أبو خليل القبّاني، رائد المسرح السوري


كتب يوسف شرقاوي:
أبو خليل القبّاني، رائد المسرح السوري، وفرقته "مرسح العادات الشرقيّة"، هل قدّموا عروض بشيكاغو؟ وشو أخدهن لأميركا؟
- بدايةً، وكتاريخ موجز: ولد أحمد بن محمد بن حسين آقبيق، الشيخ "أبو خليل القباني" بدمشق، عام 1842.
بدأ التفكير بالمسرح بعد ما شاهد مسرحية بمدرسة اللعازارية، وبدأ نشاطه المسرحي بشكل ضيّق حتى التقى بالوالي عبد اللطيف صبحي باشا عام 1872، كلّفه الأخير بتشكيل فرقة، فأسس القباني بين 1874 - 1875 أول دار للمسرح بدمشق، وبعد كم عرض ثار عليه رجال الدين - أغلب الظن - بسبب مسرحية: هارون الرشيد.
وصل مدحت باشا سنة 1878 كوالي جديد، طلب من القباني إعادة تشكيل الفرقة، واشتغل القباني لست سنين، ثم أسّس مسرحه بـ "خان الجمرك"، ورجعت فئة من الشيوخ ثارت عليه، وانتدبوا للقسطينطينة وفد لعند رجال السلطان، أوقِف القباني عن العمل بعدها. سافر لمصر، طمعاً بالحرية، ولكن جريدة "الزمان" شنّت حرب ضدّه، سنة 1885، غادر مصر بعدها سنة 1886، وبحث عن فرصة جديدة بولاية سوريا، تحديداً مدينة بيروت. من هنيك تقدّم القبّاني بطلب لمكتب الصدارة العظمى بإسطنبول، "لمنحه رخصة إقامة (تياترو)، في بيروت، لعرضه (لعبيات) مسرحيّات، باللغة العربية".
قوبل الطلب بالرفض، فرجع القباني للقاهرة، بعد عروض كثيرة، رجع لدمشق سنة 1890 ليرتاح، وظهر ببيروت من جديد سنة 1892 مع فرقة كبيرة، استعداداً للتوجه لشيكاغو، والمشاركة بمعرضها الدولي!
(حكاية القبّاني فضفاضة، من مهاجمات وحرق مسرحه لمرتين ومضايقات، كتب الراحل الشهير سعد الله ونوس مقالة عن أسباب مواجهة قوى الرجعية لأبي خليل، وكتب برضو مسرحية بعنوان: سهرة مع أبي خليل القبّاني، بيقتبس فيها من مسرحياته، وبيحتفي فيه).
- فرقة "مرسح العادات الشرقية" (كلمة مسرح ما كانت موجودة باللغة العربية آنذاك، وهالكلمة "مرسح" استعارها مارون النقاش سنة 1847 كمعادل للكلمة الإغريقية "تياترو"، عن المصطلح الشعبي "المرزح" أو "المرسح" اللي كان معروف بالأرياف كمكان لتجمّع الراقصين بحلقة الدبكة).
هالفرقة فيها 50 ممثل وعازف وراقص، شكّلها القباني سنة 1892. وكانت الشركة المموّلة للمشروع "شركة العوائد الشرقية" المسجلة ببيروت وشيكاغو باسم الصحافي البيروتي: "بطرس أنطونيوس وشركاه".
- كيف بدأت الرحلة؟
تلقّت السلطنة العثمانية بـ التاسع من شباط 1891 دعوة موقعة من الرئيس الأمريكي "بنيامين هاريسون" للمشاركة بمعرض شيكاغو الكولومبي.
بعد أخذ ورد وخناقات بين الشركات، نشرت جريدة "كوكب أمريكا" إنه "بطرس أفندي أنطونيوس" حصل على امتياز تمثيل "العادات الشرقية". وبرسالة لبطرس، كتب فيها معلومات عن "شركة العوائد الشرقية" اللي تأسست ببيروت، بيترأسها خمس أشخاص، منهن المدير الفني، وهو: أبو خليل القباني.
- اكتمل الاستعداد ببيروت، أعدّ القبّاني الممثلين ودرّبهن على أدوارهن. انقسم طاقم الفرقة لقسمين، كل قسم منهن سافر على حدة. الأول على متن الباخرة الخديوية القادمة من ميناء مرسين، والثاني على متن السفينة الفرنسية القادمة من أزمير. وصلوا الإسكندرية بعد يومين، ومن الإسكندرية انتقلوا لجنوة على متن باخرة البريد والنقل البريطانية "كاثاي". ومن جنوة الإيطالية كانت سفينة بخارية عملاقة بانتظارهم، اسمها "إس إس وبرا"، وخلال 18 يوم كانوا بنيويورك، وانتشر خبر وصول القبّاني، بجريدة "كوكب أمريكا"، أما عن برنامج فرقته الفني فذكرته الجريدة كالتالي:
"ستظهر أعمال هذه الشركة في القسم العثماني من المعرض الكولومبي، وهي تمثيل عوائد أهل الشرق من بدو وحضر في أعراسهم وولائمهم وأيام أفراحهم وأتراحهم وملابسهم، مع اختلاف بيئتهم، وتمثيل بعض حوادث تاريخية، وروايات تتضمّن الأخبار عن رجالهم العظام الأقدمين، كهارون الرشيد وعنترة العبسي، ويتخلّل كل ما تقدّم محاورات وفكاهات أدبية، وأنغام موسيقيّة يُطرِب الآذان سماعها. وقد انتُخب بعض من العارفين بأنواع الملاعب، كالسيف والترس وعصا الشوم والحكم، والضاربين بالآلات الشرقية القديمة والحديثة، كالربابة والنقيرات والدائرة إلخ، ليمثّلوا بدورهم كلَّ ذلك".
- بسجلّات الواصلين لنيويورك على متن الباخرة منقرأ اسم أعضاء الفرقة الـ 58.
غالبية الأعضاء من السوريين، منهم: أحمد آقبيق (القباني) 51 عاماً. (أي عمره).
إستيرا حنائيل الحكيم، من دمشق، 17 عاماً. المعروفة باسم "طيرة الحكيم". (من المرجّح إن القباني كتب "يا طيرة طيري يا حمامة" إلها، وقيل إن طيرة الحكيم قدّمت رقصتها الدمشقيّة على أنغام أغنية اسمها "طيرة" احتمال كبير تكون ذات الأغنية). ومشهورة بأغنية "عالهيلا عالهيلا يا ربعنا". (برضو من المرجح إن القباني كتبلها ياها أثناء السفر).
من الأسماء برضو: المطربة وعازفة القانون والممثلة، من بيروت، ملكة سرور، 16 عاماً.
واسم الممثلتين الشقيقتين: بمبا وجميلة سعادة من دمشق. وعازفة الإيقاع ماري لشمة من دمشق، إلياس قطان من بيت لحم وزوجته ماري دلدوح من لبنان.
والممثلة جنفياف ضومط السورية المقيمة في الإسكندرية، 20 عاماً. وشقيقها: جوزيف ضومط.
وأسماء كثيرة غيرهم.
- بمجرّد وصول الفرقة لشيكاغو، باشرت تدريباتها بمبنى "المسرح التركي". وبدأت عروضها بواحد أيار.
وزّع "مرسح العادات الشرقية" دليل باللغة الإنكليزية للزوّار، مقدّمة تعريفية بالدولة العثمانية، وتلخيص للعروض التمانة اللي انطوى عليهن البرنامج.
وهنن:
1 - الدراما الكردية.
2 - الدراما القلمونية.
3 - المروءة والوفاء.
4 - عرس دمشقي.
5 - عنتر بن شداد.
6 - هارون الرشيد.
7 - العروس التركية.
8 - الابن الضال.
- ردود الفعل - الصحفية منها خصوصاً - كانت عظيمة، وحدثت أمور غريبة منها اتهام مؤلفين مسرحيين أمريكيين أو بريطانيين بسرقة حكايا مسرحيات أبو خليل القبّاني.
أعضاء الكونغرس الأمريكي نصحوا مراسل "نيويورك تريبيون" بزيارة المسرح التركي. والجمعيّة الوطنية الأمريكية لمحرّري الصحف عملوا زيارة جماعية للمسرح التركي للمشاهدة.
- بلا شك، صار رقابات كتيرة، متل ضغوط مورِسَت على الممثلات ليلبسوا "شال" من الموسلين. والرقابة كانت من الجهات الأمريكية والعثمانية على حدٍّ سواء. وحدثت إشكالات كثيرة لمسألة "الرقص الشرقي". إثر ذلك، ومشاكل كتيرة تانية منها "افتراء بعض المفسدين بتورّط مرسح العادات الشرقية بمؤامرة تستهدف مكانة السلطنة".
اختصر القباني إقامته بشيكاغو من ست شهور لشهرين، فبعد شهرين من وجوده، نشرت صحيفة "كوكب أمريكا" خبر مفاده: "مغادرة حضرة الفاضل الشيخ أبو خليل القباني المشهور بفن التمثيل، والذي كان استلم إدارة تمثيل العوائد الشرقية في المسرح الكولومبي". متوجهاً إلى لندن وباريس للسياحة، قبل أن يعود إلى أرض الوطن.
المصدر: من دمشق إلى شيكاغو، رحلة أبي خليل القباني إلى أمريكا 1893، للباحث: تيسير خلف.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق