كتب الأستاذ معن حيدر: قصص وعِبَر


كتب الأستاذ معن حيدر: قصص وعِبَر
بعيدًا عن التقنيات سأحكي لكم هذه المرة مجموعة قصص وأحداث عشتها أو قرأتها ووجدت فيها بعض العِبَر
+أولّها: عندما بدأتْ الفضائية السورية تبثّ نشرة أخبار باللغة العبــرية، في الساعة السابعة مساء كل يوم
كان الهدف منها مخاطبة الشعب اليهودي الذي يحتلّ أرض فلسطين
وصدف أن زارنا بعد فترة، السيد جاك خزمو وهو فلسطيني يعيش في الداخل الفلسطيني، ويعمل في مجال الصحافة والإعلام، وكان يزور دمشق بين الحين والآخر عن طريق عمّان
انتهزنا الفرصة ورتّبنا له لقاءًا مع إدارة الأخبار والعاملين في النشرة العبــرية
بالطبع كان أول سؤال هو عن انطباعه عن النشرة
أجاب بهدوئه المعتاد وبلهجته الفلسطينية الأصيلة المحببة:
رح أكلّْكم بصراحة: يعني أنتو عاملين زي ما بكولوا (حطّ المجنون وسب أهلو)
النشرة لليهود، واليهود ما بيرضوش يسمعوكو وأنتو بتشتمو رئيس وزراهم أو أي وزير
وتكولوا عنو الإرهابي والمجرم، حتى لو كانوا من أقصى المعارضة
بدكو تخاطبوهم بالعقل والحجّة، بدكوش تكولو (السيد) لاتكولو، بس لا تشتمو
+وثانيها: التقيتُ أحد الزملاء الأصدقاء بعد طول غياب
كان معدّا في إحدى القنوات التلفزيونية
فسألته عن أحواله وسبب غيابه، فابتسم محاولًا التهرب من الجواب
وبعد إلحاح قال لي: والله يا صديقي كنت معاقب ومحروم من الشغل
أوف ليييييش؟ والله معاقبني مدير القناة
وتابع: يا زلمة لأنّي حكيت على طبخ أم مدير السكرتير عندو
أجابني بأسلوب كاريكاتوري ساخر
ولمّا رأى الاستهجان على وجهي، أردف قائلًا بنفس الأسلوب:
هادا يا سيدنا فتت على مكتب مدير القناة لئيت السكرتير عندو ناس و هيصة
والمناسبة عيد ميلادو، المهم شاركتْ معهم، وأكلتْ فطيرة ضيّفني ياها
و تشكرتو و هنّيتو، بس من كبر معلائي حكيتلو والله الجبن مالح وكأنّو خامم
وهون غضب الله حل عليّ .. طِلعتْ الفطاير شغل أمو للسكرتير
وهداك يوم وهادا يوم
طيب كيف رجعت؟؟ والله صَلَحتْ السكرتير وبست راسو
و علمتُ لاحقًا أنّ القصة ليست بهذه التفاصيل الكاريكاتيرية ولكن بنفس المضمون
+وثالثها تعود إلى أيام الشباب عندما كانت تأخذنا العزّة والغرور ونردّ الإساءة بمثلها وأكثر
متناسبين كل الأخلاقيات والتعاليم التي ورثناها وتعلّمناها وقرأناها..
في إحدى المرّات حصلتْ حادثة طيش بيني وبين أحدهم في يبرود في نادي الإخاء
سمع عمي الأصغر بها، ولمّا سألني، رويتها له، وبهّرتها قليلًا متباهيًا أنّي رددتُ الإساءة (بأحسن منها)
ولم ولن أنسى ما حييت كلماته عندما قال لي:
يا معن لولا الأسود ما كان ببيّن الأبيض، ولو صار الأبيض متل الأسود ما بعود في فرق بيناتهن
+ورابعها ما ورد في كتب التراث عن صيحتين أشعلتا فتنة:
-صيحة قتلتْ مَلكًا وأشعلت حربًا بين قبيلتين
((فصاحتْ ليلى:
واذُلَّاه، يالَتغلب
ثارت الدماء في عروق ابنها "عمرو بن كلثوم" ، واستَلَّ سيفه، وضربَ به رأس "عمرو بن هند"، ونادى في جماعته من بني تغلب، فأقبلوا عليه ونهبوا الغنائم وسبوا النساء))
-وقبلها كانت صيحة أشعلتْ حربًا مشهورة دامتْ أربعين عامًا:
((فصاحتْ البسوس:
واذلاه!
فقال لها: لكِ بناقتك ناقة أعظم منها، فأَبتْ أنْ ترضى
ثم نقرأ:
فعطف "جسّاس بن مرة البكري" ابن أختها على "كليب بن ربيعة التغلبي" فأجهز عليه
ووقعت الحرب بين بكر وتغلب ابني وائل))
-ولاتزال الصرختان تدوّيان حتى يومنا هذا، بمتحوّراتها كافة القبلية والعرقية والدينية والجغرافية
وأخرها متحوّر الطائفية
+وأختم أخيرًا بشعر جميل للشاعر "ابن نباتة الأندلسي":
لي من نصيب هواك سهمٌ وافرٌ ... وسهام سحر من جفونك ترشق
وقرأت في خدّيك بعد تأمل ... ... خطًّا به حبّ القلوب معلّق
ورزقت من جفنيك ما حسد الورى / حظّي عليه وهو رزق ضيق
زال الصبا ونأى الحبيب فعادني ... أرقٌ على أرق ومثليَ يأرق
وإلى اللقاء
معن حيدر
29-01-2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق