جمعية تحرير فلسطين
لعل من غير المفاجئ أن تكون الأيام قد طمست ذكر هذه الجمعية. وهكذا فعلت الذاكرة أيضاً. لكن من الضروري اليوم، في خضم ما يجري في فلسطين من محو وإبادة، إعادة إحياء ذكرى هذه الجمعية التي أسسها في دمشق سنة 1947 عدد من رجال السياسة، ولم يتخلف عن الالتحاق بها إلا الحزب الشيوعي السوري.
انبثق عن هذه الجمعية لجان عدة منها العسكري والسياسي، وكانت الأبرز فيها اللجان الاجتماعية التي أخذت على عاتقها استقبال اللاجئين الفلسطينيين، وتأمين الطعام والمأوى لهم، وقد عمد بعضهم إلى مضافات أقربائهم أو معارفهم، وجعلها أمكنة لإيواء اللاجئين.
واندفعت مجموعات من الشباب للانتساب إلى الجمعية. وكنت ورفاقي من بينهم، فقد تسلمنا مواقعنا ومارسنا النشاطات التي تتلاءم مع كل منا شباناً وشابات. وكنا نتسابق لجمع التبرعات من معارفنا أولاً. ثم اتسع المجال للطواف على المحلات التجارية في الأسواق. وأستطيع القول إنه ما من تاجر قصدناه، إلا وجدنا قد اقتطع من حسابه ليسلمه لنا.
نحن والتجار اليهود
من الطرف التي صادفتنا، أن رفيقاً لنا هو مأمون مريود قصد بعض التجار اليهود في سوق الحميدية وأخذ منهم التبرعات التي اعتبروها غبناً بحقهم، لأنها قد تكون اقتصرت عليهم وحدهم، أو انتقاماً من أعمال اليهود في فلسطين. فجاء نائبهم في البرلمان السوري وحيد مزراحي إلى الجمعية محتجاً. وادعى أننا أخذنا التبرع عنوة، فاستمع اليهم عضو الجمعية الأستاذ شاكر العاص، ووعدهم بإجراء اللازم والاقتصاص من هؤلاء (الزعران).
فما كان من أمين السر للجنة منيب الرفاعي، إلا أن وقف بوجه شاكر العاص قائلاً له: هدول مو زعران بل أولاد عائلات ومن أحسن العائلات. فأدرك العاص أن منيب واحد منهم، وقال له اسأل حضرة النائب، هل أخذوا فلساً واحداً بلا ايصال رسمي؟ فأجاب النائب أبداً، وكانت الايصالات باسم جمعية تحرير فلسطين.
فالتفت العاص عندما علم أن مأمون مــريود هــو المقصود وقال للرفاعي: بلغ إخوانك تحياتنا فــي الجــمعية وشكــرنا على ما يفعلونه.
أقمنا العديد من المهرجانات للتبرع. وأستطيع القول ان عشرات الكيلوغرامات من الذهب كانت قد تبرعت بها سيدات دمشق الفاضلات. ولم نترك حتى النوادي الليلية حتى أخذنا منها حصتنا من التبرعات، لكن ذلك لم يكن كافياً لاستيعاب اللاجئين ومدّهم بأود العيش. لذلك عمدت الدولة إلى تأسيس مؤسسة عامة لهذا الغرض.
الجمعية
أسندت إدارتها إلى أحد كبار موظفي وزارة الخارجية هو الدكتور سليم اليافي. وبذلك أصبح موضوع اللاجئين منوطاً بهذه المؤسسة التي شملت أعمالها كافة النشاطات الاجتماعية المتعلقة بهم، وأفرزت بعض الأطباء، وبخاصة الفلسطينيين لمساعدة إخوانهم. وباختصار كانت المؤسسة المرجع العام للفلسطينيين.
أما جمعية تحرير فلسطين فما إن بدأت اعمالها حتى أخذت تسجل أسماء المتطوعين الراغبين في القتال في فلسطين. وكانت المفاجأة الكبرى أن مجموع الشباب العاملين والمتطوعين فيها سجلوا أسماءهم للقتال. وما إن اطلع الفريق طه الهاشمي على هذه القائمة حتى قال: اغلقوا الجمعية كيف ستشتغلون من دون هؤلاء الشباب؟
المصدقات الرسمية للتنقلات
أرفق، هنا، صورة عن شهادة التعريف بنا (في التعليق الأول) عند اجتيازنا الحدود الى فلسطين بعتادنا الكامل . وكنا، قبل ذلك، ننتقل عبر الحدود بكل حرية، إلى أن اجتمعت حكومات دول الطوق في درعا وعينت الملك عبد الله بن الحسين قائداً عاماً للجيوش العربية. عند ذلك حاولوا ضبط الأوضاع بحسب تعليمات الجنرال البريطاني غلوب باشا وصرنا خاضعين لهذه التصريحات وصورتنا عليها مصدقة أصولاً.
لكن الإرث الكبير الذي أورثني إياه والدي رحمات الله عليه هو شهادة إقامته الفلسطينية في يافا منذ عام 1941 ما سهل لي بعض التنقلات في فلسطين لم يستطع غيري القيام بها آنذاك. لكن معرفتي بالمواقع الفلسطينية من يافا حتى القدس سمحت لي بالتنقل وتنفيذ المهام التي لم تتوافر لغيري. وإنني واثق بأن المعركة الحاسمة آتية لا ريب فيها، والنصر لاح فجره مصداقاً للحديث الشريف: (تفتح عليكم بلاد الشام. فمن اختار ثغراً من تلك الثغور، رجالها ونساؤها مرابطون إلى يوم القيامة)
ممدوح رحمون | آذار 2012
أرشيف جريدة السفير
*الصورة لتدافع المتطوعين أمام مكتب جمعية تحرير فلسطين بدمشق 1948
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق