عشرة أشياء لتحفيز حيويّة وواقع وانتاج الثقافة في سورية!

 

عشرة أشياء لتحفيز حيويّة وواقع وانتاج الثقافة في سورية!
على الرغم من كلّ ما حدث خلال السنوات الماضية، إلا أنّ القطاع الثقافي والفنّي بقي حيّاً وحاضراً، ولا تخلو أي محافظة سوريّة اليوم من نشاطات ثقافية وفنّية يوميّة على اختلاف أنواعها وأهدافها وشرائحها المستهدفة. لكّن وفي زحمة ترتيب الأولويات الاقتصاديّة والاجتماعيّة ربّما فاتنا إيجاد بعض التفاصيل التي تساعد في تحسين وصول السوريين إلى ما يحيط بهم من أنشطة ثقافيّة ترتقي بالذائقة الفنيّة وتكون أكثر قرباً منّهم وتعبيراً عنّهم.
فيما يلي مجموعة من المقترحات المطروحة للنقاش، هي تخصّ الجهات الرسميّة الثقافيّة بالدرجة الأولى ولكنها تحتاج لعمل مشترك حقيقي بين مجموعة من الفواعل الثقافيّة من حولنا، وهذه الممارسات والأدوات ليست الخلطة السحريّة القادرة على تحفيز الواقع والإنتاج الثقافي والفنّي في سورية، لكنّها عوامل باتت ضروريّة وأساسيّة لنتمكّن بشكل أوضح من ترويج وتحفيز حيويّتنا الثقافيّة والفنيّة في سورية.
أولاً: إيجاد أجندة ثقافيّة سورية
على الرغم من عشرات الفعاليات الثقافيّة اليوميّة إلا ان الترويج لها مازال قاصراً، ففي غياب الصحافة الورقيّة وفي زحمة وسائل التواصل الاجتماعي، بات من المهم إيجاد موقع الكتروني شامل لكل ما يحدث من أنشطة فنيّة وثقافيّة في سورية تُنشر إعلاناتها قبل وقت مناسب ليتسنّى للجمهور معرفتها والاقبال على حضورها، من المهم أن يرتبط هذا الموقع بتطبيق على الهواتف الذكيّة وبصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي ومن المهم توفيره بلغات أجنبيّة، فالسياح يبحثون عن هذه التفاصيل ويهتمّون بها.
ثانياً: الحجز الالكتروني لحضور الفعاليات الفنيّة
من المُفرح مشاهدة السوريين وهم يقبلون بكثافة أحياناً على شراء التذاكر لبعض الحفلات الفنيّة، لكن من المحزن هذا الوقت الطويل الذي نحتاجه أحياناً والطوابير الطويلة وما يحصل من مشادات أحياناً، يجب توفير عدّة وسائل تمكّن الناس من الحصول على البطاقات وحجزها، ومن المهم توفير وسائل الدفع الالكتروني لها، لم يعد هذا ترفاً في ظل غلاء المواصلات بمقابل سهولة استخدام الدفع الالكتروني المحلّي.
ثالثاً: التشاركيّة في وضع البرامج الثقافيّة
لماذا لا يشارك الجمهور السوري بشكل حقيقي في وضع البرامج الشهرية والسنوية للمركز الثقافي في الحي الذي يعيش فيه؟ يمكن لكل مركز ثقافي دعوة سكان الأحياء المجاورة لسؤالهم عن اهتماماتهم الثقافيّة والفنيّة والاجتماعيّة، ومن الممكن أن تكون هذه اللقاءات لكل شريحة بشكل منفصل، فلماذا لا نسأل اليافعين عن الموضوعات التي يفضلون معرفة المزيد عنها ولماذا لا نسأل السيدات عن تفضيلاتهم في محتوى المحاضرات والندوات والحفلات وكذلك مختلف الشرائح من متقاعدين وأطفال وحتى. ذوي إعاقة!
رابعاً: اعتبار الجمهور شريكاً في الفعاليات الثقافيّة
كم من حفل أو فعاليّة ثقافيّة يمكن للجمهور تقييمها بشكل منظم بغية تحسينها؟ من المهم إيجاد أساليب وطرق تجعل الجمهور شريك حقيقي في تقييم ما يتعرّض له من أعمال فنيّة وعروض ثقافيّة وما يحضره من مهرجانات وحفلات وندوات ومحاضرات، إن هدف التقييم ليس محاصرة الإنتاج الثقافي بل الارتقاء به ودعمه وترويجه، ومع انتشار الأجهزة الذكية بات هذا ممكناً جداً وغير مكلف بل مجاني، إنه يحتاج لرمز يمكن مسحه عند بوابة الخروج والاجابة على بضع أسئلة واختيارات، وهذه أبسط الطرق.
خامساً: إعادة الاعتبار للمناطق الأثريّة
انتشار المناطق الأثريّة وكثرتها في سورية قد يحدّ من القدرة على حمايتها المستمرّة والاهتمام بها والاعتناء بنظافتها، لكنّ ذلك ممكن بأدوات بسيطة من خلال وضع بعض اللوحات الارشاديّة المثبتة مع رموز يمكن مسحها للوصول إلى المعلومات يمكن لهذا أن تكون بديلاً عن إيجاد موظفين متفرغين في كل موقع آثري، يمكن لنا أيضاً تسجيل جولات صوتيّة حيّة في تطبيقات الموسيقى، بحيث يتمّ تشغيلها من قبل الزوار عبر أجهزتهم عند الوصول للمواقع الاثرية بلغات متعددة، هذه آليّة غير مكلفة وتوفر جهود كبيرة ونجحت بالفعل في دول متعددة.
سادساً: تفعيل المساحات المحليّة الممكنة
علينا إعادة النظر في المساحات المتروكة في أحيائنا، من المهم التفكير في تحسين واقع الحدائق الصغيرة في الأحياء وإقامة الأنشطة الفنيّة المحليّة فيها في الهواء الطلق في الأيام الصيفيّة، لماذا لا نعمل على تشجيع المواهب المحليّة في الأحياء، يمكننا أن ندعو الأطفال لحصص نحت ورسم وتعلّم مفتوحة في هذه الحدائق، أيضاً مسابقات محليّة متعلقة بالمطبخ السوري والفنون والحرف والآداب والموسيقى، لماذا لا نستثمر باحات المدارس بعد انتهاء الدوام المدرسي في إقامة عروض سينمائيّة مفتوحة امام عائلات الحي نفسه!
سابعاً: هيكلة الأرشيف الثقافي السوري
قد يكون المقترح الأدق إيجاد هذا الأرشيف وتنظيمه، حتى اليوم الأرشيف الفنّي السوري مبعثر وضائع وهو في معظمه أرشيف شخصي معرّض للنسيان والتلف والاتجار به، من المهم إنشاء هذا الأرشيف وتنظيمه ضمن مؤسسة وطنيّة لإعادة ترميمه وإعادة انتاجه والإفادة منه في الترويج الثقافي وإعادة العرض والأبحاث العلميّة والأكاديميّة ولأغراض الأرشفة الوطنيّة، فلا يجوز أن تبقى النتاجات الثقافيّة السورية موجودة في وسائل التواصل الاجتماعي فقط فيما هي غائبة في المكتبات الوطنيّة.
ثامناً: استعادة المهرجانات المحليّة
من المهم استعادة الاهتمام بالمهرجانات المحليّة التي تناسب كل منطقة وتروّج لما تشتهر به، لقد كان لدينا عشرات المهرجانات المحليّة التي توقفت لظروف متعددة خلال سنوات الحرب القاسية وقبلها، ومن المهم استعادة هذه المهرجانات وإقامة مهرجانات جديدة، بحيث يكون لكلّ بلديّة في سورية مهرجان سنوي على الأقل تروّج فيه لما تشتهر به منطقتها او ما تزرعه أو تصنعه، ويمكن أن يكون لهذه المهرجانات عدّة أوجه فنيّة وثقافيّة واقتصاديّة، ففيها تشغيل للخبرات المحليّة وترويج للثقافة والفنون وتحقيق عوائد اقتصاديّة وسياحية.
تاسعاً: رسم الخارطة الثقافيّة الوطنيّة
رغم محاولات سابقة لإنجاز أجزاء من هذه الخارطة قبل الحرب إلا أنها بقيت مشروعاً مهماً يجب إعادة النظر فيه، يساعد تشكيل هذه الخارطة على فهم توزع الموارد الثقافيّة في سورية ومعلومات التواصل معها ومن خلال إيجاد هذه الخريطة يمكن التفكير بمشاريع ذكيّة لربط هذه الموارد وتعظيمها والترويج لها والاستثمار فيها، كما انها ستشكل فرصة كبيرة لتتبّع الواقع الثقافي والانتباه إلى التحديات التي تواجهه وبناء الاستراتيجيات والتدخلات الضروريّة لحمايته وصونه، اليوم مع التطور التقني إنجاز هذه الخريطة ممكن وضروري.
عاشراً: خلق تنافسيّة بين الفاعلين الثقافيين
ماتزال المسابقات الثقافيّة والفنيّة المحليّة غير مغرية لأهل الثقافة والفنون، ولهذا يحتفظون بنتاجاتهم للمشاركة في فرص اقليميّة ودوليّة، فتتسرّب هذه النتاجات نحو الخارج، علينا التفكير بحواضن ثقافيّة حقيقيّة وبمسابقات ذات جوائز قيّمة، وأهل الثقافة بحاجة دعم مشاريعهم بما يمكنهم من العيش والاستقرار لإذكاء الخيال وتنمية المواهب، علينا التفكير من جديد بالحفاظ على مثقّفينا في مختلف المجالات ودعمهم بشتّى الطرق وفي مقدمة ذلك ماديّاً من خلال إشراك القطاع الخاص وصناديق وطنيّة لدعم الابداع.
هذه العشر مقترحات ليست كلّ شيء ممكن، بل هي أشياء بات من الضروري العمل عليها بشكل جدّي من مختلف الفواعل الثقافيّة في سورية، علينا التفكير أننا نحمل رسالة حضاريّة علينا صونها ونشرها، مع التأكيد أنّ تنمية الثقافة في مجتمعنا ليس ترفاً بل هو مسار أساسي لعبورنا نحو المستقبل، والثقافة هنا بمعناها العمومي وليس بمعنى ثقافة النخبة البعيدة عن المجتمع نفسه.
Waseem Al Sakhleh وسيم السخلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق