كتب حاكم المصرف السابق د. دريد درغام:
العقارات للسوريين: حلم أم استحالة؟
تعلن وزارة المالية دورياً مؤشرات البيوع العقارية "لتحليلها، واستخدام النتائج في عمليات التخطيط المنهجي المتعلقة بالسوق العقارية، وبالتالي يمكن وضع الاستراتيجيات والسياسات واتخاذ القرارات المطلوبة بأقل مخاطر، نظرا لإزالة عدم التعيين والغموض والمزاجية في تقييم السوق. سيتم تطوير المؤشرات والتوسع بها لتوفير أوسع قاعدة بيانات ممكنة عن السوق العقارية في سورية".
تذكر الوزارة أنه بين 3 أيار و4 تشرين الثاني من عام 2021 تم 110 ألف عقد بيع عقار و101300 عقد إيجار وتستحق هذه الأرقام المنشورة عدداً وقيماً نقاشاَ موسعاً نختصره بالتالي:
1- بالنسبة لعقود الإيجار وباعتبار فترة الرواج في الربيع والصيف يمكننا التقريب إلى 200 ألف عقد إيجار سنوياً. وبفرض أن معظم عقود الإيجار تكون عادة لأقل من سنة وبالتالي تتجدد سنوياً. وباعتبار عدد الأسر السورية وطلاب الجامعات المستأجرين وغيرهم، لوجدنا أن نسبة عدد السوريين المستأجرين ضئيلة جداً مقارنة بعدد القاطنين أو الراغبين بالسكن بمفردهم. ولكن هذه الحقيقة لا تعني التسرع باستنتاج مغلوط قد يقود البعض إلى أن معظم السوريين من مالكي العقارات!!
2- بالنسبة لعقود البيع في كل البلاد حسب تقرير الوزارة تصل القيمة المقدرة لمجموع القيم المنفذة إلى 4422 مليار ليرة. ولا يذكر التقرير توزيع العقارات بين أراضي ومنازل ومكاتب ومحلات. ولكن لو أخذنا ثلاث محافظات فقط وافترضنا من باب الحيطة وبشكل وسطي متحفظ جداً أن وسطي سعر العقار عموماً في دمشق 150 مليون وفي ريفها 50 مليون وفي حلب 100 مليون فقط لوجدنا أن مجموع قيم العقارات المباعة بهذه المحافظات الثلاث لوحدها يتجاوز المجموع المذكور لكل سورية.
لذا يستحق الأمر الدعوة لمناقشة أعمق بخصوص ما يلي:
• إن نسب العقود المنفذة شراء أو استئجاراً هي نسب أقل بكثير من الحقيقة وهذا يعني أن السوريين يجدون حلولاً تكافلية تضمن حقوقهم بعيداً عن الروتين والعقود الرسمية وقد يكون انتشار هذه الممارسات أكبر في الأرياف وفي مناطق السكن العشوائي. وهي حلول لا تسمح بتحليل جيد لمعرفة أصحاب الحظ في امتلاك هذه العقارات.
ونعتقد أن إعادتهم إلى الحلقة الرسمية لا تكون بالقسر وإنما بالإقناع وبالترغيب. وإذا كان العقار في السابق حلماً للطبقة الوسطى او الفقيرة فقد تحول مع الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات إلى استحالة تدفعه إلى خيارات سلبية لم تكن بهذا الانتشار سابقاً.
• يبدو أن الكتلة النقدية المتحركة من خلف عقود العقارات أكبر بكثير مما تشي به الأرقام المعلنة أو تلك التي تمر عبر الحلقة المصرفية سواء لغياب الثقافة المصرفية أو خوفاً من الضرائب. وهذا يتطلب التعمق في حقيقة الكم الهائل لأرقام مقابلات عمليات بيع الأموال المنقولة وغير المنقولة لمنع التداعيات السلبية التي قد ترافقها مستقبلاً.
• بناء على كل ما تقدم، لا بد من مقاربات جديدة تسعى لطمأنة المواطن والتاجر والصناعي في مواجهة كل من ارتفاع الأسعار (وخاصة العقارات التي غدت أهم ملاذ ادخاري مقارنة بغيرها منذ بداية 2021) وقيود السيولة وأجواء القلق المتزايد من منظومة نقدية وضريبية موجودة أو منشودة يجهلها أو يصر على تجاهلها الكثيرون.
د. دريد درغام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق