كتب عبد الله الجدعان: الإدارة الذاتية و سورية!
لا يمكن فهم الحدث السياسي - الاجتماعي الحالي في سورية من دون تتبع سياقه التاريخي لأن الإدارات الذاتية و المحاولات الانفصالية ليست حدثاً طارئاً في سورية الآن فهي كانت موجودة على الأقل منذ الاحتلال العثماني حيث كانت البلاد عبارة عن ولايات، لتأتي اتفاقية اتفاقية سايكس - بيكو التي قسمت سورية الطبيعية وأعطت أجزاءً هامة منها حكماً ذاتياً ومن ثم تباعاً تحولت إلى دول مستقلة.
بعد انهيار السلطنة العثمانية لم تُعمِر طويلاً تجربة الاستقلال السوري بين عامي 1920 - 1918حتى دخلت البلاد تحت (الانتداب) الفرنسي والذي كانت سياسته ترتكز على دعم تفتيت الهوية الجامعة حيث كان يغذي نزعات انفصالية إن كانت قائمة على أساس المذهبية كما في منطقتي العلويين و الدروز أو على أساس العشائرية كما في منطقتي البادية والشرقية وحتى على مستوى المدن الكبرى عبر تسميته (أعيان او وجاهات) تحمل مشروعه،
وكان من بين أهدافه من هذا النهج هو كسب ولاءات ما يُطلق عليه (أقليات) وهذا اللفظ يحمل خطورة كبيرة كونه تبقي حامليه في دوامة التفكير بالتهميش والإقصاء لذلك هي تبحث عن أي مظلة حماية وإن كانت أجنبية في وجه الأكثرية الظالمة لذلك فإن الاحتلال حَرِصَ على استغلال هذه المعاناة الاجتماعية - الاقتصادية ليوثق علاقاته ويدمج العديد من الشباب في جيشه ضمن (جيش الشرق الخاص) يرعاه الأجنبي ليغذي فكرة التعميم بأنه ضمانة أمان فئات معينة وبقاء وجودها مرتبط بوجوده وعملها معه وهكذا تبقى هذه الفئات في موقف دفاعي عن بقائها كونها تحمل أعباء إرث طويل من المظلومية.
ِتوعلى مدار تاريخ سورية الحديث حتى بعد الاستقلال بقيت المشاكل المتعلقة بخصوصية وضع العديد من الجماعات تثير قلق السلطات المركزية التي بدأت حلها تباعاً بأساليب مختلفة وفقاً لكل حالة (حركة سليمان المرشد في اللاذقية، تفكيك ما يعرف بجيش العشائر ولجنة العشائر في البرلمان) إلى أن حصل ما يشبه الاستقرار النسبي في منتصف الخمسينيات إلا أن الأمور لا يمكن القول بأنها وصلت إلى ما يرضي كل الأطراف، لكن في الفترة منذ الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 إلى استقرار الحكم في 1971 وما بعدها، كانت المشاكل العامة للبلاد ذات أولوية أكبر لدى السلطات الحاكمة هذا ما جعل هكذا قضايا غير مرئية.
وعليه فإن القضية الكردية في الوقت الحالي بأشكالها المختلفة (قسد - مسد - المجلس الوطني الكردي) ليست أمراً طارئاً على سورية كما أنها ليست فقط وليدة أحداث 2004 ولا قضية منح وعدم منح الهوية السورية للأكراد، والاعتراف بالحقوق الثقافية لهذا المكون. فإنه إضافة إلى هذه العوامل الداخلية شديدة الأهمية والأحقية فإنه لا يمكن إغفال أن النزعة الكردية نحو الإدارة الذاتية ليست نتيجة للحرب السورية وحدها لأن هذا توجه شبه عام يحكم أكراد المنطقة كلها.
إن الانسداد هو السمة الحاكمة حالياً للحل السياسي السوري - السوري وعليه فالمطلوب من السلطة كطرف هو صياغة عقد اجتماعي جديد أصبح احتياجاً لا بد منه بحيث يضمن فيه الحقوق ويطفئ المخاوف لجميع المكونات، ويوازن في التنمية بين المحافظات عبر توسيع اللامركزية الإدارية مما سيديم حالة الاستقرار الداخلي ونكون استفدنا من تجاربنا الماضية، على أن تلاقيها في مسعاها هذا مختلف الأطراف وتكون طموحاتها ومطالبها محكومة بسقف المصلحة الوطنية العليا ووحدة البلاد.
عبد الله الجدعان
* الصورة لعملية حصاد القطن في ديرالزور والتي تضررت بفعل اختلاف السيطرات في المنطقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق