عن تحول المناسبات الدينية لثقافة اجتماعية عابرة للأديان ، دوّنت سدرة سواس:
سياساتٌ تدعوْ ومؤتمراتٌ تُعقَدْ، شعارات تلوّح وورشات عمل تنفّذ.. كلّها جهود تصبّ من أجل ما يسمّى بالتّماسك المجتمعي في العالم، تُرى هل المناسبات الدّنييّة تختصر كلّ الأعمال ومسافات الحوار لتكون خير شاهد على التّماسك المجتمعي على نحوٍ عابرٍ للأديان والقوميّات؟
وهل فعلاً التّماسك المجتمعي كما وصفته الأمم المتّحدة الصّمغ الّذي يمسك المجتمع معاً أم أنّنا كسوريين بطبيعتنا نحمل قيماً تربويّة اجتماعيّة تُحيي حياة عكّازها يأسٌ، انطفاءٌ وموتٌ من نوع آخر، فنتشارك أسوأ الظّروف الخدميّة ونبثّ الرّوح لبصيص نور ليحال شعلة تبدّد كلّ عتمة؟!
ممّا لاشكّ فيه تنجذب الفطرة الإنسانية للفرح والبهجة، والأعياد هي بوّابة كلّ مسرّة، لمّة العائلة، ضحكة الأطفال، كرم الضّيافة مهما بلغت الحال من بساطة، عادات احتفال سوريّة بامتياز هي واحدة بين جميع السّوريين كرابيج ومعمول، زيارة الأقارب ودور العبادة، حتّى ورش تنظيف المنازل قبل العيد الممزوجة بتعب وحماس، هي ألوان الفرحة حينما تطرق أبواب النّفوس لا تسألها من أيّ دين أنتِ!
جميلٌ ما قرأته للآن صحيح؟ لربّما تظنّه مثالي أو كلام أماني لكن يا عزيزي القارئ إليك حلب خير مثال على ما سبق: فمن خلال تجربتي التي شهدتها و عاشرتها بمناسبة عيد المولد النّبوي الشّريف تبادل النّاس الشعيبيّات والضّيافة دون تفريق بين مواطن وآخر، وأقبل معظمهم بوجدان لسماع الموسيقى الصّوفيّة وإمتاع ناظريهم بالرّقصة المولويّة، بالمقابل ها هو الميلاد اقترب والتّحضيرات لأجله في أهبة الاستعداد لرسم البسمة، في القرية الميلاديّة التي صنعتها أيادي سورية دون تمييز تأمّل جيّداً تلفّت هل فرحة العيد مقتصرة على سوري دون آخر هل روّادها سينحصرون على فئة دون أخرى؟ ومن يستطيع أن يمنع نفسه من السّير في الشّوارع فقط ليتأمل زينة وأنوار الأعياد..
إنّ للمناسبات الديّنيّة خصوصيّتها الوجدانيّة قلة هي القلوب التي تحطّ في مكان ديني أيّاً كان هو إلًا و روحها تشعر بقدسيّته بل إنّ فضولنا ليمتدّ أحيانا لمعرفة طقوس الأعياد في الحضارات القديمة كيف بدت، كما لا نستطيع نكران تجربتنا الموسيقيّة مؤخّراً في معرض كان يا مكان حلب حين امتزج الترنيم بالأذان.. معظم الحاضرين صمت خاشعاً بقلب واحد..
قد تقول ما سبق مثاليّات إعلاميّة لخلق مظهر التّعايش ولكن لا أظنّ أنّ تبادل المعايدات العفوي بيني و بين صديقتي يكون تحت أضواء الإعلام!...
ومن هنا ومن واقع الأرض يتبيّن لنا كيف أنّ مدى الانتماء والثّقافة الاجتماعيّة تتجاوز العصبيّة مع احترام كامل لكلّ خصوصيّة لتكون مناسباتنا الديّنيّة ثروة اجتماعيّة بامتياز
كسوريين نحن بحاجة ماسّة لأي سبب بسيط لنُسْعَد لِنطْرَب وننشر السّعادة لمن حولنا ... فالجمال يستحقّ كلّ جميل.
ربما بالإمكان تلخيص ما سبق ب"عقلية" أساسها التعايش التسامح والحب و إن هذه العقلية هي نتاج أسرة و بيئة قدمت الدين على نحو يدعو للأمان والسلام، في حين أن و على الطرف النقيض عقلية أساسها التعصب تحض إلى الإساءة والانعزال والعنصرية والأسوأ تحرم صاحبها تحسس الجمال و هذه العقلية المتعصبة هي نتاج أسرة و بيئة قدمت صورة مشوهة للدين ..
ولكن لنا بعقل مدبر ناقد أن نختار أي العقليتين سنتخذها نهجاً و طريق حياة.
سدرة سواس

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق