دوّنت فاطمة فرواتي عن حال معلّمي ومعلّمات سورية:


دوّنت فاطمة فرواتي عن حال معلّمي ومعلّمات سورية:
ماذا يعني أن تختار عملك كموظف ضمن قطاع التعليم الحكومي في سوريا؟ كونك مدرس على وجه الخصوص؟
هل الحقيقة هي فقط..أنهم مجرد موظفون...في الغالب، مولعون بالروتين وبلا طموح أو ابتكار كما تتم النمذجة؟
لا أحاول نفي النماذج الغير مرضية، ولكنني أحاول أن أنفي التعميم...تعميم نظرة 'الأقل' التي تحدث للأسف لمن اختار العمل ضمن القطاع الحكومي..
هل وقفنا أساساً لنسأل من ساهم ببناء تلك النظرة والهوية؟ وهل يمكن للطالب أن يحب المدرسة ويقدر كل التفاصيل في رحلة التعلم والمعلم، وهو يسمع بتعميم لاوعي فيه "كله على بعضه أستاذ بالمدرسة"؟
أوليست النظرة الحقيقة في أساس التعريف الأول...أن التعليم كمهنة وأسلوب حياة، هي أساس تجليات الجمال والفكر ...فهي 'مهنة الأنبياء' وهي التي تخلق كل المهن!
ولنقف قليلاً عند 'كل' المهن...
فالمعلم هو أيضاً من يجلب بحب وبفكر وبإلهام..العالم الخارجي للصف!
أوليست رسالة المعلم الأولى هي صناعة وقيادة التغيير الإيجابي وبناء رأس المال البشري، رأس المال البشري الذي يعتبر 'قطعة البزل' الأساسية لأي أثر يلمس الحاضر ويتجلى في المابعد وفي المستقبل؟
ماذا لو تمت الإضاءة على النماذج القدوة والتي تحمل عقلية النمو والابتكار والتعليم كقضية؟
ماذا لو ارتبط نيشان التقدير على الدوام..بمن اختار العمل ضمن مهنة التعليم في القطاع الحكومي..وكان قدوة بسلوكه وحبه الذي يغمر تفاصيل عمله كقيمة مضافة؟
لأخبرك عن القدوة..القدوة، أن أقابل مديراً لمدرسة في المناطق النائية يستمر في الاخلاص لقضيته..رغم صعوبة العمل والظروف والمواصلات، ويجعلني أقف لإنسانيته وهو يؤثر أن تصل التدفئة لطلابه، حتى على نفسه، قائلاً : "أنا إذا دفيو الطلاب، فأنا دفيت." ولم يكن القول، مجرد قول، لقد كان فعل لمسته لأعوام، هناك!
وأن أجد الشخصيات في المناصب العليا تعلم الحياة والقيم بلفتات سلوكها الإيجابي، بكلمة وفعل مسؤول... وكيف يتعلم الطلاب احترام وتقدير المعلم بسياسات المدرسة وإدراتها. وباق لليوم ولغد في الذاكرة.. كيف كان حتى من هو أعلى مني منصباً يقف عند دخولي لمكتبه ويعلم الطلاب كيف يقدرون التعليم حين يحفزهم..وحين يشكر المعلمين على الملأ بلفتات إنسانية ومهنية، هي تفاصيل صغيرة تتشكل في الوعي واللاوعي....لقيم كبيرة!
ولأخبرك عن البطولة الحقيقية التي تتجلى في أن يصل المعلمون لمدارسهم...
والمسافرون للمناطق النائية ثم يضعون تكاليف أجور النقل..والتي قد تكلفهم نصف رواتبهم أو أكثر، عدا عن التعب الجسدي الذي يبذل بحب في سبيل قضية التعليم، ومن ثم أجد رغم صعوبة كل الظروف من يشتري على حسابه الشخصي وسائل تعزيز وتحفيز للطلاب دون أي شروط، فقط ليجد ضحكة..ضحكة تأخذك للأمل في كل مرة، على وجه طالب!
باستثناء داعمي وحاملي القضية الحقيقين، نحن ببساطة نحتاج لمن يفهم ويحب القضية بحق ويقدر أنصارها! نحن لا نحتاج أقوالاً أمام الكاميرات وحسب...ومشاريعاً لا تراعي الأولويات حقيقة وبشكل مدروس لتغيير الصورة النمطية عن التعليم وعن المعلم في القطاع الحكومي..وخصوصاً من قبل الجهات الغير حكومية، التي في الغالب تدعي حمل مسؤولية المشاريع تحت شعارات 'التنمية والتعليم' ...ثم لا تضيء على أولويات القضية ولا تأخذها ضمن دوائر الأفعال، لا نحتاج في بدايات التغيير الإيجابي لأدوات غير مدروسة فقط لنخبر الجميع أننا ندعم القضية..بالاسم!
لا نحتاج حملات بلا وجهة تدعم أساس القضية، لا نحتاج 'برشور' لا يستطيع قراءته شخص أمي في المناطق النائية! وأسامي أماكن وأشخاص ندرجها في التقارير وأرقام لنحقق هدف، بلا قياس للأثر. لا نحتاج شعارات رنانة وملصقات إعلانية على حافلة، تلك الميزانيات الضخمة....كان من الممكن أن تكون دعماً ليصل المعلم لمكان عمله وهو على الأقل متمتع براحة جسدية ونفسية ومادية، كان من الممكن أن تكون دعماً يساهم بمساعدة الطلاب على الحصول على محفزات، على وسائل تعليمية متطورة، على تفاصيل تساعدهم 'حقيقة' في رحلة التعلم بكافة جوانبها وأركانها وحاجاتها!
نحن اليوم بحاجة تبني مشاريع حقيقية، مشاريع من أرض الواقع ...لأرض الواقع لتساهم بتغيير نراه وليس 'بما يجب أن نراه'، بحاجة للحفاظ على رأس المال البشري ضمن قطاع التعليم...
فلن تبقى، لن تنتمي، لن تعود..روح وقلوب وعقول الطلاب للمدرسة إذا لم يقعوا في حب المدرسة كبناء يجلب العالم لداخلها وليلمسوه كل على طريقته، وكأنها بلا أسوار..
إذا لم يقعوا في حب المعلم الكفؤ المغدق الذي يتم تقدير مجهوده...
لتصبح رحلة التعليم في جملة عاهدت نفسي أن يتم إخبارها لكل الطلاب في أول مرة نلتقي: "أنا ما بدي تجوا بس لأنو لازم تجوا، أنا بدي تجوا لأنو حابين تجوا."
ولنتذكر جيداً:
أن كل هذا، كل التغيير الإيجابي، لا يمكن حدوثه أو استمرار حدوثه_كما أساس الحب_إلا بالأفعال...
بالأفعال.
فاطمة فرواتي
Fatima D. Farwati
*صورة في حلب - أنطون مقديس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق