"في درعا ودير الزور لا مكان للترف التنموي ولا لألفاظه، حيث لم اجد المواطنة ولا الريادة ولا SWOT ولا SMART لا ذكر للنسوية او الجندرة، ولا جي بي ڤي، ولا ذكر ايضاً لأهداف التنمية المستدامة.." كم تبعد عن دمشق ؟؟
مابين دمشق ودرعا 110 كم وما بين دمشق ودير الزور 540 كم و ما بين دمشق وبينهم تقوم جبال من الفروقات والتمييز في التنمية والتوجه والمستقبل والمال..
كان الطريق الى درعا جميلا بين مروج خضراء ايضا وتلال متوسطة الارتفاع وبين جامعات خاصة وظروف خاصة، بينما الطريق الى دير الزور تتقاسمه الصحراء مناصفة عبر ثلاثة ساعات موحشة مع ثلاث ساعات ترقب بين ريف دمشق وحمص وصولا الى الفرقلس حتى حاجز البانوراما دخولاً للدير تجربتي في العمل الاداري والتدريب قادتني الى محافظتين بعيدتين نسبياً.
في درعا كنت ارى الترقب في العيون والضياع في التوجه والخطة, كنت ارى محاولة التغلب على الواقع، والمبالغة في مدح المسؤول المحلي.
وعلى طول الطريق الواصل اليها كنت خائفاً من كل شيء .كان كل شيء هادئاً بشكل مستفز ومريب، في الطريق لدير الزور لم تفارقني للحظة صورة باب بيتنا وانا اغلقه متوجها الى السيارة التي ستاخذني الى الدير حيث كنت اسال نفسي هل من الممكن ان لا اراه ثانية؟ كان الخوف يقطع انفاسي فمنذ اشهر تم استهداف باص مبيت على ذات الطريق.
وعند وصولي رأيت مدينة مدمرة لم يبقى منها سوى بضعة أحياء على اطراف المدينة, وركام مدينة ربما كان جمالها يضاهي احياء دمشق او بيروت, رايت ايضا شعبا جبارا مثقفا, لكنه غير مترف ولا متخم بالاهتمام الحكومي او التنموي ولا وقت او رغبة لديه في ان يلوم احد..
في درعا ودير الزور لا مكان للترف التنموي ولا لألفاظه حيث لم اجد المواطنة ولا الريادة ولا SWOT ولا SMART لا ذكر للنسوية او الجندرة ولا جي بي في ولا ذكر ايضا لاهداف التنمية المستدامة اوضرورة التثقيف الجنسي للاطفال ولا احصائيات المعنفات او المتسربين من المدارس, ولا مكان ايضا لاحاديث بناء السلام والتماسك والحوار, ولا ذكر لاي حديث حول شراكة مدنية مع القطاع الخاص.
في درعا ودير الزور لم يحدثني احد عن العمل المدني ومنظماته وانه لا حل الا باشراكه قطاعا ثالثا فاعلا ولم ارى موظفي ال NGOs في كافيهاتهم المعتادة ولم اسمع كلمة بروبوزال او M& E او مانديت ولا بوزيشن او جوب ديسكريبشن ولا اوديتينغ ولا حتى جملة تقييم الاحتياج المجتمعي او فاينال ريبورت..
في درعا ودير الزور كان الهم الوحيد والشاغل الاساسي هو: كيف نستطيع ان ننهض الان وبسرعة وبدون تاخير، وكيف نستطيع ان نقف ونتابع سيرنا, وكم سنة او عقدا من السنين يلزمنا لنلحق بركب هذه الكلمات والافكار, سالني احدهم وانا المدرب العادي جدا الذي لا املك سلطة اذا كان بامكاني ان اجعل الكهرباء تاتي لمدة اطول. فقلت له انً لا استطيع , فقال لي : ( انتم بالشام تعرفون مسؤولين ...سعو لنا بالموضوع)
يقول من قابلتهم هناك في درعا ودير الزور ان الشام جنة وحلمهم في ان ياتوها ويشتغلوا ويسكنوا فيها, اسمع انا هذه الجمل وادخل في غيبوبة الصدمة وهول الجملة, ان اطنان الاهتمام والتركيز ومئات الجمعيات والمنظمات وعشرات الادارات المركزية هي من صنعت هذا التصور في اذهانهم, فالشام مغرية لكل من يرد العمل لانها الاقرب والاسهل وصولا والاقل حاجة والالمع اعلاميا .
لكنها وعن غير قصد اكلت كل الكعكة
مابين دمشق وبين البقية هو بوصلة التنمية التي اضاعت وجهتها وتوقفت في دمشق فقط.
كريم الكريم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق