عن السوريوّن الكُرد أم الكُرد السوريون؟


 عن السوريوّن الكُرد أم الكُرد السوريون؟

دوّن عبد الله الجدعان:
عام 2017 وفي لحظة ضعف سلطة الحكومة المركزية العراقية، أقدم مسعود البرزاني (رئيس إقليم كردستان العراق) على إجراء استفتاء لانفصال الإقليم عن العراق ظناً منه أنه يستثمر بذلك جملة من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية التي ستضمن نجاح خطوته إضافة إلى كون السلطة المركزية في بغداد كانت أولويتها هي محاربة المتطرّفين المنتشرين على رقعة واسعة من الأراضي العراقية.
في الموروث التاريخي للكرد هناك حلم لدى شريحة واسعة منهم ولا سيما المنتمين عقائدياً للأحزاب الكردية ذات النزعة القومية المتطرفة ألا وهو الدولة المستقلة التي تجمع شمل أكراد العالم ولا سيما في منطقتنا، ورُبّما كان هذا السعي هو السبب الذي جعل من الأنظمة السياسية في كل من سورية والعراق وتركيا وإيران خاصة تتعامل بريبة مع هذا المكون الذي يريد أن يثبت تمايزه عن النسيج الاجتماعي الموجود فيه في كل من هذه الدول.
لا شك في أن وجود الكُرد في سورية تاريخي وأنهم جزء من كيان هذه الدولة على الرغم من نسبتهم الضئيلة إن كان مقارنة بباقي المكونات أو بالنسبة لتعدادهم في دول الجوار، ورغم المظالم والتهميش الذي تعرضوا له في اوقات سابقة سورية مثل مشكلة عدم حصول الآلاف منهم على الهوية السورية وبالتالي الحقوق المدنية، أو الاعتراف ببعض حقوقهم الثقافية كتدريس اللغة الكردية في المدارس الحكومية في مناطقهم أو اعتبار عيد النيروز عطلة رسمية وغيرها من قضايا عالقة، إلا أن سورية كانت ملجأهم ومنفاهم وعدد ليس بقليل من الأكراد الموجودين في سورية هم فارون من تركيا والعراق حتى إن الزعيم الروحي الكردي عبدالله أوجلان كان منهم.
ومع بداية الأزمة السورية وضعف سيطرة الحكومة على بعض المناطق ولا سيما الحدودية منها عاد بعض الكرد إلى نغمتهم القديمة الداعية إلى إنشائهم كياناً مستقلاً وتطبيقهم نظاماً فيدرالياً وفرضه على السوريين ليس بسبب قوتهم بل لضعف إمكانات السلطة، وكان خير من تلقف هذا الطرح الولايات المتحدة التي بدأت تظهز دعمها بقوة من بعد معركة عين العرب (كوباني) الشهيرة وأخذت الأمور من حلب مروراً بالرقة وديرالزور حتى شمال شرق الحسكة تأخذ طابعاً انفصالياً قوامه الكرد كجهة سياسية ومدنية وعسكرية تدير شؤون المنطقة بدعم جزئي من المكون العربي الذي استمالته النقمة على السلطة وسطوة السلاح و عائدات النفط و التمويل الخارجي (يشكل المكوّن العربي الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية).
اليوم تقف سورية في لحظتها السياسية الراهنة على أعتاب احتلال تركي جديد لمناطق من الشمال وما زال صقور الإدارة الذاتية على موقفهم الذي يعتبر خسارة بعض المناطق لصالح الاحتلالين التركي والامريكي هو أفضل من عودة الجيش السوري إليها، وهذا ما يطرح سؤالاً جلياً حول الهوية التي يتعاملون وفقها مع قضايا هذه البلاد وهي ان كرديتهم تطغى على سوريتهم أم العكس؟!
عود على بدء، فإن مسعود برزاني قد فشل في تحويل نتائج الاستفتاء (الأغلبية صوتت بنعم للاستقلال) لأمر واقع وهذا ما أدى إلى إنهاء حياته السياسية وتركه لرئاسة الإقليم برغم توفر عوامل قوة كثيرة بين يديه وقتها، فلعل تجربته تكون نافعة لقيادات الإدارة الذاتية (التي لا تمتلك نفس الوضع المريح لقيادة إقليم كردستان) كي تقوم بمراجعة ذاتية وتحدد كونها تريد أن تكون سوريّة أولاً مع المحافظة على خصوصيتها الاجتماعية والثقافية الكردية المشروعة، أو أن تكون كرديتها هوية طاغية على وطنيتها.
عبد الله الجدعان
*الصورة لجسر قره قوزاق الذي يربط مناطق سوريّة شرق نهر الفرات وغربه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق