة طبيعية نقابلها في جميع الأنظمة بل وأكثر من هذا يذهب هذا الرأي إلى القول بأن عدم تشخيص السلطة هو الذي يبدو غير طبيعي.
ومما تقدم يمكن القول أن الرئاسة لها الدور الأكبر في عملية صنع القرار السياسي، ولاسيما منصب الرئيس بفعل الصلاحيات الممنوحة له بموجب الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية.
وربما كان أحد أهم التحديات التي تواجه سورية في المرحلة القادمة هو كيفية تدعيم سياستها الخارجية بسياسة داخلية أكثر كفاءة، فسورية تعاني من ضعف مزمن في هذا المجال، فالحكومات المتعاقبة كانت تستنزف دوماً في الداخل النجاحات التي تتحقق في السياسة الخارجية، فأداء الحكومات في السنوات الأخيرة لم يشذ عن هذه القاعدة، وهذا يدل على خلل بنيوي في الأداء الحكومي لابد من معالجته بجدية.
فمساوئ تشخيص السلطة تكون محدودة إذا وجدت مؤسسات قوية، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا. أما عندما لا تكون المؤسسات قوية فإن تشخيص السلطة يؤدي بالضرورة إلى السلطة الشخصية وإلى تعثر الكثير من الواجبات الملقاة على عاتق الدولة وإلى عجز السلطة عن مواجهة مشاكل المجتمع بفاعلية.
د. شاهر الشاهر
المراجع:
أولاً: المراجع باللغة العربية
1- ايروين الصغير، والاس(1983)، أضواء على السياسة الخارجية الأمريكية في العالم، ترجمة: نور الدين الرازي، القاهرة: مؤسسة العرب.
2- برادوز، الفرد ب و م. شارب، جيرمي(2005)، سورية: الأوضاع السياسية والعلاقات مع الولايات المتحدة بعد الحرب العراقية، تقرير CRS للكونغرس، ترجمة: راتب شعبو، على الرابط: . www.tharwacommunity.org.
3- بركنس، دكستر(1992)، فلسفة السياسة الخارجية الأمريكية: دراسة وتحليل، تعريب: حسن عمر، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.
4- الحواتي، بركات موسى(1986)، دور الموجهات الحضارية في تشكيل قرار السياسة الخارجية، الدراسات الدبلوماسية، العدد3، الرياض.
5- الداوودي، رياض(2005)، أديب الداوودي في ذكراه مؤسس في الدبلوماسية السورية، موقع شام برس، تاريخ: 17/8/2005، على الرابط: http://www.champress.net
6- دكليريلر، روبرت وهاموك لان(1983)، آراء في الحكومة والسياسة الأمريكية، ترجمة: عامر توفيق، بغداد: دار المعارف.
7- ربيع، حامد(1978)، إطار الحركة السياسية في المجتمع الإسرائيلي، القاهرة: دار الفكر العربي.
8- الرمضاني، مازن إسماعيل(1991)، السياسة الخارجية (دراسة نظرية)، بغداد: مطبعة دار الحكمة.
9- رئاسة مجلس الوزراء: الدليل التنظيمي للدولة، دمشق: مديرية التنظيم والإدارة،1980.
10- زيادة، رضوان جودت(2005)، رؤيتان في السياسة الخارجية السورية، صحيفة النهار، بتاريخ: 24/3/2005.
11- زيادة، رضوان(2007)، صنع القرار والسياسة الخارجية في سورية، كراسات استراتيجية، العدد174، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، نيسان، على الرابط: http://acpss.shram.org.egh
12- السيد أحمد، جمال(2008)، تحليل السياسة الخارجية السورية 1970-2000، رسالة دكتوراه في العلاقات الدولية غير منشورة، جامعة حلب، كلية الاقتصاد.
13- سيل، باتريك(1987)، الأسد والصراع على الشرق الأوسط، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
14- الشاهر، شاهر(2009)، أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول 2001، دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب.
15- الشاهر، شاهر(2012)، السياسة الخارجية السورية (2000-2010) عقد التحديات الكبرى، دمشق: دار العراب.
16- الشرقاوي، سعاد(2007)، النظم السياسية في العالم المعاصر، القاهرة.
17- كيسنجر، هنري(1981)، درب السلام الصعب، ترجمة: علي مقلد، بيروت: الدار العالمية للطباعة والنشر.
18- مكالورين، ر. د. و مغيث الدين، محمد و واجنر،أبراهام(1982)، صياغة السياسة الخارجية في الشرق الأوسط؛ التأثيرات المحلية على السياسة في مصر والعراق وإسرائيل وسورية، ترجمة ونشر: قسم الدراسات في حركة فتح.
19- هنيبوش، ريمون(1994)، السياسة السورية الخارجية بين المثالية والواقعية، في كتاب: قرني، بهجت وهلال، علي الدين، السياسات الخارجية للدول العربية، القاهرة: مركز البحوث السياسية في جامعة القاهرة.
ثانياً: المراجع باللغة الانكليزية
1- Lloyd Jensen, Explaining Foreign Policy, (New Jersey: Prectic-Hall, 1982)
ثالثاً: المراسيم التشريعية
1- المرسوم التشريعي رقم 50 تاريخ 25/8/1964 المتضمن ملاك وزارة الخارجية وتعديلاته، دمشق: إدارة الشؤون الإدارية في وزارة الخارجية.
2- المرسوم التشريعي رقم 10 تاريخ 6/7/1964: الجريدة الرسمية، العدد 29، تاريخ 9/7/1963.
3- المرسوم التشريعي رقم 14 تاريخ 24/3/1966: الجريدة الرسمية، العدد 13، تاريخ 14/4/1996.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق