تساؤلات لرئيس الجامعة الافتراضيّة عن المدارس الافتراضيّة، كتب د. خليل عجمي:
التعليم الافتراضي.. من تعليم الصغار إلى التعليم العالي..
في عصر التحول الرقمي، لم تعد التكنولوجيا الرقمية هي الفيصل في التفريق بين أنماط التعليم التقليدي والافتراضي. فهذه التكنولوجيا باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. وإذا كان موضوعنا هو التعليم، فعلينا أن نتذكر بأن المدارس والجامعات التقليدية التي لا تمتلك اليوم في بنيتها مكونات التكنولوجيا الرقمية من حواسب ووسائل إيضاح ووصلات أنترنت وأدوات تعلم رقمية، ومحتوى رقمي، وغيرها، هي مدارس وجامعات أقرب لكتاتيب القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
إذاً ما الذي يجعلنا نقرر إنشاء جامعة افتراضية أو مدرسة افتراضية بدلاً من جامعة أو مدرسة تقليدية؟ (مع محاولة تسميتها ذكية لركوب موجة الذكاء الاصطناعي والإيحاء بأن أنظمتها "ذكية" رغم أنها لا تمت بصلة للتعريف العلمي للأنظمة الذكية).
الجواب باختصار، "الدور الوظيفي" الذي نرغب بإسناده لهذه المؤسسة التعليمية.
لتوضيح الأمر، عندما جرى إحداث الجامعة الافتراضية السورية (في زمن كان استخدام التكنولوجيا أمراً غير منتشر في التعليم)، لم تكن التكنولوجيا الرقمية هي هدف بحد ذاتها، وإنما كان الهدف وظيفياً تنموياً بجوانب متعددة مثل وصول التعليم إلى شرائح في المجتمع من الشبان والشابات لم تكن قادرة على الوصول للتعليم العالي بصيغته التقليدية لأسباب متعددة؛ والمساعدة في تأهيل كوادر فاتها قطار التأهيل التقليدي بسبب أعمارها المتقدمة، أو متواجدة في سوق العمل وغير قادرة على الالتزام بنظام تعليم تقليدي ومتطلبات التواجد المكاني فيها؛ ومساعدة ذوي الإعاقة في الحصول على تأهيل في أماكن سكنهم؛ وغيرها من الأدوار التي حددتها رؤية ورسالة الجامعة.
لذا لم تنشأ الجامعة الافتراضية كبديل للجامعات التقليدية وإنما كمكمل لها بوظائف محددة ودور واضح تركز حول التعلم مدى الحياة والتأهيل المستمر كحاجة تنموية يجب تبنيها ودعم مخرجاتها وجعلها مكافئة لمخرجات التعليم التقليدي ضمن ضوابط واضحة.
بالعودة إلى المدارس الافتراضية التي نراها تنتشر اليوم، نعيد تكرار السؤال: ما الدور الوظيفي الذي تم اسناده لها؟ هل هي مدارس موجهة للمغتربين أو اللاجئين السوريين لتعليمهم مناهجنا السورية؟ هل هي مدارس موجهة لأطفال من ذوي إعاقة أو ممن لا يمكنهم الانتقال من أماكن سكنهم إلى المدرسة؟ (وهي جميعها نواحٍ مهمة وحيوية ويمكن البناء عليها) أم هي مدارس يمكن أن تضم أي طفل من أي بيئة؟ في هذه الحالة، هل ينفع تربوياً أن يقوم طفل عادي لا يعاني من مشاكل مجتمعية أو صحية أو مادية، بمتابعة دراسته عن بعد دون الاختلاط بأقرانه؟ وهل يوافق المختصون التربويون على ذلك؟
في المحصلة، الدور الوظيفي الواضح هو الذي يحدد أهمية إحداث أي مؤسسة في أي قطاع وهو الذي يحمل بذور نجاحها، فما بالنا بقطاع حيوي كالتعليم؛ ومن المؤكد أن اعتماد نماذج تعليم حديثة يتطلب العمل المتمهل على سنوات قبل توليف النموذج واعتماده، وهو أمر مرت به الجامعة الافتراضية السورية خلال فترة لا تقل عن 5 سنوات قبل تطوير نموذجها التعليمي والبدء بتوليفه ضمن النموذج الحالي منذ عام 2007، وهو مازال قيد المراجعة والتطوير وسيبقى كذلك ليتلاءم مع الحاجات المستقبلية لمجتمعنا.
لذا من المهم أن يجري هذا العمل على مدارسنا الافتراضية وعلى نحوٍ متمهلٍ، فالمسألة في هذه الحالة تمس أعماراً أصغر وهي أعمارٌ أكثر حساسيةً وتأثراً بالمتغيرات.
خليل عجمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق