حجرة، ورقة، تعليم بحُب!
أزور المكان، يبدأ الأمر بتلك الثقافة..واللغة تنقش حكاية على الجدار، صوت الشاي وهو يُسكب، وملعقتان، واحدة لإضافة السكر وواحدة لتحريكه!
اللغة!
وذاك التناغم الذي نراه ليس فقط في تعليمها بل في جعلها كأسلوب حياة، هُنا ترى ما كُتب من قصيدة البردة، ليس في كتاب فقط، بل قُربك، كأن يشرح المكان ذاته لك، كأنه يخاطبك:
"أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ...مزجتَ دمعاً جرى من مقلة ٍ بدمِ"
تقف..، طويلاً أو عميقاً...
لتسأل: كيف نرى اللغة في سورية اليوم؟ وهل نُعلم اللغة اليوم لتمد جسوراً بين الثقافات والمجتمعات؟ أم أننا نركض بين الصفحات لنقول أننا أنهينا مقرراً أو كتاباً؟! وقبل كل هذا، تسأل: هل ندعم المعلم ليفيض بهذا...بحُب، منه، إلينا؟ كأسلوب حياة؟
أوتعرف كيف تتذوق اللغة حين تقول لتاجر أو بائع: راعيني شوي إذا في مجال ومسامحة؟
ليجيب: بطلباتك أوامر أو أمر عيونك...براعيك!
أو أن تقول لتاجر دمشقي في القيمرية: اعملي سكرة..اشتريت كتير من عندك، بس بشرط تكون من قلبك.
ليبتسم بلُطف قائلاً: السكرة بسوق البزورية عنا... بس براعيك، ثم تنقل الثقافة في حلب إليه بأن: "اعملي سكرة" بمعنى المراعاة، ويراعيك بلُطف لأنك من حلب، ثم يحكي لك قصص عن قُرب التجار بين حلب ودمشق!
هل جربت أن تتذوق برفاه لغوي معنى أن يراعيك ليس في تخفيض السعر وحسب؟
هل جربت أن يخبرك معلمك بهذا؟
حين تصبح اللغة مما يلمس المواضع التي تُقربنا، مما يُعاش بجمال!
ومن دوائر المحلي إلى العالمي، أذكر جيداً كيف أشرقت عيون الطلاب بطريقة تثير الأمل والجمال، حين تناغم الحديث ضمن هذا السياق، بمثال عن كيف نقول "طلباتك أوامر" باللغة الإنكليزية:
"Your wish is my command."
بالمناسبة، وعند الوقوف على الجانب الثقافي، كان عدد كبير من التجار وأصحاب المحلات والفنادق القديمة يخبرونني أن معظمهم يتقنون اللغة الإنكليزية ولغات أخرى!
المحلات في الأسواق القديمة كانت مثل كون صغير في سورية، وفندق مثل فندق بارون في مدينة حلب، كان يجمع شرق الأرض ومغربها برفاه وحُب وجمال.
الآن، قف معي قليلاً لنتأمل هذا في مابعد المسميات، إنه الإلهام والانفتاح الذي نقل ثقافة المحلي للعالمي، والعالمي للمحلي، وكانت اللغة ركيزة أساسية في تكوينه!
ما أريده من هذه الأمثلة العملية هو أن نسأل كيف نعمل على دعم تعليم اللغات اليوم؟ كيف نرى في أساس الأمر من يعلمها أعني 'صورة المعلم' في عيوننا وروحنا؟ وهل ندعم المعلم بلُطف وكما يجب بالمساحة التي تُوهب له، كي يعيش ثقافة اللغات، ليأخذ بك، إليها، من لغتك الأم إلى العالم، مساحة يتذوق بها مواضع الجمال، ليلمسك بها، فليس من السهل أن تصبح وكأنك أكثر من أنت، ليس كواحد، في جسد واحد، بل كأنت، في طرائق وثقافات أخرى تشكل تفكيرك، بتأثير مختلف!
ومما لاشك فيه، أن هذه المساحة تبدأ من الوعي بأهمية تنمية الجانب الثقافي لمعلمي اللغات على وجه الخصوص، فما هي التدريبات والأنشطة الغير رسمية التي تُقدم للمعلمين لدعمهم ضمن هذا السياق؟ وهل لا زلنا في معظم الأمر نقف عند التعليم التفاعلي والتعليم التقليدي وننسى الجانب التوعوي بما يخص الثقافة وتنميتها وتضمينها في العملية التعليمية بشكل حقيقي؟ وما دور الجهات المعنية بمستوياتها المختلفة في دعم هذا الوعي ونشره عندما تُصمم أنشطتها وبرامجها التدريبية؟
وهنا، أيضاً علينا أن نقف عند إعادة تشكيل الوقت المحدد لوجود المعلم في الصفوف والقاعات ليستطيع أن يكون كما يريد أن يكون، واهباً لما يعرف...بحُب، بلا قيود.
هل تكفي الساعات المحددة في برامجنا التعليمية لعيش اللغة؟ هل هناك برامج أنشطة ورحلات وتدريبات تُعنى بتنمية الجانب اللغوي الثقافي للمتعلمين؟
وهل هناك وسائل داعمة ومُرضية وعملية تتناغم مع روح الإبداع لتنعكس تجليات جمال اللغات وإثارتها لشغفنا كمعلمين ومتعلمين؟ في زمن ما عاد تعلم اللغات مجرد رفاهية، بل سبيلاً للتحرر، للتلاقي، للتناغم، للتفكير، لإعادة التفكير...ولعيش التفاصيل بذائقة مختلفة!
يُقال أن: "الطالب مرآة أستاذه".
فهل ندعم المعلم...ليعكس جماله، ويثير محبتنا للغتنا، للغات العالم..أكثر؟
بحُب؟
(هذه التدوينات لمن يؤمن أنه لا يزال بإمكاننا أن نفعل شيئاً مهماً، مهما كان بسيطاً..بحُب، عوضاً عن أن نقف مكتوفي الأيدي)
الصورة: دار حلبيا، مدينة حلب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق