رحلة العذاب، شهادة فتاة من الحسكة!
"سكروا البرادي..ضبوا الموبايلات..ممنوع تتطلعوا لبرا الشبابيك..استنوا الأوامر..خلونا نخلص بسرعة ونمشي"
مع هذه الكلمات تحولت الابتسامة المرسومة على وجه مرافق سائق الباص الذي أقلنا من مدينة حمص إلى مدينة الحسكة إلى وجه عابس، وذلك قبل وصولنا إلى ما يسمى المعبر (الحاجز) بقليل. ولمن لا يعلم فالمعبر هو النقطة الفاصلة بين آخر حاجز للدولة السورية وأول حاجز لما يسمى الإدارة الذاتية وذلك للمسافرين الراغبين بالدخول إلى مناطق شمال وشرق سوريا،حيث يقع قبل مدينة الطبقة التي تتبع لمحافظة الرقة السورية.
أربع ساعات كاملة أمضيناها على المعبر، كانت عبارة عن تفتيش و"تفييش" للهويات وتحقيقات وأسئلة عن سبب قدومنا، وإذا كنا نملك وثائق تسمح لنا بالمرور والدخول إلى مناطق الإدارة الذاتية.
بالنسبة للدولة السورية فإن التدقيق لايتم عند الدخول وإنما عند الخروج من المنطقة على عكس الإدارة الذاتية التي تدقق عند الدخول وتتساهل عند الخروج.
أهم ما يتم طلبه هو وثائق تثبت أن المسافر الداخل للمنطقة هو من سكان محافظة الحسكة من قبل عُمر الأزمة أو على الأقل من قبل عام ٢٠١٨، وإلا سيتم منعه من الدخول وإرجاعه من المعبر.
"رح تاخدوا بطاقة وافد لأنو ماعندكم بيت قبل ٢٠١٨" كان هذا رد مجلس الناحية عندما زرتهم بعد وصولي مباشرة وذلك لاستفسر عن الوثائق المطلوبة لإخراج بطاقة إقامة دائمة لي و لعائلتي في المحافظة، وهل كل البشر يجب أن يملكوا منازل حتى تطلبوا مني هذا الطلب؟..
وبعد نقاش طويل كان ردهم :"طيب روحي جيبي إثبات أنك ساكنة هون من قبل ٢٠١٠ لتاخدي الإقامة الدائمة وإذا بعد ٢٠١٠ بتاخدي بطاقة إقامة مؤقتة ٥ سنين وإلا بتاخدي بطاقة وافد"..هزلت!
ومن مبدأ مجبر أخاك لا بطل ..انطلقت في رحلة الحصول على الإقامة الدائمة وكانت البداية عند رئيس الكومين (المختار) المسؤول عن منطقتنا.. سألته :"يا أخي ليش كل هالروتين وهالتدقيق؟"، أجابني أنهم يفعلون ذلك لحمايتنا فقط وأخبرني بأنهم اكتشفوا خلايا إر.هابية نائمة في الفترة الماضية لذلك هم يعملون على تشديد الإجراءات وأن هذا الأمر يصب في مصلحتنا، بالإضافة إلى أنه أنبني بسبب وجود "دائرة نفوسنا" في محافظة أخرى،"الحق عليكم ليش ما نقلتوا نفوسكم"..وهل وجود "نفوسنا" في محافظة أخرى يعتبر جريمة؟ أليست محافظة الحسكة جزء من سوريا؟
هل هم حقاً يقومون بحمايتنا؟ أم أن هذا الروتين القاتل هو لإزعاجنا و تهجيرنا فقط؟..كانت هذه الأفكار تدور في رأسي خلال قيامه بتعبئة الأوراق المطلوبة.
منذ قدومي وأنا أتسأل مع نفسي: هل من المعقول أنني أنا التي ولدت في هذه المدينة و والداي ولدا أيضا هنا بالإضافة لجميع أفراد اسرتي منذ أكثر من مئة عام، أصبحنا مضطرين أن نثبت أننا سكان أصليين و "ولاد البلد" لأناس غرباء؟!.
رحلة العذاب التي بدأت من المعبر ووصلت إلى مكتب شؤون الوافدين كآخر محطة كما أخبرونا لن تنتهي حتى لو حصلنا أنا وعائلتي على البطاقات التي ستسمح لنا بالعبور والتحرك بسهولة داخل المحافظة التي ولدنا وعشنا ودرسنا فيها..فالمشاكل التي تعاني منها المحافظة بسببهم أكبر من ذلك بكثير..وللحديث بقية
ماريا توماس
(اسم مستعار)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق