تعرّفوا إلى سيرة أبي هاني في ميناء اللاذقية!
الدارس في المعهد النقابي بدمشق صلاح حسن أمهان من اللاذقية يكتب ما جمعه عن سيرة أبو هاني، الآتي:
أبو هاني:
اسمه: مصطفى قدسي. من مواليد اللاذقية حوالي 1880. وتوفي في الستينات أو في أواخر الخمسينات. في بداية حياته كان هو رجلاً بسيطاً، يسافر على ظهر المراكب الشراعية بصفة بحّار. ومع مرور الزمن اشترى مركباً شراعياً وبدأ يصارع أمواج البحر ومخاطره. في ذلك الوقت كان مرفأ اللاذقية عبارة عن خليج ترسو به المراكب الشراعية.
وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح أبو هاني يملك حوالي 3-4 مراكب. وكان أبو هاني يُعَدُّ من الشخصيات الكبيرة المعدودة في اللاذقية، ويُحسب له ألف حساب، وله الهيبة والكلمة المسموعة من قبل الآخرين، وكذلك له نفوذ وسلطة كبيرين.
المراكب التي أتى بها من الخارج، كان يتمّ تفريغها على "فلايك صغيرة لا تتجاوز حمولتها نصف طن، هذا كان في البداية. ومن خلال ممارسته للعمل خطرت له فكرة إنشاء "مواعين" كبيرة، وهذه المواعين كانت تُصنع من الخشب، ولذلك سميت بالمواعين الخشبية. وحسب ما رواه بعض العمال الذين عملوا عنده، بأن حمولة هذه المواعين في بداية الأمر كانت حوالي 5–10 طناً، ومنهم قال بحدود 40 طن.
وهناك أشخاص شاركوا أبو هاني وهم يعلمون بمقدرته وهذا ما شجعه على البدء في صناعة المواعين. لذلك أتى ببعض المعلمين المشهورين بمد السفن وصناعة المواعين من جزيرة إرواد، وأقدم على جلب الخشب من غابات اللاذقية، ومن هؤلاء المعلمين لمد السفن (صناعة السفن) هم حسن شاخ ومن بيت البعلوان.
وحققت التجربة النجاح الكامل، وأصبح عنده حوالي 40 ماعونة، وكذلك لديه بحدود 10 "لنشات" . وهذه اللنشات عملُها سحب وقطر المواعين المحملة بالبضائع لإيصالها إلى الرصيف حيث يتمّ تفريغها. هذه التجربة التي راودته وقام بتنفيذها أدرّت عليه الأرباح الهائلة والتي لا يتصورها العقل. ومن خلال الأرباح والأموال التي يجنيها بدأ بالتوسع بهذا العمل الذي يقوم به على أكتاف العمال الذين يعملون لديه. وأصبح من أصحاب الأموال الكبيرة وأصبح لا يعرف إلا باسم أبو هاني لكثرة شهرته وسمي المرفأ باسمه. وكان المرفأ عبارة عن خليج صغير (البحيرة) لأن البحارة الأجانب عندما يأتون فيقولون هم على ظهر السفينة: نحن نريد (بور هاني)، أي يريدون مرفأ أبو هاني بمعنى آخر أي لا يريدون تفريغ الباخرة إلا عن طريق أبو هاني.
وحسب المتحدثين من العمال،( ) كانت الليرة السورية في ذلك الوقت لها قيمة. كان العامل يشرب فنجان القهوة بقرش، أما الآن فنجان القهوة أربع ليرات. وأضاف العامل بأنه قديماً كان يعيش حياة جيدة لأن كل شيء متوفر ورخيص أما الآن كل شيء غالي.
عامل آخر قال بأن أبو هاني كان يستغلّ العمال بطريقة وخطة ذكية، لأنه يُحصّل من وراء العامل مئات الآلاف من الليرات وهذا يدل على استغلال الطبقة العاملة.
وقال عامل آخر: عندما يقول ريس الماعونة (غيّمت يا شباب) يقصد أن أبو هاني قد حضر. ويكون بالنسبة لجميع العمال الشيء المرعب، وهنا نجد العمال يعملون بأقصى ما عندهم من قوة حتى يرضى الريس أبو هاني، لأنه إذا غضب يكون قسم ظهر العمال.
وكذلك أيضاً عندما يأتي العامل متأخراً، فيقول لأحد العمال أو لريس الماعونة: خذ منه الفانوس وأرجعه (لأن العمال يأتون مبكرين قبل طلوع الفجر ويحملون بأيديهم الفانوس).
وقال عامل بأن العمال يمدحونه (ظاهرياً) أما داخلياً فكانوا يذمونه. وقيل أيضاً بأن أبو هاني يساعد الفقراء من الناحية المادية ويريد أن يعمل أي عمل خيري لوجه الله. وقيل أيضا بأنه لا يُضيّع حق أي عامل حتى ولو اشتغل عنده نصف يوم.
روى عامل قديم وهو من مواليد الثلاثينات وأصله من جزيرة إرواد ولكنه مقيم بمدينة اللاذقية من تاريخ وعيه للدنيا، اشتغل بالمرفأ وكان عمره بحدود خمسة عشر عاماً. قال بأن بعض المواعين التي يمتلكها أبو هاني هي آخر مواعين صنعها أبو هاني، وأطلق عليها أسماء بسبب سعتها للبضاعة، فذكر مثلا: ماعونة حمولتها 100 طن أسمها (البور). وماعونة حمولتها 80 طن اسمها (أبو الجاموس).
أما بقية المواعين التي بحوزة ابو هاني لا تقل حمولتها عن 15 طن – 20 طن. وهنا نجد عمل البحار يختلف حسب نوعية العمل، أي كل نوع عمل يعمل به عامل يطلق عليه اسم معين ومن هنا نجد صفات أو تدرج للعمال والمعلمين، وهي على الشكل الآتي:
- بشكل عام، العمال: الذين يعملون على ظهر البواخر يسمون بعمال التنضيد، أي عمال الشحن والتفريغ على البواخر (الصادر والوارد).
- رئيس الباخرة: وهو المسؤول الأول عن سير العمل على ظهر الباخرة ويتلقى التعليمات الواردة من قبطان السفينة وينفذها.
- عامل (كومنضة): وهو المسؤول الثاني عن العنبر المشرف عليه وهو الذي يعطي التعليمات للعمال ضمن العنبر وللعمال ضمن الماعونة، وكذلك يعطي الإشارات لعامل الونش (الرافعة) بالرفع أو النزول للبضاعة التي يحملها الونش. أما الإشارات التي يعطيها للونيش هي بيرة (ارفع) ماتيه (انزل)، ستوب (وقوف)، وارده (انتباه).
- عامل الونش (الونيش): وهو عامل يعمل على أوناش الباخرة (الرافعات) ويتلقى الإشارات من الكومنضة حسب التأشيرات التي يتلقاها عن طريق اصبع اليد أو بكامل اليد.
- عمال عنابر الباخرة: إذا كانت البضاعة واردة فيعملون على (تصبينها) أو تستيفها حسب نوعية البضاعة. منه تكون عبارة عن صناديق شاي أو كرتون صغير، لذلك يطلبون من ريس الباخرة بأن يعطيهم شباك لوضع البضاعة ضمن هذه الشباك، وتسمى هذه "الشكة"، وإذا كانت البضاعة إما صناديق كبيرة أو شوالات يطلبون من ريس الباخرة بإحضار صبابين (حبال) وطول الحبل من 5-6 أمتار، ولكن إذا كانت البضاعة معدنية أو من نوع الصفائح يطلبون الصبابين الحديدية (أسلاك حديدية أو فولاذية).
- عمال التجرين (عمال المواعين): وهم المسؤولين عن تستيف البضاعة ضمن ماعونة بالحالتين (الصادر والوارد). في حالة البضاعة الواردة فتستف بالماعونة عندما تكون بجانب الباخرة، أما في حالة البضاعة الصادرة فتستف بالماعونة عندما نكون بجانب الرصيف.
- عمال الأرصفة: وهم عمال الشحن والتفريغ للمواعين. وكانت تفرغ الماعونة على الأيدي والأكتاف، وتوضع البضاعة بـ(الطنابر)، ومن ثم تتحول إلى مستودعات، وكذلك العكس.
- عمال المستودعات (العتالة): وهم مسؤولون عن تستيف البضاعة في المستودع أي تفريغ الطنابر وبنفس الوقت تحميل الطنابر (العكس بالعكس).
ومن خلال تدرج العمال حسب نوع العمل نجد الصعوبة في العمل، وخاصة عمال الطنابر وعمال المواعين، لأنهم معرضين للإصابات في أي وقت، وتكون الإصابة بنتيجة خطأ في الشكة أو التصبين فيحدث إما بانقطاع الحبل أو بانتزاع الشكة فتنزل البضاعة فوق العنبر على العمال. وإذا كانت البضاعة فوق الماعونة فتنزل فوق عمال الماعونة. وتكون الإصابة إما الكسر أو العجز الدائم أو الموت. وعندما يسمع أبو هاني بهذه الحوادث، فيعطي أهل المصاب مساعدات مادية.
أما صعوبات العمل عند تفريغ الماعونة على الرصيف تكون أقل خطورة، لأن تحميل الماعونة وهي بجانب الباخرة تستغرق وقتاً طويلاً يوم أو أكثر، ولكن تفريغها على الرصيف تكون لساعات معدودة بسبب كثرة اليد العاملة والعتالة.
- عامل اللنش: وهو مسؤول عن قطر وسحب الماعونة حسب الاتجاه إما للتصدير (من الرصيف إلى الباخرة) أو الاستيراد (من الباخرة إلى الرصيف).
وفي الخمسينات وُجد في مدينة اللاذقية بقرب المرفأ أشخاص يتعاملون مع البواخر الأجنبية ويطلق عليهم وكلاء البواخر، أي المسؤولون بالمسؤولية التامة بتموين الباخرة من المواد والحاجيات الاستهلاكية، وكذلك مسؤولين عن تأخير البواخر في كلا الحالتين (الشحن والتفريغ). وكذلك هم وسطاء ما بين الشركة التي ترسل هذه البواخر وشركة المرفأ، التي كانت بإدارة المهندس نور الدين كحالة، فتحاسب شركة المرفأ الوكلاء ومن ثم يأتي أبو هاني ويحاسب الشركة. وحسب أقوال بعض العمال بأنه كان يضع أمواله في شوال ويحمله على ظهره ومن ثم يحاسب العمال.
أما علاقته مع السلطة فكانت جيدة ويحسب له ألف حساب، عندما يقول كلمة يجب أن تنفذ وخاصة أيام الانتخابات لأن عندما تجري الانتخابات فيقوم أبو هاني بدعم المرشحين التابعين له وبنفس الوقت هو أيضا تابعا لهم.
مثلاً، عندما يكون المرشحون: أسعد هارون، وفايز الياس، ونديم شومان، وهم يشكلون الحزب الوطني، كان يدعمهم الإقطاعي عبد القادر شريتح وهو زعيم البلد. وكذلك يدعمهم أبو هاني لأنه يمدهم بالمال في ظرف الانتخابات، أي يشتري الأصوات لهم، لذلك قيل هذا المثل :
(هات الهوية وخذ المية).( ) { حسب الإشاعات المنتشرة آنذاك، فإن جماعة أبو هاني كانوا يدفعون أثناء المعركة الانتخابية لمجلس النواب (البرلمان) لكل شخص له حق الانتخاب مئة ليرة سورية ويعطيهم هويته كضمانة بأنه سينتحب القائمة المدعومة من أبو هاني. وأرى أن المبلغ مبالغ فيه لأن الليرة السورية آنذاك لها قيمة شرائية كبيرة. }
ومن جراء هذا العمل الذي يقوم به أبو هاني لأن له هدف، هو أنه يريد أن يكون الأول والأخير ولا يريد أي شخص آخر أن ينافسه في المرفأ، كذلك فهؤلاء المرشحون يدعمونه كي يضمن المرفأ، أي بمعنى أن كل واحد له مصلحة مع الآخر، لأنه كانت هناك قائمة ثانية: د. وهيب غانم، و د. أمين رويحة، ومحمد شواف، وهم يشكلون قائمة حزب الشعب. وكان يدعمهم الشيخ يوسف ياسين، وهو وزير في السعودية وله أخ اسمه الحاج قاسم ياسين، وعن طريق حاج قاسم يتم الدعم.( )
{ الشيخ يوسف ياسين: أصله من جبلة، وكان له نفوذ في القصر الملكي السعودي. والمتداول بين الألسن أنّ يوسف ياسين كان يأخذ الصبايا إلى السعودية مقابل مبلغ من المال لأهل الفتاة! والحاج قاسم ياسين كان ملاكاً إقطاعياً في ريف جبلة. وقد أجريت دراسة ميدانية عام 1984 مع عدد من الفلاحين العاملين كمرابعين في أرض الحاج قاسم ياسين ونشرتها في كتاب الفلاحين الذي أبادته السلطة بعد نشره. }
***
وفي عام 1951 أتت الشركة اليوغوسلافية لإنشاء المرفأ، لذلك وضع خالد العظم حجر الأساس والتزمت الشركة بإنشاء المرفأ. كان مدير المرفأ في ذلك الحين المهندس نور الدين كحالة، وسمي له رصيف بالمرفأ وهو "رصيف كحالة". وبعد فترة من الزمن أصبح بين أبو هاني ونور الدين كحالة خلافات، ونتيجة هذه الخلافات أخذ نور الدين يسعى إلى تأميم المرفأ، ونفذت عملية تأميم المرفأ عام 1954. وبعد التأميم، لا يعرف إذا أعطته الدولة قيمة المواعين واللنشات أو ما يملكه أو لم تعطيه شيئاً، وهذا الأمر لا أحد يعرف عنه شيئاً. وبقي أبو هاني يحيا حياته بشكل عادي، ويقال أنه مات حسرة على الأملاك التي ذهبت منه.
وبدأت حياة العمال بعد التأميم بطريقة جديدة، الحصص، أي تشكل فرق عمالية، وهي تتألف من سبع فرق، وهي أيضاً مقسومة إلى قسمين:
1- فرق مسؤولة عن الشحن والتفريغ للبواخر وهي: الفرقة الأولى والثانية والثالثة.
2- فرق مسؤولة عن تجرين المواعين وهي: الفرقة الخامسة والسادسة والسابعة.
أي أن الفرق الأربعة مسؤولة عن شحن وتفريغ البواخر. أما الفرق الثلاثة فهي مسؤولة عن تجرين المواعين (أي تعبئتها وتفريغها) .
هذه الطريقة (الحصص أو الحصة) دامت حتى صدور المرسوم التشريعي رقم 12 عام 1967 وتحولوا العمال من الحصة إلى الراتب الشهري. وكانت أجور العمال (عمال الحصة) كل أسبوع وعلى الإنتاج.
أما حديثاً فيتم تمويل المرفأ عن طريق الدولة. وفي ظل الحركة التصحيحية قامت مديرية المرفأ بفكرة توسيع المرفأ، والتزمت بإنشاء مشروع شركة توسيع المرفأ.
عن صفحة الأستاذ عبد الله حنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق