كتب الأستاذ معن حيدر:من أسرار المهنة ... التوثيق والأرشيف والمبنى


كتب الأستاذ معن حيدر:من أسرار المهنة ... التوثيق والأرشيف والمبنى
لَقِيَتْ منشورات الزميل والصديق أ. سعد القاسم التي يوثّق فيها بدايات التلفزيون السوري صدىً طيبًا وتعليقات هامة من المتابعين، ومنهم د.منير الجبان وأ. أسامة الروماني وأ. منصور ديب وغيرهم
والحديث عن التوثيق يأخذنا للحديث عن مشكلتين متلازمتين واجهتا الإدرات المتعاقبة منذ التأسيس وحتى الآن، رغم الجهود الجَديّة التي بُذِلتْ لحلِّهما من قبل تلك الإدارات، وأعني الأرشيف والمبنى
وعن تلك المشكلتين، الأرشيف والمبنى والعلاقة بينهما، سأحاول الشرح قليلًا دون إطالة:
++الأرشيف:
في عام 1960 تم إطلاق البث التلفزيوني لأول مرة في سورية من استديو صغير مؤقت أنشيء بالقرب من محطة الإرسال التلفزيوني في جبل قاسيون
-في البدء كان العمل، داخليًا ضمن استديوهات التلفزيون، يتم مباشرة على الهواء دون وجود تسجيل امرئي، أو (الفيديو) كما اصطُلح على تسميته
-أما خارجيًا فكان يتم التصوير والتسجيل سينمائيًا للأخبار والأفلام القصيرة ويبُث تلفزيونيًا
واستمر ذلك حتى نهاية السبعينيات عندما دخلتْ الكاميرات المحمولة التلفزيونية وأزاحتْ السينما من العمل التلفزيوني الأخباري
+بناء على ذلك تراكم أرشيف سينمائي أخباري من مطلع الستينيات حتى نهاية السبعينيات
-في منتصف الستينيات دخل التسجيل المرئي، وكان يتم على أشرطة مغناطيسية
+وبناء عليه تراكم عدد (هائل) من الأشرطة التلفزيونية (أشرطة الفيديو) من منتصف الستسنيات وحتى الآن، يُقدّر بعشرات وربما بمئات الآلاف
-هذا الكم من الأشرطة السينمائية والتلفزيونية يلزمه مستودعات خاصة يجب أنْ تحقّق شروطًا من حيث الحرارة والرطوبة وعزل الغبار.
++المبنى:
-انتقل المبنى من محطة قاسيون إلى ساحة الأمويين في عام 1961، بعد أن انتهى العمل في تشييد جزء صغير من أصل كتلة ضخمة من الأبنية كان من المفترض أنْ تستوعب الإذاعة والتلفزيون وملحقاتهما
وذلك وفق مخطط توأم لمخطط الإذاعة والتلفزيون في مصر، ويتكوّن من برج دائري بمستويين 8 طوابق ثم 16 طابق، وأبنية ملحقة للخدمات، وبناء للتدريب مؤلف من 8 طوابق.
-إذن في سورية اكتُفيَ بإنشاء مبنىً هو عبارة عن قوس من دائرة البرج السفلي وبخمسة طوابق فقط وليس ثمانية، على أن يُستكمل العمل لاحقًا .. ولم يُستكمل حتى الآن
وأكثر من ذلك، فقد كان المبنى المُنْشأ مخصصًا للتلفزيون، أي قناة واحدة، فأصبح يضم:
-التلفزيون بقنواته: الأولى والثانية والفضائية والدراما ونور الشام وتلاقي والإخبارية
-والإذاعة بقنواتها: البرنامج العام وصوت الشعب وصوت الشباب وسوريانا
-مديرية الإنتاج (قبل أن تصبح مؤسسة)
حدث ذلك على مراحل، وفي كل مرحلة كان يتم اللجوء للحلول الإسعافية والترقيعية
فأُحدثتْ تغييرات جذرية في البنية الوظيفية للبناء نفسه
وتم إنشاء مبانٍ ملحقة (ليست من المخطط الأصلي)، وبناء طوابق فوق أسطح الأبنية القديمة، بل و(برّاكاتٍ) أيضًا
وتمّ استئجار مبانٍ خارج المبنى، وأيضًا تم تغيير بنيتها الوظيفية أكثر من مرة
+وكما ذكرتُ أعلاه، يحتاج الأرشيف إلى مستودعات خاصة
وكان من الصعب تأمين مثل هذه المستودعات في ظلّ تلك المعطيات
ما أثّر بالتالي على الأرشيف الذي نال قسمًا منه الضياع والتلف بسبب ذلك
1- الأرشيف السينمائي الأخباري: لم يبق منه إلا ما ندر، إذْ تعرّض:
-مرتين للإتلاف: أُتلف أرشيف عهد الوحدة (1958 – 1961) من قِبَل العهد الذي تلاه، وكذلك حصل مع أرشيف عهد الانفصال (1961 - 1963).
-ومرة للتلف والضياع، في النصف الثاني من السبعينيات، وربما أواخرها، عندما هُدمتْ الغرف والبرّاكات التي تضمّ ذلك الأرشيف وأُشيد مكانهم مبنى الشؤون السينمائية في الفسحة الجنوبية الغربية وأُلقي بالأفلام (الكرديلات) في كراتين في العراء
2-الأرشيف المرئي (الفيديو):
ويقدر بملايين الساعات، مسجلة على مئات الألوف من أشرطة التسجيل المرئي من أنواعٍ تعدّدَتْ مع تطوّر التكنولوجيا: 2 إنش، 2 إنش مطوّر، بي فورمات، سي فورمات، يوماتيك، بيتاكام، سوبر بيتاكام، دي في كام .. ثم القرص الصلب Hard Disc
+وكان له نصيب لا بأس به من التلف والضياع بسبب:
-تنقّله في أماكن كثيرة، وكلها لاتحقق الشروط النظامية لتخزين الأشرطة، مثل:
مستودعات أشبه بالبرّاكات في محطتي البث الإذاعي في عدرا والصبورة (وهي تعجّ بالغبار والحرارة عدا عن الحقول المغناطيسية)
وفي (براكيّة) مستأجرة في صحنايا، كان يفيض عليها النهر في ربيع كل عام
وفي أجزاء من أقبية في مكتبة االأسد وفي مركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني التابع لجامعة الجول العربية في كفرسوسة.
وقد أُعيد معظم الأرشيف إلى مستودعات خاصة، شبه نظامية، ضمن مبنى أُنشيء في مطلع التسعينيات (وهو مبنى القناة الثانية كما أُطلق عليه آنذاك).
-وبالإضافة إلى وجود آليات عمل خاطئة في موضوع الاستعارة من مكتبة الأشرطة والإعادة إليها، وبالتالي تراكم الكثير من المواد الهامة ضمن الخزن الشخصية للعاملين.
-وأحيانًا كانت تتدخل الشخصنة والأطماع
+ولابد من الإشارة إلى أنّه كانت هناك جهودًا هندسية للحفاظ على ذلك الأرشيف من خلال مشروع أتمتته وإعادة نسخه، وكان يلاقي صعوبات كثيرة منها التغيّر السريع في أنظمة التسجيل المرئي كما ذكرتْ
+وبالطبع كانت هناك برامج تعني بالأرشيف وإعادة إحيائه، وأهمها برنامج الأستاذ صميم الشريف رحمه الله، الذي يسجّل له مثابرته وحرصه الشديد على متابعة نسخ الأرشيف بدقة وجودة لاستخدامه في برامجه
+أخيرًا لابد من التنويه بجهود السيد محمد بشير شحرور في إنقاذ الأرشيف الفوتوغرافي.
وإلى مشروع إعادة نسخ وإحياء وأتمتة الأرشيف الإذاعي بالكامل منذ تأسيس الإذاعة وحتى الآن، وتُسجّل للقائمين عليه اهتمامهم ومتابعتهم لإنجازه بنسبة تفوق 95%.
وإلى اللقاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق