كتب الأستاذ معن حيدر: من الذاكرة ... دمشق الستينيات
بدأتْ حكايتي مع دمشق منذ خريف عام 1962، في مطلع العام الدراسي وكنت حينها في الصف الثالث الابتدائي
ولا أزال أذكر مشاعر الاندهاش والرهبة والسعادة التي تناوبتني في بداية إقامتنا في مقرنا الجديد دمشق التي انتقلنا إليها من يبرود عبر حلب
أذكر مثلًا كيف خضتُ أول تجربة في التجارة، وكانت آخرها، وخسرتُ فيها كامل (خرجيّتي) الأسبوعية مع (زَوْرة) عتب من من والدي
ذلك عندما شجّعني زميل لي أصبح من أعز أصدقائي، وهو ابن تاجر دمشقي معروف في سوق الحميدية، أنْ نشتري (لومي) بالكيلو من سوق الهال ونبيعه بالواحدة للطلاب ..
وأذكر أيضًا بالتفصيل بعض الأحداث السياسية التي عشناها في دمشق في تلك الفترة، وسأحاول روايتها لكم كما أذكرها تمامًا:
+في الفترة بين خريف 1962 وحتى 8 آذار 1963، وهي آخر عهد الإنفصال، شهدنا في المدرسة عدة إضرابات، وكانت تلك الكلمة جديدة على مسامعي
أثناء الفرصة كنا في الباحة عندما تجمّع عدد من المتظاهرين خارج باب المدرسة وبدأوا يهتفون: إض..رااب
أطلّ علينا المدير من أعلى الدرج وقال: اصعدوا للصفوف وخذوا حقائبكم واذهبوا للبيت مباشرة، إلى البيت وإلّا ...
صاح الطلاب بصوت واحد فرحين: هييييييي ... ع الصْرِيفة ما في عنّا وظيفة
يومها تبعتُ المظاهرة أنا وزميل لي حتى وصلتْ لأول العمارة فعدتُ إلى البيت خشية الضياع
كانوا يهتفون هتافات لا أتذكّرها، ولكن أعتقد أنها تتعلق بالمعيشة وليست سياسية
تكرر ذلك مرتين أو أكثر
حتى جاء صباح يوم 8 آذار 1963 (لا أذكر بالضبط أي يوم من أيام الأسبوع، ولكن غوغل قال لي إنّه يوم الجمعة)، عندما استيقظنا أخي الأكبر وأختي وأنا كعادتنا مبكّرين لنجد والدي، على غير العادة، في غرفة الجلوس وأمامه (عدّة المتة) وكأنه وصل لتوه من الخارج فقد كان بلباسه الخارجي الكامل، وكان خلفه راديو الترانزستور يُصدر صوت موسيقى حماسية
في تلك الأثناء شاهدنا من شبّاك الغرفة مصفحة تقف أمام بناء مقابلنا يسكن في طابقه الأخير العميد موفق عصاصة، نزل منها جنود مسلحين، علمنا لاحقًا أنهم (المغاوير)، صعدوا إلى الملحق وقفزوا إلى منزله لاعتقاله، إلّا أنهم لم يجدوه، وكان آنذاك قائد سلاح الهندسة على ما أعتقد
وفي الساعة السابعة والربع سمعنا في الأخبار من إذاعة دمشق:
البلاغ رقم واحد ... منع تجول ... مجلس قيادة الثورة ...
وتردد اسْمَيّ: لؤي الأتاسي وزياد الحريري
+وتقفز الذاكرة إلى عام 1963 وبالتحديد يوم 18 تموز الساعة الرابعة بعد الظهر، وكان يوم خميس كما ذكر غوغل
عندما سمعنا أصوات إطلاق نار قوية ولكنها بعيدة، وكانت في البدء أصوات رشاشات (مترليوز كما كانت تسميته آنذاك)، ثم أصبحت أصوات قذائف مدفعية م. ط
سمعنا طرقًا قويًا باليد على باب البيت وعندما فتح أخي الأكبر كان البقّال صبحي يحمل خبزًا ناوله لأخي، الذي سأله: أبو مازن شو في ؟؟
-ما بعرف شو في ... هلأ خود الخبزات ما بتعرف شو بصير و تْركني كمّل توزيع ..
وبعد ذلك بدأنا نسمع أصوات إطلاق نار كثيف قريبة من منزلنا في القصور
علمنا فيما بعد أنها كانت في موقع سلاح الإشارة في ساحة التحرير، حيث قام مجموعة من الضباط وصف الضباط بالعصيان فيها برئاسة العقيد هشام شبيب
وأنّ مجموعة الاستعصاء في ساحة التحرير قد قُضي عليها أثناء الاشتباكات (وقيل إنّها أُعدمتْ ميدانيًا).
استمرتْ الأصوات حوالي ساعتين أو أكثر، تخلّلتها كثيرًا طلقات مدفعية م. ط كنّا نرى أثرها في السماء
فيما بعد تبيّن أنّها محاولة قام بها مجموعة من الضباط تمّ السيطرة عليها واعتقالهم، سُمّيتْ حركة 18 تموز
لا زلت أذكر منهم: جاسم علوان ومحمد الجرّاح ومحمد نبهان ورائف (أو رئيف) المعرّي
قُدّموا للمحاكمة وحُكم عليهم بالإعدام، إلّا أنّ الجزائر توسّطتْ لهم، بناء على طلب من عبد الناصر، فتمّ تخييرهم بالنفي إلى مصر أو الجزائر
اختار علوان والجرّاح وباقي المجموعة مصر، بينما اختار الجزائر المعرّي ونبهان الذي عاد إلى سورية لاحقًا.
-وعلى إثرها جرتْ اعتقالات كثيرة في صفوف المدنيين ذوي الاتجاه الناصري، أُفرج عنهم لاحقًا
+ثم ... في صباح يوم 23 شباط 1966، وكان يوم أربعاء، حصلتْ أيضًا اشتباكات نارية قوية سُمعتْ أصداؤها في دمشق كلّها، وكانت بعيدة عن منزلنا، واستمرتْ لساعات
سمعنا لاحقًا بيانات ومنع تجوّل وبرقيات تأييد وتردّدت أسماء كثيرة
++ أما (تجرة اللّومي) فلها قصة طريفة سأرويها لكم لاحقًا
فإلى اللقاء
معن حيدر
@Maan Haidar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق