حطين وتوفيق طارق ومتحفه
تتحدث الحلقة الجديدة من (متحف الوطن الافتراضي) عن لوحة حطين لتوفيق طارق، إحدى أشهر اللوحات العربية) وعن متحفه الذي أغلق بعد وقت قصير من افتتاحه.
يقال أن توفيق طارق قد حدث ابنته (زهرة مديحة) عن استيائه من اللوحات التي تصور انتصارات الفرنجة على العرب مما دفعه لإنجاز عدد من اللوحات التي تصور انتصارات العرب، ومنها لوحته الأشهر (معركة حطين) التي تستعيد بأسلوب كلاسيكي، ذكرى معركة مفصلية في تاريخ الكفاح ضد الغزو الاستيطاني الغربي، لها حضورها الاستثنائي في الوجدان الجمعي المحلي.
والحقيقة أن الروايات واللوحات الفنية عن انتصارات الفرنج في الشرق العربي لم تستفز العرب وحدهم، إذ يشير بول إم كوب، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة بنسلفانيا ، ومؤلف كتاب (السباق من أجل الجنة) إلى أن الغزاة الأوربيين قد طردوا في نهاية المطاف من شرق البحر الأبيض المتوسط وأحبطت جهودهم لاستعادة السيطرة على الأراضي المقدسة. ومع ذلك، فإن الكثير من اللوحات الغربية التي صورت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تحتفل بالانتصارات الزائلة. ومنها على سبيل المثال لوحة الاستيلاء على القدس للفنان الفرنسي إميل سينول التي صورها عام 1847 (أي بعد أكثر من 600 سنة على التحرير النهائي للقدس) وهي موجودة في متحف القلعة بفرساي الفرنسية.
توفي توفيق طارق قبل أن ينهي لوحة (معركة حطين) فأتمها نيابة عنه تلميذه زهير الصبان، وأصيبت اللوحة بعدة رصاصات حين قصف الفرنسيون مدينة دمشق خلال فترة الانتداب، فقام الفنان رشاد قصيباتي بترميمها.
وبمبادرة من الدكتور عفيف البهنسي مطلع عام 1961، وكان يومئذ مديراً للفنون الجميلة، تم إنشاء متحفٍ لتوفيق طارق من قاعة واحدة في مركز الفنون التطبيقية بدمشق (مركز أحمد وليد عزت حالياً) و قام البهنسي، بصفته تلك، بشراء لوحة (معركة حطين) بمبلغ 3500 ليرة، من ابنة الفنان التي قدمت معها أربع لوحات صغيرة كهدية، أضافها إلى ضبط الشراء. كما تم استعارة خمس لوحات كبيرة من مجمع اللغة العربية، إضافة إلى بضع لوحات تملكها مديرية الفنون.
وبعد وقت قصير اعترض المفتش (مطيع المرابط) على المتحف بحجة أنه غير نظامي وغير مؤهل، فتم إغلاقه، وأعيدت اللوحات المستعارة إلى مجمع اللغة العربية، وأدخلت باقي اللوحات إلى مستودعات وزارة الثقافة. فيما أهديت لوحة (حطين) إلى الرئيس حافظ الأسد الذي أمر بأن تُعلق في القاعة التي يستقبل بها ضيوفه، فكانت موضع اهتمام و استفسار عدد من السياسيين والإعلاميين مما منحها شهرة واسعة. وهي اليوم في القاعة التي يستقبل بها الرئيس بشار الأسد ضيوفه.
إلى جانب المواضيع التاريخية، صور توفيق طارق بأسلوبه التسجيلي وقائع من الحياة السورية وخاصة رحلة الحج التي شارك فيها بشخصه مع عبد الرحمن باشا اليوسف أمير الحج، مدوناً بفرشاته تفاصيلها ومواقعها، إضافة إلى مشاهد الطبيعة والأبنية التاريخية، وصور الأشخاص.
ومن المؤسف أنه لا تتوفر صور، ولا معلومات، عن القسم الأعظم من لوحاته التي توزعت بين سورية ولبنان وفلسطين وفرنسا وإيران، ومنها لوحته (حريق صيدا) التي فازت بجائزة (اليونيسكو) وقامت دار نشر ألمانية بطباعة رسومها التمهيدية على بطاقات بريدية، ولم يعرف عنها شيء بعد ذلك. كذلك مجموعة لوحات اقتنتها شقيقة شاه إيران أثناء الحكم الشاهنشاهي (فروغ الملوك).
وكذلك مجموعة ثانية (يقال أن عددها 39 لوحة) يذكر الناقد الراحل عبد العزيز علون أنها كانت في قصر أبي الهدى الصيادي بحيفا إلى أن افتعلت العصابات الصهيونية خلال الثلاثينيات حريقاً بالقصر، لتسرق اللوحات وتبيعها، ويذكر علون أنه شاهد خلال الثمانينات في معرض بمتحف الشعوب البدائية في باريس مجموعة لوحات لتوفيق طارق سرقتها العصابات الصهيونية واشترى بعضها (شمعون بيريز) وعرضها للبيع بسعر مرتفع.
سعد القاسم
جريدة الوطن السورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق