سورية والثورة الصناعية الرابعة .. الإنتاج أو الاستهلاك؟

 


كتب محمد مكيّس: سورية والثورة الصناعية الرابعة .. الإنتاج أو الاستهلاك؟


يجري حالياً على مستوى العالم وخلف كواليس الشركات الصناعية العالمية الرائدة، تحول رقمي عميق للأعمال.

نعيش حالياً زمناً من التغير السريع والتحول الجذري لم يشهده إنسان من قبل، بل والأرجح أنه غير مسبوق تماماً في كامل التاريخ البشري. ففي عصرنا الحالي، تتكاثر الابتكارات والتغيرات الجذرية بشكل كثيف

ما الذي يعنيه لك العيش في عالمٍ لا ثابت فيه إلا "التغيير" على مدّ الزمن؟ عالمٌ مستقبله يلفه الغموض، ويصعب التنبؤ به، ويتسم بالتقلبات؟ ما الوسيلة لتغيير سلوكياتك وتصرفاتك كي تزدهر وتنجح في بيئة تفتقر لما يكفي من المعلومات عند اتخاذ القرارات، وفي خضم وتيرة تغيير  اقتصادي واجتماعي جذري لا يتوقف؟

مرّ العالم بثلاث ثورات صناعية أدَّت إلى تغيرات هيكلية في الاقتصاد وأساليب الإنتاج، وفي توزيع الدخول والثروات، وأنتجت أيضًا تغيرات ديموغرافية تحمل آثارًا غير مسبوقة بسبب ثلاث خصائص رئيسية، هي: أنها واسعة المجال بصورة غير مسبوقة، وتتميز بسرعة عالية في الظهور والتطبيق، وتؤثر بصورة قوية على النظم القائمة كافة.

نحن نعيش في الثورة الصناعية الثالثة - "الثورة الرقمية" - منذ عام 1980 ولكن أن الثورة الصناعية الرابعة المدفوعة بشكل رئيسي بالروبوتات والذكاء الاصطناعي تقترب تجاهنا بسرعة كبيرة.




الثورة الصناعية الرابعة" هي التسمية التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، عام 2016م، على الحلقة الأخيرة من سلسلة الثورات الصناعية، وتتميز الثورة الصناعية بدمج التقنيات التي تطمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية، من خلال اختراق التقنية الناشئة في عدد من المجالات، بما في ذلك الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، و blockchain ، وتقنية النانو، والتقنية الحيوية، وإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات المستقلة، وغيرها، من العلوم والمفاهيم التي أصبحت أساسية بمواكبة العالم والمضي نحو عالم رقمي بعيدا عن العلوم التقليدية التي أصبحت متهالكة في هذا العالم الرقمي الجديد.

يمكن الآن تطوير الابتكارات ونشرها بشكل أسرع من أي وقت مضى. حيث انخفضت تكاليف الإنتاج الهامشية وتضاعفت المنابر التي تجمع وتركز على أنشطة قطاعات متعددة تؤدي إلى الزيادة في العوائد على نطاق كبير.


الثورة الصناعية الرابعة تعني التحول الرقمي الشامل في كافة المجالات الصناعية والخدمية
وهي  مزيج من الأنشطة والعوالم المختلفة الفيزيائية والبيولوجية والرقمية التي من شأنها أن تقلص الهوة بين كل ما هو مادي وما هو رقمي في الحياة اليومية وتعني تعني تلك الثورة التي ربطت مجالات الحياة بالبيانات الرقمية الذكية والانترنت، ومنها : الاتصالات والتقنية والحكومة الالكترونية والبيانات الضخمة وثورة المعلومات وزيادة دمج أنظمة آلات ذكية متصلة بالإنترنت، لتجعل دور مديري المصانع هو خلق وتكوين شبكة من الآلات التي لا تقوم فقط بعمليات الانتاج بأقل قدر من الأخطاء، ولكن يمكنها أن تغير بشكل مستقل وذاتي أنماط الانتاج وفقاً للمدخلات الخارجية مع احتفاظها بدرجة عالية من الكفاءة، أي تجسيد للمصانع الذكية، التي تدار بالآلات وترتبط بشبكة الإنترنت، وبنظام يمكنه تمثيل مراحل الإنتاج كلها، وقادر على اتخاذ القرارات بصفة مستقلة، وهذا يستلزم استخدام قدرات علمية متطورة
.

 

يتغير اليوم مفهوم التنافسية للشركات والدول، عبر إحداث قفزة نوعية في الإنتاجية والتصنيع المستدام.

اليوم المليارات من الأشخاص متصلين عن طريق الأجهزة المحمولة، مع قوة معالجة غير مسبوقة وإمكانية الوصول إلى المعرفة. إن الاختراقات التكنولوجية تعمل على تغيير الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتفاعل مع إمكانيات غير محدودة. حتى الآن، استفاد من هذه التغييرات في الغالب أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى العالم الرقمي.

بحسب شركة ماكنزي الاستشارية فإن نصف العمالة القائمة حاليا يمكن استبدالها بالآلة والتقنية، مما يوفر تقريبا ستة عشر تريليون دولار، هي عبارة عن رواتب عالمية وفي آفاق عام 2030 ستستولي الروبوتات على 38% من الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية، 30% في بريطانيا، 35% في ألمانيا، و21% في اليابان.

احتلت الصناعة في سوريا المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد الزراعة في الاقتصاد السوري، وتسهم الصناعة بنحو23.7% من الناتج المحلي عام 2010 و18.9% عام 2016.

تراجع عدد المنشآت الصناعية السورية، وبلغت ما بين 65 ألفاً و71 ألفاً بينما كانت 130 ألفاً قبل عام 2011 و تقريباً عدد العمال 452 ألفاً في القطاع الخاص و 75 ألفاً في القطاع العام و مجالات الاستثمار الصناعي الرئيسية (صناعة الأدوية - الصناعات الغذائية – المنسوجات - المواد الكيميائية - الصناعات الهندسية).


تشكل العمالة السورية في المصانع نسبة 14.2% من اجمالي العمالة في سورية.

تراجعت سورية بمقدار 12 درجة في ترتيب الأداء الصناعي التنافسي العالمي من عام 1990 إلى عام 2018 ، وترتيبها هو 116 من بين 152 دولة لعام 2018 ، احتلت ألمانيا المرتبة الأولى.

تفتقر المنشآت الصناعية السورية إلى الإنتاجية والتنافسية في السوق العالمية جرّاء القصور الذي تعانيه في مجالات الإدارة الحديثة، والتكنولوجيا، والتدريب، الأبحاث والتطوير ، ضعف البنية التحتية، بالإضافة إلى التحديات الكبيرة المرتبطة في الأزمة.




إن انتعاش قطاع التصنيع وتطوّره يمكن أن يشكّلا عنصراً أساسياً في استقرار الاقتصاد، إذ من شأنه أن يعزّزا الإنتاج المحلي، ويقلّل بشكل جزئي الضغط على الليرة السورية لتمويل السلع المستوردة.
وقد يساهم هذا العامل إلى حدّ ما أيضاً في خفض اعتماد سوريا على المنتجات المستوردة من الخارج، والتي تزايدت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية. كذلك يمكنه أن يخلق فرص عمل جديدة
لتحقيق ذلك نحنا بحاجة إلى البدء بالتحول الرقمي وبناء مصانع ذكية مرتبطة بالإنترنت.
بالإضافة إلى الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة في الصناعة والبيانات لتحسين جودة المنتجات لتكون منافسة في السوق العالمي. 

لندخل بوابة الثورة الصناعية الرابعة علينا الاعتماد بشكل كبير على إنشاء الاقتصاد القائم على المعرفة قادر على مواكبة النمو والتقدم والازدهار والتكنولوجيا الحديثة والتقنيات المتطورة التي تعزز الصناعة والإنتاج بالإضافة إلى تسريع التحول الرقمي في قطاع الصناعة من خلال تمكين المصنعين بهدف تعزيز الإنتاجية الصناعية وخلق وظائف تتطلب مهارات عالية.



في المستقبل، سوف يؤدي الابتكار التكنولوجي الى فوائد عديدة، الى جانب مكاسب طويلة الأجل في الكفاءة والإنتاجية. سوف يساهم في خفض تكاليف النقل والاتصالات وستصبح الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد العالمية أكثر فعالية، وسوف تقل تكلفة التجارة، وكلها تفتح أسواق جديدة وتدفع عجلة النمو الاقتصادي فإذا لم نكن جاهزين للاستفادة من هذه الفرصة في رفع الكفاءة وخفض تكاليف الإنتاج سوف نكون نحنا الخاسرون وسوف نخرج من المنافسة في الإنتاج وسوف نصبح مستهلكين ومستوردين وغير منتجين.


محمد مكيس

#نقاشات_في_الشأن_العام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق