يُتابع محمد قواص في هذه التدوينة عن فرصة سوريّة حقيقيّة للإستثمار في رواد الأعمال ومشاريعهم
بالمنشور السابق، حكيت عن كيف أنو الدول الأقل تطوراً، ودول النزاع والحروب، والدول الجديدة على ريادة الأعمال هي مكان أكثر من مناسب لريادة الأعمال والشركات الناشئة، والسبب انو غالباً بيكون فيها أكبر الفرص بسبب وجود مشاكل بحاجة الى حلول (ذكرت أفغانستان كمثال ناجح).
طيب هل ممكن تتحول سوريا لتصبح قصة نجاح باعتمادها على ريادة الأعمال؟ وتقدر تجذب روّاد الأعمال ليبلشوا أعمالهم داخلها؟
الجواب، بالتأكيد نعم!
ولكن قبل ذلك، يوجد الكثير من المعوّقات التي يجب العمل عليها من قبل العديد من الجهات لتجاوزها والمساهمة في خلق بيئة مناسبة لريادة الأعمال في بلدنا.
رح حاول بهالمنشور، اني لخّص هدول المعوّقات والعقبات (من وجهة نظري)، علماً انو كل نقطة منهم يمكن التبحّر فيها والغوص بتفاصيلها.
تغيير النظرة الحكومية لمفهوم "الصناعة":
من الواضح للجميع الاهتمام الحكومي بأهمية الصناعة كعامل أساسي للنهوض بالاقتصاد، وهذا ما لا يمكن لأحد الشك بأهميته.
ولكن، تبدو للأسف أن النظرة الحكومية تجاه الصناعة مازالت تقتصر على الآلات و "المكنات" والمصانع، فهي حالياً (حسب ما تبدو عليه) تقتصر على دعم صناعة المواد (أي شيء ملموس).
من أجل التحول باتجاه ريادة الأعمال، لابدّ من حدوث تغيير في النظرة الحكومية لمفهوم "الصناعة"، وذلك بإيلاء الاهتمام لـ "صناعة الخدمات"، وهي من أهم الصناعات عالمياً، صناعة الخدمات تقوم على الموارد البشريّة وليس على الآلات والمصانع، فهي استثمار لمهارات الأشخاص في تقديم خدمة معينة يهتم الآخرون بالحصول عليها. تعتبر صناعة البرمجيات (تطويرها) من أهم هذه الصناعات وتقوم حالياً عليها اقتصادات دول بكاملها.
دعم المشاريع التي تبدأ من الجامعات:
سنوياً، يقدّم الطلّاب في الجامعات الحكومية والخاصة الخريجين من كليات الهندسة المعلوماتية، الاتصالات، وغيرها مئات المشاريع شبه الجاهزة للدخول إلى سوق العمل. للأسف، معظم هذه المشاريع تنتهي بلحظة انتهاء تقديم أصحابها لها أمام لجنة التقييم الجامعية، وتُنسى كلياً بمجرد ظهور علامة المشروع، لتُرمى فيما بعد في إحدى الدروج المهجورة منذ سنوات (هذا إن حالفها الحظ).
للتحول ببلدنا باتجاه ريادة الأعمال، من الضروري جداً تقديم الدعم والاهتمام بهذه المشاريع والأفكار المحليّة الشبابية، ودعمها لتحويل الناجح منها إلى أعمال تقدم خدمة للاقتصاد أو للمجتمع.
ترخيص جديد عادل:
حالياً، تُعامل المشاريع الجديدة والشركات الناشئة معاملة الشركات الضخمة، وتخضع لنفس القوانين ونفس نظام التأسيس، وهذا غير منطقي بالنسبة لشركة مازالت في مرحلة "صراع البقاء" أو الانطلاق إن صح التعبير.
في معظم الدول المتقدمة، يوجد نظام ترخيص مخصص للشركات الناشئة وروّاد الأعمال الجدد، بتسهيلات كثيرة و
ضرائب مُخفّضة (أو ضريبة دخل ثابتة) لتتناسب مع المرحلة التي مازالت فيها الشركة الناشئة.
كل ذلك بهدف تحفيز ريادة الأعمال على المستوى الوطني.
دور جديد (وفاعل) للنقابات:
حسب القوانين الحالية، فالخريج من كلية الهندسة المعلوماتية لن يستطيع البدء بمشروعه الخاص (كفتح مكتب هندسي على سبيل المثال) إلا بعد مرور خمس سنوات (يقضيها الخرّيج إما كتدريب ضمن مكاتب هندسية أو العمل مع شركة ما) وذلك ليتم اعتباره كـ "ممارس" من قبل نقابة المهندسين). هذا النوع من القوانين لا يتناسب مع طبيعة الهندسة المعلوماتية.
بمعنى آخر، من غير المنطقي معاملة مهندس المعلوماتية بنفس معاملة المهندس المدني أو مهندس العمارة.
لا بدّ من التفريق بين المهندسين حسب اختصاصهم، فمدة الخبرة المطلوبة ونوعها وطريقة الحصول عليها تختلف كليّاً بين مهندس المعلوماتية ومهندس العمارة!
لا بدّ من وجود شكل مناسب لترخيص الشركات الناشئة (إما بفرع جديد داخل نقابة المهندسين يفصل بين هندسة المعلوماتية وباقي الهندسات، أو بصياغة قانونية مُلائمة داخل غرفة التجارة).
إطار قانوني لدعم روّاد الأعمال:
من غير المنطقي أن يكون من ضمن المتطلبات لإنشاء مشروع ريادي يقوم على مبدأ "العمل عن بعد"، وييستخدم فريقه أحدث تقنيات "عمل الأونلاين"، ويتواصلون مع زبائن وعملاء متواجدين حول العالم، من غير المنطقي طلب وجود "عقار تجاري" كشرط لترخيص هذا العمل!
الآن، يوجد الآلاف من الـ "Freelancers" الذين يعملون من بيوتهم (في الخفاء) ويقدمون خدمات عالية الجودة للكثير من الدول حول العالم. يجب أن نفكّر بطريقة تجعل من عملهم منظماً، مما سيعود بفوائد كثيرة على كلا الطرفين.
تأمين مساحة تجمع "المعلوماتيين" و "روّاد الأعمال":
توفر الدولة عشرات (إن لم يكن مئات) المساحات والمراكز الثقافية والفنية، ولكن مازلنا نفتقر لمساحة تجمع الأشخاص المهتمين والعاملين في المجال التقني ومجال "الأعمال". إذا كان لأحد روّاد الأعمال فكرة معينة ويودّ طرحها على "مجتمع المعلوماتيين أو مجتمع روّاد الأعمال" فهل توجد مساحة أو منصة مناسبة للنقاش وتبادل الأفكار والخبرات؟
إن أردنا التحول لدولة "ريادة أعمال"، لا بدّ من إنشاء مساحات مشتركة. هذا النوع من المساحات يُحفز الإبداع والابتكار ويساهم في خلق بيئة ملائمة لريادة الأعمال.
ختاماً، لا بد من تسليط الضوء على الكثير من المحاولات التي تقوم بها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في دعم هذا القطّاع، من معارض المشاريع، للمسابقات الجامعية، وغيرها من المبادرات الداعمة للمشاريع الصغيرة، ولكن اليوم نحن بحاجة إلى تغيير حقيقي في منظومة التفكير للانطلاق إلى مرحلة أخرى تكون فيها ريادة الأعمال عاملاً أساسياً في انتعاش الاقتصاد السوري.
ما رأيكم؟ هل يمكن حلّ هذا العقبات وتجاوزها؟ كيف تتخيلون سيكون شكل المشهد الاقتصادي في حال تجاوزناها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق