دوّنت بتول ملبنجي:
من يُنقذ الأطفال من الشارع في سورية؟
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة ليست من المتسولين وليست من المتشردين بل العمالة، بسبب الفقر وصعوبة الظروف المعيشية، أطفال العمالة يقومون بجمع أكياس النايلون والكرتون من النفايات، وسط العاصمة دمشق، ظاهرة مؤلمة ومنتشرة لدرجة كبيرة، نراهم في الطرقات يأتون من مناطق بعيدة أو منكوبة، بعضهم من يملك مشغليه شاحنات صغيرة يجمعون فيها هذا النايلون والكرتون، أو يحملون على أظهرهم أكياس كبيرة مليئة بالذباب ومتسخة، يمكنك استنشاق رائحتها من مكان بعيد سعياً لكسب الرزق، هذا مفهوم وعمل رئيسي وليس مزحة، كيف؟ ومن يشتري منهم هذه المواد؟
اعتمد بعض التجار على شراء هذه الأكياس من الأطفال لإعادة تدويرها والعمل بها من جديد، مقابل سعر بخس، يحسبونه على الميزان، فكلّ كيلو يساوي 500ليرة سورية تقريباً، بينما الأطفال يجمعون أكبر كمية ممكنة من النايلون والكرتون؛ للحصول على المال، والذي يثير التساؤل هو إدمانهم على الدخان، فمع صعوبة عيشهم وصعوبة جني المال تراهم يحملون السيجارة بأيديهم معتبرينها وسيلة للتنفيس عن همومهم الكبيرة..
وهؤلاء الأطفال بعضهم أيتام ومنهم بلا مأوى، أو فاقد الرعاية، مأساة كادت تنهش قلوبنا وتدمع لها الأعين فما كان ظننا بأجيال المستقبل، من الصحيح أنهم يسعون للرزق دون الشحاذة ولا يمدّون يدهم للآخرين أو للحرام كالسرقة، رغم صغر سنهم فأعمارهم تترواح بين 6-17 سنة، تميّزهم بشرتهم السمراء المتّسخة التي توحي بالكدّ الذي يعيشونه والعيون البرّاقة التي تروي لك قصص فيها من الألم والمعاناة ما يكفيهم، إلى أين يصل بنا المطاف إذا استمرت هذه الظاهرة، وهل هي خطيرة بالفعل؟
إنّها من أبشع الظواهر فهي توحي للفقر الشديد في البلاد، وحاجة للمال بطريقة تدهس على كرامة الإنسان، وإذا استمرت بشكلٍ كبير فستصبح مهنة عادية مثل باقي المهن، وخاصة إذا وجد التجار منها مصلحة مهمة لموادهم التجارية، وهؤلاء الأطفال والشباب يومياً وفي كلّ أوقات عملهم يتعرضون للتحرّش من قبل النّاس بين الحارات، وللتحرّش من التّجار مقابل المال، أيضاً يتعرضون للتنمّر وهذا له أثر كبير على صحتهم النفسيّة والمعنويّة ويشهدون مواقف من العنف الجسدي والنفسي- وقضية أخرى- انّنا نخشى من التّجار الذين يتعامل معهم هؤلاء الأطفال والشباب من هُم؟ وما مدى أمانتهم؟ولصالح من يعملون؟ماذا لو كانت عصابات تستدّرج الأطفال لمثل هذه الأعمال للتجارة بالأعضاء وتجارة المخدرات فيما بعد؟
إنّه بالأمر الخطير وليست مهنة آمنة ولا جيدة، إضافة على كلّ ذلك الكلام، هي مظهر يسيء للحضارة والتقدّم في البلاد، إذن فما الذي تحدّثت عنه الجهات المعنيّة بخصوص عمالة الأطفال؟
نشرت وكالة "سانا" أنهُ بحسب المادة 36 من القانون: تطول العقوبة صاحب العمل إذا تمّ تشغيل الطفل وكان عائقاً لتعليمه، أو تسبب بضرر على صحته أو على نموه البدني أو العقلي والروحي والمعنوي أو الاجتماعي، ويقول الفصل السادس من القانون بأنه يُحظر تشغيل الطفل الذي لم يتم الخامسة عشرة من عمره، ويُحظر استغلال الطفل اقتصادياً أو في أداء يرجح أن يكون خطيراً، فهل ينّفذّ القانون بالفعل؟
وخاصة بعد غلاء المعيشة وازدياد نسبة الفقر، لدرجة تجعل الأهالي يسربون أبناءهم من المدارس والتعليم كي يواصلوا عملهم لكسب لقمة العيش! وفيما بعد ينصّ القانون على من يرتكب أي مخالفة من المادة 36 يعاقب بغرامة قدرها 50,000 ل.س خمسون ألف ليرة سوري كلّ هذا، دور الجهات المعنيّة في عمالة الأطفال، فما هو دور المجتمع؟ وكيف يمكن مساعدتهم؟
بما أنّ الأطفال في الطرقات يمرون من أمامنا بالصدف فيمكن في الصيف أن نقدّم لهم الطعام، ومن الممكن أن تعطيهم قبعات لتحميهم من الشمس، ولو كنت تاجر، أو بائع أو صاحب مصلحة، فهذا دورك الأهم اتجاههم، بأن تشركه في عملك، وتساعده على جني المال بالطريقة الأسهل والآمنة والحلال لكونه طفل ولأنه فرد من المجتمع له حقوق وواجبات مثل أيّ طفل آخر وكي تحميه من أيّ أذى فهذا دورنا في المجتمع، وإن استطعت أن توصلهم بإحدى الجمعيات الخيرية لتتكفلهم فلك الأجر.
يمكنك أن تتشارك كلّ ذلك مع أصدقائك، أقاربك، إحدى المؤسسات أو الجمعيات، ونحن بشر نسعى دوماً لأن نساعد بعضنا بعضاً وخاصة في هذه الأيام الصعبة والمحن القاسية، فما ظنك بأطفال يجب أن يكونوا في المدارس وهم محرمين منها ولا يملكون أدنى الوسائل التي تحميهم أو تعلمهم أو ترعاهم، كن أنت دائماً التغيير!
بتول ملبنجي
الصورة: سيار - Saiyar العامل مع الأطفال المشردين في سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق