الإستدامة ليست ترفاً، يُناقش هُنا عبود الكزبري استعادة المطبخ السوري بمختلف مكوناته كنموذج للإستدامة!
اعادة انتاج المطبخ السوري وتسويقه خارج مطابخ منازلنا قد يكون ضرورة ملحة وعاجلة في ظل التغييرات المناخية التي تحصل في عالمنا اليوم، ولابدّ لهذه التغييرات أن تحدث أضراراً قد لا نتخيلها عاجلاً أم آجلا، كما يتوقع علماء البيئة والمناخ، وضررها لن يطال فقط سلاسل الامداد الغذائي!
يشكل الطعام المنتج محلياً بديلاً أكثر ملائمة للبيئة واستمرارها عند الحديث عن الاستدامة، التغيُّر المناخي، وكذلك صون التراث اللامادي وارتباطاته في ثقافة المطبخ المحلي. يؤكد الصندوق العالمي للطبيعة (wwf) "الطعام الذي نأكله يؤثر على الكوكب الذي نعيش عليه ويمكن أن تحدث الخيارات التي نتخذها فرقاً كبيرا. يجب أن نأكل خضاراً أكثر بكثير، ولحوماً أقل ولكنها ذو جودة، وعلينا التخلص من بقايا الطعام بشكل أقل... وذلك لن يحمي الكوكب فقط بل يوفر المال أيضاً".
إنتاج الغذاء يعد أمرًا حيويًا، ولكنه أيضًا له اثاره على كوكبنا. ولتقليل هذه الاثار لا بد من ان يكون إنتاج واستهلاك الأغذية مستدام، عندما يتعلق الأمر على سبيل المثال في استخدام الطاقة والمياه والتغذية النباتية ومنتجات حماية النبات ورعاية الحيوان وصحة الحيوان وانبعاثات غازات الدفيئة والتنوع البيولوجي والمساهمة في القيم الجمالية في المناظر الطبيعية وتعويض معقول لمن ينتجون الطعام. فمع المعرفة الصحيحة، يمكننا اتخاذ خيارات أكثر استدامة.
ولتطبيق الخيارات الأكثر استدامة هنالك أربع طرق لتناول الطعام:
1. زيادة تناول الأطعمة النباتية.
2. التقليل من تناول اللحوم وتحسين جودة الأقل المتناول.
3. اختيار اصناف الاطعمة المنتجة محليا.
4. التوقف عن التخلص من أي طعام صالح للأكل.
انطلاقا من هذه النقط الأربع، يمكننا رؤية المطبخ السوري كبديل مستدام فمن منّا لا يعرف كمّ الأطباق والوجبات النباتية التي يحتويها مطبخنا السوري، فأنا شخصيا كنباتي اقيم خارج سورية اعتمد بشكل شبه كلي لتأمين حاجاتي الغذائي على وصفات المطبخ السوري والتي تصلح بمعظمها لتلائم الغذاء النباتي. وبهذا قد نكون حققنا النقطة الأولى والثانية التي تدعينا لزيادة الأطعمة النباتية والتقليل من اللحوم.
أما عن اختيار اصناف منتجة محلياً فهنا لابد لنا من التوقف قليلا للحديث عن أن سورية كبلد تعتبر دولة زراعية (هل مازالت كذلك؟) وهي في الأساس ترتبط ارتباطاً تاريخيّاً بالمجتمعات الزراعية وثقافة مجتمعها الزراعي وما أنتجه من عادات وتقاليد تراثية لازلنا نمارسها حتى يومنا هذا،
حتى الحضارات السورية القديمة هي حضارات زراعية بدأت منها المدن والقرى البشرية الأولى وعرف من خلالها الانسان الاستقرار وبدأ بممارسة ثورته الزراعية التي مهدت لنشوء مايعرف بالحضارة لاحقاً. وهنا نرى أن سورية تملك القدرة على تبني وتطوير سياسات مستدامة بيئياً من خلال تشجيع الطرق الزراعية الصديقة للبيئة وهي التقليدية بالغالب، وتوفير الاطعمة المنتجة محليا للسوق السوري.
أنت عندما تشتري من الفلاح/ة الذي تراه في الأسواق فإنّك لا تستهلك اصناف محلية فقط انما تساهم في استدامة رزق هذا الفلاح/ة وبالتالي استدامة بيئتك المحلية وهو ماينعكس لاحقاً بالرغم من صغر الفعل على الكوكب اجمع.
الخيار الرابع والأخير هو التوقف عن رمي الاطعمة وبقاياها الصالحة للأكل، هل تخيلت معي مقدار اعادة التدويرالتي تحتويها ثقافتنا المحلية او ثقافة المطبخ السوري؟
من منا لا يملك وصفة لتحضير المقبلات او السلطات باستخدام بقايا الأكل أو حتى بقايا الخضار التي ترمى وهنا اتحدث كمثال عن اوراق الفجل التي تتحول لسلطات او تأكل نيئة مع صحن الخضار المرافق لوجباتنا.
العجة أيضاً كمثال عن تدوير بقايا الخُضار لإنتاج شيء لذيذ مجدداً!
فهل لازلت تتساءل عن أهميّة العودة الى المطبخ السوري واعادة تسويقه محليا بالمقام الأول؟
في النهاية عندما يتعلق الموضوع بالطعام والوجبات التي تشكل جزءًا مهمًا من تراثنا الثقافي، فإن تجديد الاهتمام بتقاليد الطعام القديمة أمر هام جداً يمكّن الجميع من تطوير فن الطبخ التقليدي ووصفاته بناءً على ظروفهم.
اليوم يوجد اهتمام كبير بالإنتاج الغذائي المحلي المستدام لسهولة توفره، وانخفاض سعره و اثره على البيئة.
الكثيرون ممن يمتلكون حياة صديقة للبيئة حول العالم يقومون باستخدام تقاليد ووصفات الطعام القديمة. ويوجد اليوم العديد من الفرص لجذب الانتباه إلى تقاليد الطعام وحمايتها، وذلك ربّما من خلال إضافته إلى القائمة الوطنية للتقاليد الحية المرتبطة باتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي المادي.
وأنتم أخبروني، هل تجدون الوجبات السورية في المطاعم اليوم من حولنا حتى في سورية؟
أم أنّ الوجبات الغربية السريعة هي الغالبة؟
عبود الكزبري
Aboud Celia Alkuzbari
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق