من منّا يعرف نصير شورى؟
أيقونات سوريّة
1/5
كتب الأستاذ سعد القاسم:
تتحدث الحلقة الجديدة من (متحف الوطن الافتراضي) عن الفنان المعلم نصير شورى، ورحلة التأسيس من مدارس دمشق إلى تجمعاتها الفنية. وقد أشير في الحلقة الماضية إلى تكامل مراحل الفن التشكيلي السوري، وتتابعها، وتداخلها أحياناً. وقد يكون الفنان المعلم نصير شورى (1920 – 1992) أكثر من يمثل هذا التداخل، فقد رافق جيل الرواد الأول، وكان من أهم أسماء جيل الرواد الثاني (الحداثة).
تفتحت عيناه على البساتين وحواكير الصبارة التي كان يطل عليها منزل أبيه في منطقة المهاجرين بدمشق، وربما ساهمت الصور الأولى هذه في تكوين ذائقته الفنية واهتمامه بجمال الطبيعة. كان والده من أوائل صيادلة دمشق المُجازين، وقد افتتح صيدلية باسمه في مطلع حي المهاجرين بدمشق ما تزال قائمة في المنطقة التي تحمل اليوم اسم شورى.
وقد لفتت موهبته انتباه استاذه عبد الحميد عبد ربه في المدرسة الابتدائية حين كان يرسم صور أساتذته وزملائه على اللوح وجدران المدرسة، و شجعه على مزاولة الفن، وتعلم أصوله وقواعده على يديه وسط ممانعة شديدة من عائلته، إلا أنه تلقى دعم خاله العلامة المؤرخ محمد كرد علي، مؤسس المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية حالياً)، الذي كان على معرفة وثيقة بفناني تلك الفترة مثل توفيق طارق وبشارة السمرة، وبعد انجاز دراسته الابتدائية أكمل دراسته الثانوية في مكتب عنبر و نمت موهبته في الرسم على يد معلمه الثاني جورج بولص خوري، خريج المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس. الذي علمه تقنيات الألوان المائية والزيتية إضافة الى الفحم والباستيل.
وفي عام 1938 أقام أول معرض للوحاته الزيتية في نادي الضباط بدمشق، وكانت تصور مشاهد دمشقية وطبيعية وطبيعة صامتة ووجوه أليفة.
بحكم صغر سنه لم يشارك في أول تجمع فني سوري تأسس عام 1930 في سوق ساروجة، وحمل اسم نادي الفنون الجميلة، (ضم فروعاً للموسيقا والتمثيل والتصوير الضوئي وكان رائد التشكيل السوري توفيق طارق رئيسا لفرع الرسم فيه)، إلا أنه شارك في كل التجمعات الفنية التي بدأت بالظهور منذ أواخر الثلاثينات، وكان أول تجمع للفنّانين التشكيليين بينها في غرفة صغيرة خصصت للرسم في دار الموسيقا الوطنية (1940 - 1936)، التي كان أسسها في دمشق الموسيقي مصطفى الصواف، وكانت نادياً بسيطاً جمع عدداً من الموسيقيين والفنانين التشكيليين الذين يعزفون على آلات موسيقية كنصير شورى، وكان نصير هاوياً للموسيقا يجيد العزف السماعي على آلتي الأكورديون والبانجو، وعبد العزيز نشواتي على الماندولين، وعدنان جباصيني على الإيقاع.
ويذكر الفنان بطرس المعري في مقالة نشرها عام 2017 أن شورى قد صوّر بتأثير ميشيل كرشة، أحد أعضاء الجمعية: «المواضيع المعتادة في ذلك الوقت من مشاهد طبيعية وطبيعة صامتة ووجوه بأسلوب انطباعي». وفي واقع الحال أن شورى انتهج درب ميشيل كرشة رائد الاتجاه الانطباعي في الفن التشكيلي السوري، ثم كان بدوره رائداً في أسلوب واتجاه جديد عمّق الهوية المحلية من خلال الالتقاط البارع للمناخ اللوني للخصوصية البيئية، وما لبث أن وجه ذلك المناخ نحو شكل من التجريد، أو الواقعية الاختزالية، ليرتبط هذا الأسلوب باسمه.
وقد قابل كرشة تقدير شورى له بأكثر من لوحة صور فيها نصير شورى، إحداها وهو يرسم في فناء منزل دمشقي تقليدي، وثانية وهو يرسم في الطبيعة. ولما سبق – وسواه - كان اعتبار نصير شورى بشخصه وتجربته نقطة تواصل بين جيلي الرواد.
في عام 1940 انسحب الفنّانون التشكيليُّون من دار الموسيقا الوطنية وأسَّسوا دارا مستقلة أسموها ندوة الأندلس للرسم والأدب (1941-1940) وفي مطلع هذه الفترة (1940) أقيم معرضٌ هامٌ في كلية الحقوق شارك فيه نصير شورى مع مجموعة من الفنانين السوريين والفرنسيين.
في العام التالي التقى شورى مع المعلم محمود حماد في تجمع فني لأول مرة. وقد جمعت بينهما من ذلك الوقت صداقة عميقة استمرت حتى نهاية العمر. فقد شاركا سوية عام 1941 بتأسيس مرسم (فيرونيز) في دمشق مع عدد من الفنانين. من بينهم محمود جلال وميشيل كرشة ورشاد قصيباتي وعبد الوهاب أبو السعود وناظم الجعفري وعدنان جباصيني. كما شاركا عام 1950 في تأسيس الجمعية السورية للفنون، وكان أول اجتماع لها في منزل الفنان والآثاري خالد معاذ في شارع 29 أيار بدمشق.
و فيرونيز هو الاسم الذي عرف به فنان عصر النهضة الإيطالي باولو كالياري (1588-1528) الذي اعتبرت لوحاته المعتمدة على التأثير الشعري للألوان نموذجاً لفن نُسب إليه (الفن الفيروني)، وهو أيضاً مكتشف اللون الأخضر الذي يحمل اسمه (فيرونيز)، وقد استخرجه من هرس أحد الأحجار الكريمة، واستخدمه بطريقة تشبه الأسلوب الانطباعي قبل ظهور الانطباعية بأكثر من ثلاثمئة سنة. وربما كان هذا التجمع التشكيلي هو الأول في تاريخ الحركة التشكيلية السورية.
كان الفنانون في مرسم فيرونيز معلمين للرسم في مدارس دمشق، وكان نصير شورى يقوم بالتدريس في دار المعلمات والتجهيز الأولى للبنات، ويذكر د. اسكندر لوقا في مقالة نشرها في صحيفة الوحدة عام 1959 أن نصير شورى كان لديه مشروع لتخليد الريف السوري شغل تفكيره لعشر سنوات، وحين صدر قانون تفرغ الأدباء والفنانين خطرت بباله فكرة أن يكون هذا الخيار فرصته لتنفيذ مشروعه الذي يحتاج الى سنتين يقوم خلالهما بدراسة الريف السوري، وسنة ثالثة يقضيها في المرسم، لكن ما منعه من التقدم بطلب التفرغ هو عدم معرفته فيما إذا كان سيعاد إلى عمله الحالي في التدريس، أم لا.
كانت دراسات الطبيعة الصامتة، والنماذج الحية للباعة المتجولين والشحاذين، المواضيع الأساسية لفناني فيرونيز متوجهين بتعليمات محمود جلال الفنان الواقعي خرِّيج إيطاليا، وميشيل كرشة الفنان الانطباعي خِرِّيج فرنسا، وفي أوقات فراغهم كانوا يصنعون ألعاباً خشبية للأطفال. استضاف المرسم حينذاك بعض الفنانين اللاجئين إلى سورية من أوربا الشرقية. كما كان ملتقى عدد من رجال الصحافة والأدب والموسيقا يتبادلون فيه الرأي ويتحدثون في أمور الفن.
ويلتقون فيه بفنانين معروفين أمثال: سعيد تحسين. وفاتح المدرس وغالب سالم والفرد بخاش من حلب، وسهيل أحدب من حماة، ومصطفى فروخ من بيروت، وخالد الجادر من بغداد، وعبد العزيز درويش من القاهرة. كما كان مرسم فيرونيز مقصداً لعدد من الفنانين الأجانب مثل جوزيف جاريما من بولندا، الذي نظم معرضاً للوحات الفنانين البولونيين في فندق الشرق عام 1944، تعرّف من خلاله الفنانون السوريون على أساليب فنية واتجاهات جديدة لم يألفوها من قبل. (يتبع).
*الصورة وجهية ذاتية (self portrait) 1946
سعد القاسم
جريدة الوطن السورية
15-09-2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق