أيقونات سوريّة: آديل برشيني
في الخريف أتقمص جسدي البائس كي أدخل في جو روحي أثيري، فأشعر بالاشتياق للغابات والجبال، للصمت والأزهار البرية، وأتململ، في روحي وجع غامض، وأصبح كتلة أعصاب مرهفة ترصد الكون بصمت الصمت الذي لايعرفه غير اﻷنبياء، هم من يعرفون الصمت دون أن تدمرهم العزلة، فكم جميل أن تلتحم أرواحنا بالصمت الصوفي.
بهذه الإجابة الهائمة مع الطبيعة وماوراء الطبيعة، بدأت الشاعرة الممثلة آديل برشيني، وتابعت:
هل يسأل اﻹنسان قدره عما يريد منه، والقلب لماذا ينبض والسنونو لماذا يهاجر؟ وها أنا أستعيد صورتي الحقيقية ووجهي الحقيقي، استعيد الفرح المقموع معكم، من خلال حواري مع “البعث الأسبوعية”.
امرأة الفرح والألم
وعن حكايتها مع الحياة وتحولاتها، أجابت: أنا كما عهدتني امرأة الفرح ﻷنني تمزقت كثيراً ومازلت قادرة على اﻷلم من جديد في حكاية إنسانية، دفعت لأجلها ثمناً باهظاً من حياتي لكي أنتزعها من فك الرتابة، أصولي ريفية من قرية صغيرة اسمها برشين التي علمتني المحبة والعطاء بلا حدود، كانت ملهمتي في ليلة ربيعية عذبة تفجرت خضرتها صرخات سرية النداء، ففهمت عليها، وفهمتْ عليّ، وكان عليّ أن أخرج أجنحتي وأطير من حيث لا أدري وإلى حيث لا أدري.
رسائل مع العجيلي
ماذا يكمن بينك والشعر؟
ردّت: بيننا عالم لا تحدّه الكلمات، وعلاقات من الصور والأحداث والمشاهد والموسيقا، وأجراس بين الواقع والمخيلة، لذلك، التحفت الشعر ورحلت معه، وأصدرت كتبي، ومنها (الطيور المهاجرة، الزجل، أوجاع اﻷسئلة، عندما تغني الروح، رسالة محبة للوطن، نخب الرماد، ووهج الصمت الذي أنتظره مع غابة الطيب وكتاب أدبي يضم رسائل من كان لي الصديق واﻷستاذ واﻷخ عبد السلام العجيلي).
رقص ومسرح
متعددة المواهب الفنية، فماذا بينك والرقص والمسرح؟
ابتسمت مجيبة: لديّ شغف فني، علّمت رقص السماح مع الفنان حسن بصال، وكانت لي أيام جميلة بفرقة تكونت من أجمل الطالبات اللواتي قدمن أجمل اللوحات، في العديد من المناسبات.
التدريب على الرقص يحتاج إلى ثقافة أيضاً، لأن كيفية الأداء تتعلق بالرقيّ، ورقص السماح فنّ من الفنون الراقية، لأنه يناغم بين الجسد والروح والعقل والموسيقا وإيقاعات القلب والمعنى، تماماً، كرقص “الباليه” و”اليوغا”.
وأضافت: بيني وبين المسرح حكايا إنسانية لا تنتهي ولا تلخص، مشاعر وأحاسيس لاتوصف، عملت في المسرح لعشر سنوات بصحبة فناني حلب، مثل عمر حجو، أحمد حداد، خليل حداد، يحيى حموي، محمود حامد، هدى ركبي، عهد فنري، وكم أتمنى أن يعود للمسرح ألقه لأهمية دوره في تثقيف المجتمع، وأهمية منصته التي تعكس هموم المجتمع.
مع إذاعة حلب
وعن علاقتها مع إذاعة حلب ودورها الثقافي، قالت: قدمت برنامج “ترانيم أدباء من حلب” الذي استمر سنتين إلى أن شنت علينا الحرب النكراء، استضفت العديد من الشعراء، منهم محمد كمال، محمود فاخوري، بشير دحدوح، إبراهيم كسار، ليلى مقدسي، فواز حجو، سلوم سلوم، مأمون قباني، ودونت تلك اللقاءات في كتاب، ولكنني عندما سلمته للأستاذ عبد الخالق ليكتب مقدمته تركته في مبنى الإذاعة التي هجم عليها الإرهابيون، فضاع، وما زلت أشعر بالحزن.
وعن واقع الثقافة والشعر والفن في المشهد الحلبي أجابت: لم يعد كما كان، لأننا في حرب دائمة ضد قوى الاستلاب التي تشوه إنسانية الفرد العربي، وسنظل في حرب مستمرة من أجل أن تشرق الشمس من جديد، لذلك، أرى أن علينا الاستمرار بجهد أكبر، وأن نتخلى عن سلبيات المشهد، وأن نكون موضوعيين، وأن يكون هدفنا العطاء من أجل المصلحة العامة، ولن يكون ذلك مجدياً إلاّ إذا تخلى الإنسان عن سعيه لشهرته الخاصة، وأنانيته، واستيعابه للجميع من كافة الأطياف، لأن التنوع مفيد فيما إذا وظفناهُ إيجابياً، وأن نبتعد عن الشللية الهدامة، وأن نتخلص من الشوائب المعتمة، لتشرق الشمس بنقاء جديد.
شاعرة وشاشة درامية
هل تشعرين بعلاقة بين الشعر والتمثيل؟ ما هي؟ لماذا؟ وكيف؟
رأت برشيني أن الشعر لا ينفصل عن التمثيل، لأن الفنان من مهمته خدمة الحقيقة والوطن وإيصال المعاناة الإنسانية ومقاومة الشر مهما كان الثمن، الممثل والشاعر والإعلامي الكل مسؤول، وكلٌّ من موقعه، سواء من خلال القصيدة أو الشاشة أو وسائل الإعلام.
وأكدت: أنا وجه واحد لحقيقة واحدة تصورها الكاميرا حيناً، وريشة الشعر حيناً آخر، وشاركت في العديد من اﻷعمال الدرامية، منها خان الحرير، الثريا، عرس حلبي، العاشق، ربيع بلا زهور، حوش العيلة، طرة ولاّنقش، وآخرها مسلسل حارس القدس، وكان دوري والدة للفنانة أمل عرفة، ومسلسل “لأنها بلادي – إخراج نجدت أنزور”، الذي مثلت فيه دور والدة شهداء سبعة أحفاد.
صالون أدبي
ترى، ماذا قدمت الصالونات الأدبية في حلب من إبداع واكتشاف للمواهب الجديدة، لا سيما المعاصرة، ومنها صالونك الأدبي؟
أجابت: افتتحت صالون أديل برشيني الأدبي في الثمانينيات، كان يضم العديد من أدباء حلب، وكتب عنه الكثير، لكنه توقف لسببين، وفاة البعض، والحرب التي شنت علينا، وبعد الانقطاع، واصلت افتتاحه إلاّ أن وباء كورونا أجبرني مرة أخرى على إيقافه، آملة أن نعود معاً من جديد، فهذا الصالون كوّن شخصية أديل الأدبية، وساعد على اكتشاف مواهب جميلة كانت تنطلق في نادي التمثيل العربي.
ولفتت إلى دور الصالونات الأدبية: إنها ليست للاسم فقط، ولا للشهرة، لذلك، أتمنى أن تكثر الصالونات الجادة وتقل الشللية.
حلب و”الزلملك”
ولكن، لماذا ذكورة القصيدة تتغلب على أنوثتها في حلب؟ هل هو أسلوب “الزلملك”؟
أكدت برشيني: هنالك مزايا خاصة في كل عمل أدبي مبدع، ولا أتقبل حكاية أدب الحريم، هذا التصنيف خاطئ بحق اﻷدب، لأن اﻹبداع ليس مؤنثاً ولا مذكراً، ومن له أذنان فليسمع الصواب، وهذا التصنيف، ظلامي، بلا شك، لأن العقل المستنير لا يحتاج لضوء كي يرى الحقيقة.
سورية مركز الثقافة العربية
كيف نعيد المدار التنويري إلى فضائه بعد الحرب الظلامية وانتصار الإنسان والوطن؟
أتمنى لوطني أن يعود أفضل مما كان، فقد قدمنا عشرات الآلاف من الشهداء، من الجيش والأهالي، وسورية كانت وما تزال المركز الثقافي في الوطن العربي، والمركز الحضاري للعالم، وأطمح أن يكون دور الأديب حقيقياً للإشعاع، وأن نبدع بالرؤيا، من أجل إعادة النهوض مع الوطن الحبيب، وأؤكد أن الرصاصة والقلم سلاحان فعالان في زمن الحرب، لذلك، على الأديب والفنان والإداري والمسؤول والمواطن أن يقدموا خبز الروح والفكر والعمل، لأن الوطن هو القصيدة والإنسانية والكرامة والوجود والانتماء والهوية والأمل.
حروفي سوط نار
ما أحلامك؟ وهل ستصمد وتزهر، أم أنها تشبه أوراق الخريف؟
أجابت: تتوق حروفي لأن تكون لمسة حنان في ليل الكفاح الإنساني، وسوطاً من نار يلسع أفئدة من خرب ودمر، وأن تكون صرخة الفرح والانتصار، وهذا ما تعلمته من برشين الواقعة قرب حمص، الواقفة على جبل شامخ، بطبيعتها الخلابة، أنا المولودة في حلب عام 1958، ودرست في المعهد الرياضي-اختصاص عسكري، عملت مدربة عسكرية في المدارس، وكنا نعلم الطلاب محبة الوطن، أحببت مهنتي، ودرّست التربية الرياضية، أيضاً، في ثانويات حلب.
ما رأيك بالواقع الحالي للتعليم والمناهج؟
أتمنى أن تعود التربية العسكرية، فجيلنا بحاجة إلى الالتزام، والالتزام متنوع، منه الانضباط، المحافظة على الوقت، الاهتمام بالصحة العقلية والجسدية، محبة العائلة والمجتمع والمدرسة، محبة الوطن والتعلّق به، والدفاع عنه، من خلال الالتزام بالعلم والأخلاق والتعلّم والمعرفة والأدب، وعلينا أن نشجع من نرى فيه الموهبة، من خلال إقامة مهرجانات للشباب.
وأضافت: مناهجنا بحاجة إلى إعادة نظر من كافة النواحي النفسية والاجتماعية والثقافية والعلمية، والاهتمام بالأدباء المعاصرين، والمخترعين المعاصرين، خصوصاً، السوريين والعرب، ولا بد من أساليب تعليمية مناسبة، مشوقة، إضافة إلى ضرورة تعويد الطلاب منذ المرحلة الابتدائية على الاستعانة بالمراجع المناسبة من كتب وقراءات ورقية وإلكترونية، ليكون الهدف العلم والعمل به، لا التعلم، فقط، من أجل الحصول على الشهادة من أجل العمل والوظيفة والمنصب.
غالية حويجة
مجلة البعث الأسبوعية
03-11-2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق