عن اللغة في سياقها الاجتماعي، دوّنت فاطمة فرواتي:
"يعزز تعلم اللغة التماسك المجتمعي والتفاهم بين الثقافات"
هذا ماقالته إحدى أبرز نتائج البحث التابع للمجلس الثقافي البريطاني والذي كان بعنوان: "اللغة كوسيلة للتعافي".
لتأخذني الأسئلة...
كم مرة..نظرنا لتعليم وتعلم اللغة بشغف في سياقها الاجتماعي والثقافي في سورية؟ وكم مرة توسعنا في نظرتنا للمعلم الذي يعلم اللغات...من تنميط دوره في تلقين كتاب مجرد إلى من يأخذك بكلك بين دفتي ذاك الكتاب...إلى ذائقة عميقة تفقه تنوع الجمال في الثقافة والمجتمع؟ هل قمنا بتمكينه ليكون خارج حدود التنميط والسقف الزجاجي الذي يتم وضعه له في معظم الأحيان؟
ماذا لو أصبح المعلم يخبرك بعمق العشاق الذين يؤمنون حتى آخر التفاصيل ومابعد آخرهم عن اللغة التي لا تكون فيك مجرد لغة حين تتناغم التعابير القديمة والمتجددة في الثقافة والمجتمع ثم يعطيك مثالاً..مثالاً لتمارسه عن تلك التعابير التي تترك لك تلك المساحة..المساحة لروحك وللفتات اللباقة والود والعمق الإنساني...الثري.
إذ لا يكفي أن تمر على تفاصيل الأدب والأسلوب التي تتجلى في مشاركة قصة و حديث يومي أو حتى مونولوج...ولكن عليك أن تتوقف لتتذوقها واحدة واحدة...وتحاول بعمقك أن ترد لها، منك، ذاك الجمال وذاك العمق!
حتى لو كان الأمر ببساطة القبول أو الرفض..، فثمة فرق بين أن تقبل أو ترفض بلباقة وذوق تعكسه اللغة في سياقها...وبين أن تقبل أو ترفض وحسب!
ذاك الفرق الذي تحدثه اللغة في ماوراء الإجابة كتفاعل لغوي اجتماعي يومي..حتى لو كان الأمر يتعلق بشرب فنجان من القهوة...ولك أن تتأمل في الفرق على سبيل المثال في اللغة الإنكليزية واللغة العربية بين:
Would you like a cup of coffee?
-Yes.
-No.
وبين:
Would you like a cup of coffee?
-Yes, please.
-No, thanks.
-هل ترغب بشرب فنجان من القهوة؟
-نعم.
-لا.
وبين:
هل ترغب بشرب فنجان من القهوة؟
-نعم، لو سمحت/ تعني لي تلك اللفتة منك.
-لا، شكراً / لكن، دعنا نتشارك ذلك في وقت لاحق.
هل تخيلت جمال تعليم وتعلم هذا؟
اللغة في سياقها..الاجتماعي والثقافي، تناغم الحروف مع المعنى والمعنى مع ماوراءه!
ولعل من أهم ما يعزز تجلي ذلك..هو تصميم وتنفيذ أنشطة لغوية لاصفية متناغمة ومدروسة توقد قناديل الشغف في ممارسة اللغة في سياقها الثقافي والاجتماعي..وتفعيل مساحات الحوار التي تتشارك تنوع الثقافات ضمن العملية التعليمية، إضافة لتنظيم فعاليات يتشارك فيها الجميع ألوانهم..ومشاركة كل تلك الألوان بجمال عبر تنظيم رحلات تعليمية مثيرة للشغف وممتعة ومفيدة لرفع الوعي اللغوي والثقافي والاجتماعي.
هل تعرف كيف أخذ قلبي ذاك المشهد حين أخبرت الطلاب عن الثقافة وأسلوب اللغة المستخدم في حي حلبي قديم...كمثال؟ تلك اللباقة التي شاركتني إياها "خالة أم زينب" وهي تعد لي القهوة الحلبية "الغلي" بثقافة الدكان الذي يفتح بحب أبوابه لك باكراً في الساعة السابعة...وبلفتات السيدة التي تشعرك بالألفة...إذ كانت كلما شكرتها ب"يسلمو، يسلمو إيديك.." على لفتة منها في إعداد القهوة وتقديم كرسي لأتمعن في مدى حلب الذي يطل من دكانها الصغير..ترد لي بطريقة تأخذك للجمال بعبارة: "مية السلامة، روحي.."!
أتذكر جيداً كيف ضحكت روحي حين رد الطلاب بدفء بعد ذلك:
"آنسة، خدينا رحلة لهنيك...."
كان طلبهم أن يعيشوا اللغة في سياقها الاجتماعي والثقافي..وكنت أريد أن يطلبوا ذلك!
ماذا لو سألنا عن ماوراء توسيع نظرتنا للغات في سياق التعليم والتعلم على أنها أيضاً..مساحة لمشاركة الثقافة والتناغم الاجتماعي، بحب؟
ثم عشنا الأجوبة..معاً!
فاطمة فرواتي
With Fatima
Fatima D. Farwati
*الصورة: مدينة حلب، الأحياء القديمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق