دوّن رامي حمادة عن جيل التسعينات والمستقبل وما نُربّي عليه أطفالنا: المستقبل مبنيٌ تماماّ على أحداث الحاضر.
يتوجس بعضنا اليوم هاجسٌ قويٌ ورغبةٌ في العيش ببيئةٍ أفضل، فيجد الواحد منا نفسه أمام اختيارين. إما أن يسافر أو أن يبقى هنا.
فالخيار الأول أن يترك بيئته المتعبة الحالية ويهاجر بحثاً عن بيئةٍ مستقرةٍ وجاهزةٍ لينسل فيها ويحاول الإندماج معها، ليجد نفسه لاحقاً كالعضو المزروع في جسدٍ آخر، حيث يؤدي عمله كاملاً لكنه بشكلٍ أو بآخر ليس مرتاحاً تماماً.
وإذا اختار البقاء، واحتمال قسوة هذه البلاد كما هي الآن، وإذا كان من أصحاب العزم، وجد نفسه أمام واجب السعي بأي شكلٍ تتيحه إمكانياته كي يقدم اليوم أشياءً لنفسه ولمحيطه، يمكنها أن تخلق مستقبلاً أفضل.
أنا هنا لا أتحدث فقط عن الإستثمار والمشاريع المحصورة بالمقتدرين مالياً، بل أتحدث عن الأشياء الصغيرة التي يمكننا زرعها اليوم في أنفسنا وفي أطفالنا على وجهٍ أكثر أهمية.
شئنا أم أبينا فإن ما يتربى عليه أطفالنا اليوم سيحدد وجه البلاد غداً، وإن القيم التي نغرسها اليوم فيهم هي التي ستشكل البيئة العامة لمجتمعنا القادم، وعليه فإن بناء عقول الأطفال والاهتمام باليافعين هو دورنا نحن وهو مسؤوليتنا الخالصة، لأن هذه العقول هي التي ستبني بمجملها وجه المستقبل.
ولعل المثال الذي يخطر في بالي الآن هو شيءٌ تمنيت لو أنني تعلمته بصدق منذ الطفولة، وهو فكرة أن أمارس الأشياء بحب، وأن أمارس الأشياء التي أحب، وأن أحب نفسي على ما هي عليه.
يعلم معظم أبناء جيل التسعينات أننا مررنا في فترةٍ سيطرت فيها على عقول الآباء والأمهات فكرة أن أبنائهم يجب أن يكبروا ليصبحوا أطباء ومهندسين وأن هذا هو معيار النجاح وما دونه يكون فشلاً إلا إن تمكن الإنسانُ بشكل ما من بناءِ ثروةٍ خاصة به فحينها سيعتبرونه ناجحا وسيغضون البصر عن شهادته.
وقد عانى معظم أبناء جيلي من نمط التفكير هذا، والذي لا يزال كثيرون يعتنقونه حتى اليوم للأسف، ظناً منهم أنهم يساعدون أبنائهم على بناء حياة أفضل، بينما يجهلون التداعياتٍ النفسيةٍ التي ستنتج عن إهمال مميزاتهم الخاصة وميولهم وهواياتهم ودفعهم نحو قالبٍ قد لا يناسبهم، مسببين سلسلةً من العقد النفسية المتراكمة كلما اتسعت الفجوة بين ما يمكنهم أن يكونوه وبين ما يريدهم المجتمع أن يكونوا عليه.
لفت نظري بين كل الأوروبيين الذين عاشرتهم أن جميع المهن تحظى باحترامٍ متقارب بين الناس إلى حدٍ ما.
صحيحٌ أن الطبيب لا تزال صورته لماعةً أينما ذهب، ولكن جميع الآخرين، جميعهم كانوا يحظون باحترام المجتمع طالما هم يعملون ويدفعون الضرائب ولا يعيشون على راتب المساعدة المجتمعية.
فإن مال الطفل في صغره الى هوايةٍ ما، دفعه والداه ليتعلمها ويمارسها ويبدع فيها ثم يساعدونه على تخطيط مستوى الدراسة الذي يتوافق مع هوايته ورغباته في الحياة، وهذا في حد ذاته يعزز شخصية الطفل أو اليافع ويساعده على بناء شخصية أكثر استقراراً وأميل للنجاح.
عدت إلى دمشق منذ عدة سنوات، وجربت شخصياً حينها أن أترك هندسة الميكانيك وأبدأ في دراسة الإعلام لأنني كنت قد فهمت أنني أحب الكتابة والتواصل مع الناس أكثر مما أحب حل التكاملات الثلاثية، ودراسة كفاءة محركات الاحتراق الداخلي، وقد كانت النتيجة انسجاماً بين عملي في إدارة العلاقات العامة ودراستي، وانعكس هذا بدوره على تعزيز استقرار شخصيتي بينما تحولت جلسات الدراسة المملة إلى وقتٍ خاصٍ أقضيه مستمتعاً بمطالعة مواضيع هامة تعجبني وتدخل في منهاجي الدراسي.
وخلاصةً لكل هذا الحديث فإننا اليوم نملك مفاتيح المستقبل، عبر اختيار الأفكار التي نعتنقها بأنفسنا وتلك التي نزرعها في أبنائنا، وإن كلّ واحدٍ منا يمكنه فعلُ شيءٍ ما، وأنه لا يمكن لشخص واحدٍ تغيير كل شيء، بل أن مسؤولية التغيير موزعةٌ علينا جميعاً كلٌ بحسب قدره وقوته.
Rami Hamadeh رامي حمادة
*الصورة لأحد جلسات دراسة مادة الأفلام الوثائقية في السنة الرابعة من كلية الإعلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق