كتب ضياء البصير: أُعاهِد
هل انتهت سوريا فعلاً؟ في كُلّ يومٍ وليلة يمرُّ على بالي هذا السؤال وحين يمرُّ هذا السؤال يُوازي الأمر فيه آلاف الإجابات، كُلّ إجابة ليس فيها إلّا العذاب الدائري أو النهاية، نهاية الدِيار، فأين حُماة الديار؟
الآن أعرفُ أين هم، وأينَ أينِ أنا، لقد كُنّا من دون قصد، نهتفُ لنا، لأسمائنا، لذواتنا، عند كُل اصطفافٍ مدرسيّ كُنّا نهتفُ لحماةِ ديارنا، ونسينا أو تناسينا أو أُنسِينا عن قصد أننا حُماة الديار، وضاعت أجزاء بلادِنا، وضاعت أحلامنا وأمنياتنا وكثيرٌ من خططنا البلهاء لأننا عرّينا صدورنا ولم نحسب أي حساب لنزلات البرد و سكاكين الغدر التي لن ولم تقضّنا من دُبر، بل استقبلتنا بها الايام استقبالاً يليقُ بحمقنا واستهتارنا بدورنا، هل هذا الكلام الذي أرصف هدفهُ الملامة؟
لا ملامة ولمن الملامة بعد هذا الشتات؟ أحتاجُ ألف مرسال وألف موقع وألف عزيز لكي أوصِلَ ملاماتي إلى الأقران والآباء بعد هذا الشتات السوريّ الرهيب، الذي يُقال بأنّهُ تجاوز المئة وجهة حتى الآن، هذا الكلام للذكرى، للأيّام القادمة، التي ستأتي رُغم أنف الخراب الذي يُحاول توقّف زمن دمشق، الخراب الذي يُريد أن يهدم الساعة، أن يجعل الشام أوّل مدينة في العالم الحديث تخرجُ عن إطار الحركة وتدخل في ملكوت الرحمن الثابت، هُناك قاعدة كتبتها كُل الكُتب المقدّسة وافهمنا إيّاها التاريخ بكلّ السيوف والمآثر والمنعطفات الساخنة، من لا يتغيّر، يُغيَّر، والثابت هالك ما دامَ الكونُ يتحرّك.
هل انتهت سوريا فعلاً؟ هذا السؤال الأخير الذي يجبُ أن يُحمّي فينا آخر طبقات الكرامة المُتآكلة، أن يجعلَ كُلّ الأيدي المدميّة، والعقول المرميّة في الخارج والداخل أن تعود خلايا مُترابطة، تُعيد إنشاءَ أنزيماتٍ دفاعيّة عن آخر ما نملك: الأنا. ويسأل درويش: هل أنا حقاً أنا؟ - ويجيب السوريّ: لقد وجدنا الهويّة في الحجارة، وحدنا من وجدنا الهوية في الحِجارة، مرتّبة مرصوفة أو مُخرّبة مقصوفة. لنا خيارنا الأخير وسؤالنا الأخير: هل انتهت سوريا فعلاً؟
ولأوّل مرّة علينا أن نُجيب كـ أرباب، كآلهة هذه المرّة، مُتجاهلين كُلّ سأم الإقتصاد وصلابته، الإقتصاد الذي يكتب لنا في كُلّ مرّة العبارة التي يفهمها كُلّ من دخل المدرسة ليوم واحد، العبارة التي يتساوى بها أكاديمي الاقتصاديات العالميّة مع الفلاح البسيط في فهمها واستيعابها: أنتم مُفلسون.
علينا أن نكون آلهة لكي نستوعبَ أنّ علينا صناعة المطر هذه المرّة لا انتظاره، علينا إخراج الحبِّ من النوى، وإخراج الحيّ من الميت، وكيف يكون هذا؟ بأن نتغيّر وأن نغضّ الطرف عن كُلّ أحد، بأن يعمل واحدنا لانتاج ألف ثمرة أو ألف ليرة أو ألف درس أو ألف قصيدة أو ألف فيلم أو ألف رواية أو ألف لوحة وأن يُقدّم من كُل ألف لهُ، لشخصه ولذاته، عشرة لدياره، أن يقسم أجزاءً من عمله ويرميها في تُربةٍ يعرفُ أنّها لن تردّ الخير خير ولن يؤثّر بها هذا العمار، لكنّهُ يرمي لأجل أن يُبلّط البحر هذه المرّة وأن يُغنّي في الطواحين أغنيته الأخيرة، الأغنية التي أقامت أمماً سابقة من النار، كاليابان مثلاً، الأغنية التي رُددت بألف طريقة وأحبُّ أن أسمعها أنا بصوتِ محمود درويش حين يقول:
لعلّكم مثلي بِلا عنوان
بِلا وَطَن.. بِلا عَلم..
ودُونما عنوان.. ما قيمة الإنسان؟..
لذلك لمن يسمعني، لمن ينتظر إنهاء القراءة لـ يشتم رُبما ويسخر من عاطفتي وأملي، ليؤشّر لي على أخيه الإنسان الذي يُعيقه عن التفكير في الأرض ويسمّيهِ العدوّ، أقول لك، هل جرّبتَ مرّة أن تقول بصِدق: أعاهِدُ بشرَفي أن أبذلَ قصارى جهدي؟ أن أتعهّد بالخِدمة، وأنيرَ قلب للمُعتمين وأوّل القلوبِ قلبي؟.. هل جرّبت مرّةً ذلك حقاً؟..
ضياء البصير
@diaa albasser
*الصورة من مدخل فعالية TEDx شارع الأمل التي أُقيمت في دمشق مؤخراً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق